إيران وأوروبا: الغاز مقابل صد الصدمات

إيران وأوروبا: الغاز مقابل صد الصدمات


31/03/2022

شكل الغزو الروسي لأوكرانيا لحظة مفصلية بالنسبة إلى العديد من الدول التي طالتها تداعيات الحرب سياسيا واقتصاديا وعلى مستوى الطاقة والنقل عبر غرب أوراسيا.

وتقوم تلك الدول بمناورات للتخفيف من تلك التداعيات بينما يتشكّل دفع تجاري جديد بوتيرة سريعة. وقد وقّعت ألمانيا وقطر عقد شراكة طاقة طويلة الأمد لتوصيل الغاز الطبيعي القطري، حيث يتطلع الألمان إلى التقليل من الاعتماد على الإمدادات الروسية. وتقع احتياطيات قطر في أكبر حقل غاز في العالم تشترك فيه مع جارتها الشمالية إيران.

وللإيرانيين خيار تسخير الفرص الاقتصادية الجديدة الناشئة عن عزلة روسيا الدولية. لكن على عكس ما حدث في قطر، فإن المتشددين الحاكمين في طهران ليسوا مدفوعين بالمنطق التجاري.

فبحسب تصريحات المسؤولين في طهران، وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي، لن تستغل إيران الفرصة هذه المرة أيضا لأسباب داخلية تعود إلى ارتهان هؤلاء المتشددين بأيديولوجيات معادية للغرب، وأخرى خارجية بعد تهميش إيران من قبل الولايات المتحدة وأوروبا اللتين عملتا على إبعادها عن جميع مشاريع تجارة الطاقة والعبور الرئيسية التي ربطت الشرق الأوسط الكبير بالأسواق الأوروبية.

مراجعة عزل إيران

تدفع حاجة الغربيين إلى التقليل من الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية وغيرها إلى البحث عن ملاذات أخرى ما قد يجعلهم يراجعون سياسة عزل إيران اقتصاديا.

وقال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران وزميل أول في مبادرة فرونتير يوروب في معهد الشرق الأوسط، “ربما ستعطي خطورة الغزو الروسي لأوكرانيا الولايات المتحدة وأوروبا سببا لإعادة النظر في عزل إيران اقتصاديا”.

وأضاف فاتانكا في تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية أنه “مع ذلك سيتعين على طهران أن تلعب دورا من أجل تعايش إيراني – أوروبي جديد في مجال الطاقة والعبور لتحقيق أي فرصة للنجاح”.

وكانت آخر مرة أضاعت فيها إيران فرصة كهذه في منتصف التسعينات؛ فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي انطلقت لعبة جديدة كبيرة، وبحث منتجو النفط والغاز من الدول المستقلة حديثا في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز عن أفضل الطرق إلى الأسواق الأوروبية مع تجنب روسيا.

وكانت طهران حريصة على لعب دور؛ ففي غضون أسابيع قليلة من انهيار الاتحاد السوفياتي وقعت إيران وأوكرانيا صفقة بقيمة 4 ملايين طن من البترول و3 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا. كما وقّعت اتفاقية مع أذربيجان تتعلق بثلاثة خطوط أنابيب للغاز الطبيعي تمتد من إيران عبر أذربيجان إلى أوكرانيا مرورا بميناء على ساحل البحر الأسود في جورجيا. وكان هناك أيضا حديث عن خطي أنابيب نفط منفصلين يسلكان نفس المسار.

وسيمكن لأوكرانيا أن تكون المستخدم النهائي لصادرات النفط والغاز الإيرانية، كما ستكون أيضا طريق عبور إلى الأسواق الأوروبية.

ولم تكن موسكو مسرورة بالتخلي عن مشاريع خطوط الأنابيب هذه، لكن علاقات طهران المضطربة مع واشنطن هي التي منعت خطوط أنابيبها من عبور الدول المطلة على البحر الأسود. ولم يكن التفكير جدّيا في استخدام الأراضي الإيرانية كممر عبور للأسواق العالمية، وهو طريق جنوبي صلب تجاريا بسبب معارضة الولايات المتحدة مرة أخرى.

وبالنسبة إلى واشنطن كان على السياسة الخارجية الإيرانية أن تتغير جذريا قبل السماح لشركات النفط والغاز الدولية الكبرى بالنظر بشكل جدي إلى إيران كشريك تجاري.

ومهدت الولايات المتحدة المسرح، ورددت أوروبا هذا الموقف الأميركي إلى حد كبير. ولا يقتصر هذا الواقع على النفط والغاز فقط. وقد جرى استبعاد إيران بشكل شامل من مشاريع النقل الإقليمية الكبرى، مثل مشروع ممر النقل بين أوروبا والقوقاز وآسيا، الذي أطلق في 1993.

واستمر اتجاه تهميش إيران في السنوات التالية. ولم يعتبر الاتحاد الأوروبي إيران جزءا لا يتجزأ من خططه المستقبلية لمشاريع الطاقة والنقل التي تمتد عبر بحر قزوين والبحر الأسود. وفي الواقع، ضمن تقرير التقييم والتوصية السياسية لسنة 2015 الصادر عن المفوضية الأوروبية، والذي جاء تحت عنوان “تآزر البحر الأسود: مراجعة مبادرة التعاون الإقليمي”، لم تُذكر إيران ولو مرة واحدة، على الرغم من أن الطاقة والنقل يشكلان أجزاء رئيسية من التقرير المتعلق بكيفية تحقيق تكامل أكبر في المنطقة.

وقال فاتانكا، الذي صدر له كتاب بعنوان “معركة آيات الله في إيران: الولايات المتحدة والسياسة الخارجية والتنافس السياسي منذ 1979″، إن “هذا الافتقار إلى الاهتمام الأوروبي بإشراك طهران في أي مخططات اقتصادية شاملة، إلى جانب سياسة الضغط التي تنتهجها واشنطن ضد إيران، أدى فعليا إلى جعل البلاد منبوذة اقتصاديا. لكن جغرافيتها، التي تعمل كجسر بري بين الشرق والغرب والشمال والجنوب (بالإضافة إلى حقيقة أنها تضم أكبر احتياطيات نفط وغاز مشتركة في أي دولة)، ستجعلها دائما أساسية”.

ولأن الولايات المتحدة في السنوات الثلاثين الماضية زادت ضغوطها على إيران اقتصاديا، بما في ذلك فرض بعض أشد العقوبات في التاريخ، فإن كبار القادة السياسيين في إيران لم يندموا. وكما قال المرشد الأعلى علي خامنئي يجب على طهران التركيز على بناء علاقات مع دول في الشرق، مثل روسيا والصين. واعتبر أن تعليق الآمال على الغرب أو أوروبا لن يؤدي إلا إلى التقليل من شأن إيران.

خطأ خامنئي

يبدو موقف خامنئي بشأن علاقات إيران على الساحة الدولية مجازفة، لاسيما في ظل الأزمات التي يرزح تحت وطأتها الاقتصاد الإيراني.

ويرى فاتانكا أن “هذا الرأي يبقى أكبر خطأ استراتيجي لخامنئي فيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد الإيراني؛ ذلك أن اقتصار العلاقات الاقتصادية على حفنة من البلدان يشكل مخاطر جسيمة”. وتمثل الصين ثلث إجمالي التجارة الإيرانية وهي أكبر مستثمر أجنبي في البلاد. لكن الاقتصاد الإيراني لا يزال أداؤه أقل بكثير من إمكانياته، واعترف خامنئي نفسه في وقت سابق بأن هذا الوضع لن يتحسن في أي وقت قريب. ويخدم توسيع قائمة شركاء طهران الاقتصاديين المصلحة الوطنية الإيرانية.

وقال فاتانكا إنه “لا شك في أن نهج خامنئي الانتقائي للغاية في تكوين شركاء اقتصاديين هو انعكاس لنبذ الغرب إيران في العقود القليلة الماضية. لكن القادة الإيرانيين يعرفون جيدا أن سياسة خارجية واقتصادية أكثر توازنا (وهي نوع من التطلعات بالنسبة إلى الكثيرين في الرتب الدنيا من النظام في طهران) تعدّ شرطا أساسيا حتى لخطط طهران الأقل طموحا والتي تشمل جيرانها المباشرين. وحاليا تضغط طهران، على سبيل المثال، بشدة لتسويق نفسها كمركز للطاقة والنقل. وتصاغ هذه السياسة على أعلى مستوى في طهران”.

ولإيران تاريخ في مقايضة الغاز، لكن السجل كان مختلطا وتركز التجارة على شمال إيران المباشر. وتوفر الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا فرصة لطهران للعمل مع جيرانها المصدرين للغاز، وخاصة تركمانستان وأذربيجان.

وفي ديسمبر 2021 بدأت إيران وأذربيجان في تنفيذ اتفاقية الغاز مع تركمانستان. وسيصل الغاز التركماني إلى أذربيجان عبر الأراضي الإيرانية. وترتبط أذربيجان ارتباطا وثيقا بالأسواق الأوروبية عبر خطوط الأنابيب التي تمر من تركيا. ويعدّ هذا أحدث جهد في المحاولات الإيرانية المختلفة على مدار الثلاثين عاما الماضية لجعل البلاد مصدّرا ومركزا لتجارة الغاز الطبيعي في بحر قزوين وحوله بهدف إمداد الأسواق البعيدة، وعلى الأخص أسواق أوروبا. ولكن لكي تكون خطة اللعبة هذه واقعية، يجب أن تكون سياسات مثل هذا المشروع متزامنة بشكل أفضل مع منطقه التجاري.

ويمكن الآن لعاملين مختلفين ولكن متداخلين أن يدفعا أشرعة إيران. الأول هو دفع الدول الأوروبية إلى إيجاد مصادر طاقة بديلة لمعاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا. وتمتلك إيران الكثير من الإمكانات كمصدر رئيسي للنفط والغاز. وسيستغرق الأمر وقتا وسيتطلب رأس مال، ولكن من غير المرجح أن تختفي الأزمة بشأن أوكرانيا في أي وقت قريب.

ويكمن العامل الثاني في احتمال التوقيع الوشيك على اتفاق نووي جديد بين إيران والقوى العالمية، حيث ستوفر هذه الاتفاقية الجديدة هامشا لإيران يسمح لها بالترويج لإمكانياتها مرة أخرى كشريك اقتصادي لأوروبا.

ولا يعني هذا أن إيران ستتخلى عن إعطاء الأولوية لشركائها الاقتصاديين المفضلين في الشرق، وإنما هي ببساطة ستضيف إليهم، مما يوفر وسادة اقتصادية لطهران. وسيكون للدول الأوروبية -ربما تكون مدعومة من الولايات المتحدة- سببان للرغبة في أن تكون متجاوبة.

فهي بحسب فاتانكا بحاجة إلى موردي طاقة بدلاء، وقد يساعد هذا النوع من الشراكة في تحفيز القادة الإيرانيين على إعادة التفكير في جوانب سياسة طهران الخارجية التي تعتبرها القوى الغربية الأكثر اعتراضا. كما يعترف خامنئي صراحة بأن نقطة ضعف إيران هي حالة اقتصادها.

ويقدم الغزو الروسي لأوكرانيا وإمكانية عقد صفقة نووية جديدة بين طهران والغرب فرصة لرسم مسار جديد في العلاقات.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية