الموحّدون الدروز: من يميط اللثام عنهم؟

الموحّدون الدروز: من يميط اللثام عنهم؟


16/09/2020

كثيرة هي الدعوات التي تلحّ على إعادة النظر في موضوع تصنيف "الفرق والطوائف"، والخروج من عباءة مصادرها السنّية الرئيسة، منذ ألف عام تقريباً، وأغلب من تحدّث عن هذه الفرق اعتمد، بشكل أو بآخر، على نظرة، أمثال الأشعري، والبغدادي، وابن حزم، والشهرستاني (وهو آخرهم وفاة عام 548)، مع إضافات تخصّ المدرسة السلفية، ودائماً من منظور تيميّ، دون مراعاة التطور الفكري لهذه الفرق والطوائف بعد عصر المدونين الأوائل، على افتراض دقة معالجتهم لمقالاتها، فهم يكتبون من موقع الخصم الديني، وهذا ما يطرح أسئلة كثيرة حول موضوعية تناولهم لها، وهنا تحضر الباطنية وبعض تقسيماتها، كالدروز، نموذج حيّ.
مصطلح الباطنية
ولعلّ أكثر ما يستحق إعادة الفحص والدراسة؛ هو ما يندرج تحت مصطلح "الباطنية"؛ فدارسو هذا المسمّى من المنتسبين للسنّة في العصر الحديث، يؤكّدون غموض عقائد فروع  الباطنية وسرّيتها، وتسلّحها بـ" التقيّة"، مع تعميم خلاصات خطيرة حول هذه الطوائف دون تفصيل، كما فعل الخطيب في كتابه "الحركات الباطنية في العالم الإسلامي عقائدها وحكم الإسلام فيها"؛ فهو بعد أن تناول الإسماعيلية، التي جعلها عماد الباطنية، وذكر تفرعاتها من وجهة نظره، لم يهتم كثيراً بملاحظة الفروق الواضحة "المعاصرة" بين هذه  المسميات.

لم تحظَ هذه الطائفة بأية دراسة جدّية تعتمد على مصادرها وملاحظة واقعها؛ لذا جدير بالباحثين مراجعة كلّ ما كتب عنها، خاصة من أهل "الطائفة" نفسها، لمعرفة حقيقة مذهبهم


 والغريب أنّه اتكأ على موقف سياسي لتعميم هذا الحكم، ممثلاً في "النصيرية"، دون أن يأخذ بعين الاعتبار موقف شقيقتها، طائفة الموحدين، في الأصل "الباطني الإسماعيلي"، بحسب تقسيمه، والتي تختلف بشكل جذري  في رؤيتها لمجمل القضايا، بما فيها "تحالف الأقليات" إضافة لإرثها المعاصر من التماهي مع قضايا الجمهور وعموم المسلمين، ومن هنا تنبغي إعادة النظر في مجمل ما كتب عن طائفة "الموحدون"، أو "بني معروف"، ولا أقل من الأخذ من مصادرهم من باب الموضوعية والإنصاف.

 الموحّدون الدروز
لم تحظَ هذه الطائفة بأية دراسة جدّية تعتمد على مصادرها وملاحظة واقعها؛ لذا جدير بالباحثين مراجعة كلّ ما كتب عنها، خاصة من أهل "الطائفة" نفسها، لمعرفة حقيقة مذهبهم، وهل هو فعلاً، كما تقول عنه مصادر الخصوم، ومن الأمور المساعدة على ذلك شيوع المعلومة والتدفق المعرفي بفضل التقنيات الحديثة.
 يكفي أنّ رأس الطائفة، الشيخ نعيم حسن، قد صنّف في التعريف بمذهبهم، من خلال كتابه "السبيل إلى التوحيد"، وذكر فيه أصول المذهب الخمسة في تقاطع لا يمكن تجاهله مع المعتزلة، وهم المؤثر الكلامي الأول في كثير من الفرق المعاصرة.

اقرأ أيضاً: الدروز: غموض ديني وعروبة أصيلة
 ومن هذه النقطة يمكن القول: إنّه لا توجد قطيعة كاملة بين هذه الطائفة وعموم المسلمين، كما هو السائد في الدراسات العقدية، وحتى ما يخصّ الشعائر الظاهرة، كالصلاة، يمكن تفسير عدم وجودها، كما هو الوضع عند عموم المسلمين إلى فترة اضطهاد من قبل دول معينة، كانت مهيمنة على مناطق نفوذهم، كما يرجّح المرجع الجعفري، محمد حسين فضل الله.

الاستثناء الدرزي

المتأمل في معظم الكتابات التي تناولت الفرق التي تصنّف تحت "الباطنية" في الأوساط السنّية ؛أنها تدعّم التباعد العقدي بين الجمهور، وهذه الطوائف، بموقفها السياسي من أعداء الأمة (السنّة)، كما يظهر جلياً في مصنّفات ابن تيمية، وكذلك الغالبية من المعاصرين، وأن هذه الطوائف غالباً ما تكون تحت جناح الخصم العقدي لهم، مستشهدين بتحالف هذه الطوائف مع ولاية الفقيه، سواء فيما يخصّ إسماعيلية شبه الجزيرة الهندية، أو حتى "العلويين" في سوريا، وبغضّ النظر عن صحة هذه الفرضية؛ لأنّها ليست دقيقة، ومن الخطأ تعميمها، يبقى الدروز خارج هذه المعادلة التحالفية، بل هم رأس الحربة ضدّ ما يمكن تسميته "تحالف الأقليات"، وموقف قيادتهم السياسية الأبرز، ومشيخة العقل خير برهان على ذلك، رغم محاولات من هذا النوع في السويداء، التي لا تخرج في النهاية عن صدّ "المبيد لهم"، تحت أيّ عنوان، خاصة أنّه متسلح بتراث لا يرى غضاضة في استباحة دمهم وعرضهم، وقل مثل ذلك عن موقفهم في إسرائيل، الذي لا يعدو كونه تفصيلاً واسعاً، وأكثر أريحة داخل المجال البشري في  الخطّ الأخضر بأكثريته السنّية.

من الغبن عدم الاعتراف بالأدوار الجامعة لأبناء هذه الطائفة (شكيب أرسلان، كمال جنبلاط، سلطان باشا الأطرش)، وهذا ما يجعل من الصعوبة على الشخص غير المتخصص معرفة طوائفهم


ومن الغبن عدم الاعتراف بالأدوار الجامعة لأبناء هذه الطائفة (شكيب أرسلان، كمال جنبلاط، سلطان باشا الأطرش)، وهذا ما يجعل من الصعوبة على الشخص غير المتخصص معرفة طوائفهم، كما هو حاصل مع عوائل أبو شقرا وحمادة والعريضي، وعائلات كثيرة في الوسط الدرزي، فيما يمكن بسهولة تمييز خطاب أفراد بقية الطوائف.
الساحة الفكرية والعلمية في حاجة ملحّة إلى بحث موضوعي يعرّف القارئ بهذا المذهب، بعيداً عن  الغرائبيات، أو على الأقل الوقوف على حقيقتها، خاصة أنّها أصبحت كالمسلّمات في كثير من المصادر الإسلامية المعاصرة، كما يلاحظ مع "المصحف المنفرد بذاته"، والذي أضفى على هذه الطائفة ظلالاً من الغموض والسرّية في نظر الكافة، وهو الأمر الذي يمكن كشفه من خلال دراسة جادة تستند على المصادر المعتبرة في الطائفة، وهي موجودة، ولو لم تكن بالوفرة المفترضة نفسها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية