إخوان تونس.. كيف أضروا بالعمل الحزبي وأساءوا إلى الحياة السياسية؟

إخوان تونس.. كيف أضروا بالعمل الحزبي وأساءوا إلى الحياة السياسية؟

إخوان تونس.. كيف أضروا بالعمل الحزبي وأساءوا إلى الحياة السياسية؟


13/05/2025

تعيش تونس اليوم حالة من القطيعة شبه التامة بين المواطن والمشهد الحزبي، فقد تآكلت الأحزاب، وتراجعت التمثيلية، وأصبح الانخراط السياسي أصبح مرادفًا للشك والرفض، إذ يتهم كثيرون، في خضم هذا التدهور، حركة النهضة، بصفتها امتدادًا لتنظيم الإخوان، بأنها المسؤولة الكبرى عن تفكيك الثقة وضرب العمل الحزبي من الداخل.

فرغم الأمل الذي رافق صعود الأحزاب بعد 2011، فإن التجربة سرعان ما كشفت عن اختلالات هيكلية، منها غياب البرامج وضعف الالتصاق بالمجتمع، وقد لعبت حركة النهضة دورًا محوريًا في قيادة المشهد، لكنها تعرضت لنقد شديد بتهمة توظيف الأحزاب لأغراض سلطوية.

فبعد الثورة التونسية سنة 2011، شهدت البلاد طفرة حزبية غير مسبوقة، حيث تجاوز عدد الأحزاب المعلنة 200 حزب في ظرف وجيز. هذه الوفرة عكست رغبة مكبوتة في التعبير السياسي والانخراط الحر، لكنها لم تكن مؤشراً على نضج حزبي، لأن معظم هذه الأحزاب كانت تفتقر إلى البرامج والرؤية والقاعدة الشعبية، ما جعلها أقرب إلى مبادرات فردية أو أدوات ظرفية للتموقع السياسي، بدل أن تكون مؤسسات حقيقية تعبّر عن مصالح اجتماعية واضحة.

 انهيار الثقة الشعبية: من المسؤول؟

هذا وأظهرت استطلاعات الرأي المتتالية تراجعًا لافتًا في ثقة التونسيين بالأحزاب، حيث صنفها أكثر من 80٪ من المستجوبين كغير جديرة بالثقة، حسب سبر آراء مؤسسة "سيغما كونساي" أواخر 2024. الأحزاب تحوّلت، في نظر المواطن، إلى أدوات للابتزاز السياسي وتوزيع الغنائم.

أظهرت استطلاعات الرأي المتتالية تراجعًا لافتًا في ثقة التونسيين بالأحزاب

تُحمّل حركة النهضة جزءًا كبيرًا من هذا الفشل، لكونها تولت الحكم أو شاركت فيه منذ 2011، دون تقديم نموذج ناجح. وقد صرح الرئيس قيس سعيد أكثر من مرة بأن "الأحزاب دمرت الدولة، والبرلمان كان حلبة صراع على المنافع الشخصية"، وهو ما يفسر تبني أغلب التونسيين مشروعه في 25 تموز (يوليو) 2022.

في السياق، أكد المتخصص في مجال العلوم السياسية في "الجامعة التونسية" ناجح سالم أن "دور الأحزاب في تونس بعد 2022، اضمحل واقتصر وجودها على إصدار البيانات عند كل أزمة أو حدث في علاقة بالحريات، أو بحقوق الإنسان، أو ببعض المساجين"، لافتاً إلى أن "تونس تعيش مرحلة تأسيس جديدة بعد 25 تموز (يوليو) 2022، وهي في حاجة إلى أحزاب سياسية جديدة وجمعيات تساند الحكومة أو تعارضها من أجل تشريك المواطنين في إدارة الشأن العام".

 ويعيب المتخصص في مجال العلوم السياسية، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، على الأحزاب أنها "تعمل فقط على تصيد المطبات التي تقع فيها السلطة، لتسارع بالدعوة إلى إطاحتها، مرجعاً ذلك إلى عدم نضج الأحزاب في تونس على رغم أن بعضها نشأ قبل الاستقلال (1956)". 

وتساءل سالم عن أداء الأحزاب في تونس قائلاً "ما معنى أن الأحزاب السياسية لا تهتم بواقع التونسيين ولا تطرح البدائل الحقيقية لوضعهم الاقتصادي والاجتماعي؟"، مشدداً على أن "المستقبل هو للأحزاب الوطنية الرصينة التي تلتصق بهموم التونسيين، وتدافع عن حقوقهم في الكرامة والعيش الكريم، بعيداً من التوافقات المغشوشة بين أحزاب تتصارع أيديولوجياً، وتتحالف من أجل المناصب السياسية".

حركة النهضة حافظت على بنيتها المغلقة وعلى تبعيتها الفكرية والهيكلية للمرجعية الإخوانية

 

وعلى رغم إقرار المتخصص في مجال العلوم السياسية بأن الأحزاب هي التنظيم الأمثل لإدارة المجتمعات، فإنه يرى أن "الأحزاب في تونس لم تعد موجودة فعلياً، لأن التونسيين سئموا ممارساتها المشبوهة، لأنها مرتهنة لمصالحها الضيقة، ولا علاقة لها بالواقع"، معرباً عن يقينه "بأن تنبت أحزاب سياسية جديدة قادرة على تغيير الواقع في تونس".

 النهضة: تنظيم إخواني أم حزب وطني؟

رغم ما ترفعه من شعارات مدنية، إلا أن حركة النهضة حافظت على بنيتها المغلقة، وعلى تبعيتها الفكرية والهيكلية للمرجعية الإخوانية. كثير من المعارضين يعتبرونها مسؤولة عن اختراق مؤسسات الدولة، وخاصة القضاء والإدارة، من خلال شبكات ولاء لا تخضع للمساءلة الديمقراطية.

هذا وتشير شهادات صادرة عن قضاة، ونقابيين، وسياسيين سابقين، إلى أن النهضة استخدمت أدوات الدولة لتعزيز نفوذها التنظيمي، لا لإنجاح الانتقال الديمقراطي. تقرير محكمة المحاسبات سنة 2020 أكد وجود تمويلات أجنبية غير معلنة للحزب خلال الحملة الانتخابية، في خرق واضح لقانون الأحزاب.

ويجمع مراقبون على أن الإخوان أساؤوا إلى العمل الحزبي والحياة السياسية في تونس، بعد الثورة، من خلال جملة من الممارسات التي ساهمت في تقويض الثقة الشعبية بالمسار الديمقراطي؛ على غرار تغليب مصلحة التنظيم على مصلحة الدولة، حيث حافظت النهضة على منطق التنظيم الإخواني المغلق بدل التحول الحقيقي إلى حزب وطني منفتح.

كما كرست الحركة المناورة والتحالفات الانتهازية، واعتمدت خطابًا مزدوجًا وتحالفت مع خصومها السابقين وفق منطق تقاسم الغنائم، ما أفقدها المصداقية، وهو ما زاد من انعدام الثقة بين الفاعلين السياسيين، ورسّخ نظرة سلبية لدى المواطن تجاه العمل الحزبي برمّته.

يجمع مراقبون على أن الإخوان أساؤوا إلى العمل الحزبي والحياة السياسية في تونس

وكان تقرير محكمة المحاسبات لسنة 2019 قد أشار إلى وجود شبهات تمويل أجنبي لحملة النهضة الانتخابية، ما اعتُبر خرقًا فادحًا لقواعد المنافسة الديمقراطية وأدى إلى تشويه كامل للمشهد الحزبي.

إلى ذلك، فشلت النهضة في الفصل الواضح بين الدين والسياسة، وهو ما غذّى الانقسامات الإيديولوجية، وأدى إلى توتير الأجواء داخل البرلمان، وتحويل السياسة إلى ساحة صراع هوياتي بدل نقاش برامجي.

هذه الممارسات، مجتمعة، ساهمت في انهيار الثقة بالمنظومة الحزبية، وفتحت الباب أمام المطالبة بحلول فردية وسلطوية تحت شعار "تصحيح المسار".

 ما بعد النهضة: أحزاب بلا روح

سقوط النهضة سياسيًا بعد 25 تموز (يوليو) 2022 لم يُعِد الثقة في الأحزاب، بل كشف أن أزمة العمل الحزبي أعمق من مجرد فشل حركة، فقد بدت القوى التي عارضت النهضة عاجزة عن صياغة بديل مقنع، وغرقت بدورها في الحسابات الضيقة والانقسامات.

أكد صرّح زهير المغزاوي، أمين عام حركة الشعب، في تصريحات صحفية سابقة أن: "مشكلتنا اليوم ليست فقط في النهضة، بل في منظومة حزبية انتهت أخلاقيًا وتنظيميًا... نحن نعيش ما بعد الأحزاب، والفراغ مرعب". 

أما منظمات المجتمع المدني، مثل "أنا يقظ"، فحذّرت من تفريغ الحياة السياسية من التعدد والتوازن، معتبرة أن "الانهيار الحالي نتيجة تراكم لعشرية حزبية فاشلة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية