أنقرة تتحدى بغداد: ماضون في قصف المواقع العراقية

أنقرة تتحدى بغداد: ماضون في قصف المواقع العراقية


18/04/2020

تلقّت بغداد ردّا صادما من أنقرة على احتجاجها على انتهاك الطيران الحربي التركي للمجال الجوي العراقي وتنفيذه قصفا في عمق الأراضي العراقية خلّف ضحايا مدنيين.

وقال السفير التركي في بغداد، فاتح يلدز، إنّه أبلغ المسؤولين العراقيين بأن بلاده “ستواصل اتخاذ الخطوات المطلوبة طالما لم يتم إنهاء تهديد حزب العمال الكردستاني عبر استخدام حقها في الدفاع المشروع عن النفس”.

وتكون تركيا بذلك بصدد فرض معادلتها الأمنية على العراق والتي تطبّقها أيضا في سوريا المجاورة، وتقوم على انتزاع “حقّ” التدخّل العسكري في أراضي البلدين لمطاردة عناصر حزب العمّال الكردستاني وتشكيلات كردية أخرى تصنّفها أنقرة تنظيمات إرهابية.

غير أنّ تجربة التدخّل التركي في سوريا تسقط الذريعة الأمنية وتبيّن أنّ لأنقرة مطامع أوسع مدى، بدليل وجود القوات التركية في إدلب بالشمال السوري حيث لا وجود لفصائل كردية مسلّحة في تلك المنطقة.

وما زاد من جرأة أنقرة على انتهاك حرمة الأراضي العراقية وتوسيعها من دائرة تدخلها العسكري فيها وتنويع أشكاله، خلال السنوات الأخيرة، الوهن الشديد الذي أصاب الدولة العراقية المنشغلة بسوء أوضاعها السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية، بفعل فشل الطبقة الحاكمة في البلد منذ سنة 2003 في إدارة شؤون الدولة وتوظيف مواردها ومقدراتها المادية والبشرية.

وبفعل ذلك الفشل العام تمّ فتح العراق على مصراعيه للتدخّلات الخارجية بالعراق، وخصوصا التدخّل الإيراني والأميركي اللذين “تقتدي” بهما تركيا وتحاول مجاراتهما.

وتجاوزت تركيا في تدخلها العسكري في الأراضي العراقية، والذي يتراوح بين القصف الجوي والمدفعي، والاقتحام البري عن طريق القوات الخاصّة، المناطق القريبة من حدودها لتشمل بعملياتها العسكرية محورا طويلا يمتد من جبل قنديل شرقا إلى سنجار غربا مرورا بمنطقة مخمور جنوبي مدينة الموصل.

واحتجّت حكومة بغداد على قيام الطيران الحربي التركي بقصف مخيّم يُؤوي لاجئين من أكراد تركيا ويقع في مخمور جنوبي مدينة الموصل بشمال العراق أسفر عن مقتل امرأتين من سكّان المخيّم، بينما سارعت بعض الميليشيات الشيعية إلى إصدار وعيدها المألوف لتركيا في حال لم تكف عن قصف المواقع داخل العراق وتسحب قواتها من معسكر لها في شمال البلاد.

وقال المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف في بيان إن “وزارة الخارجية تدين بأشد العبارات الممكنة الاعتداء الذي قام به الجانب التركي والذي أسفر عن خسائر في الأرواح والممتلكات”. كذلك انتقدت قيادة العمليات المشتركة العراقية السلوك التركي ووصفت قصف مخيّم مخمور بأنّه “انتهاك صارخ للسيادة العراقية”.

ودعت وزارة الخارجية العراقية السفير التركي إلى مقرها وأبلغته احتجاج الحكومة العراقية على القصف، لكن السفير يلدز تمسّك في ردّه على الاحتجاج بـ”شرعية” تدخّل بلاده عسكريا في العراق لمطاردة حزب العمال الكردستاني.

وقال في تصريح صحافي عقب محادثاته مع المسؤولين العراقيين في مقر الخارجية ببغداد إنّه أكد خلال اللقاء على “التهديد الذي تشكله منظمة ‘بي.كا.كا’ (حزب العمال الكردستاني) ليس على تركيا فقط وإنما على العراق والمنطقة أيضا”. وبيّن أنه أوضح للجانب العراقي أنّ تركيا استمدت “شرعية” عملياتها ضد أهداف حزب العمال الكردستاني شمالي العراق “من القانون الدولي ومبدأ الدفاع عن النفس المشروع الوارد بميثاق الأمم المتحدة”.

ولم يعتذر السفير لدى السلطات العراقية لكنّه على العكس من ذلك أكّد مواصلة بلاده “اتخاذ الخطوات المطلوبة بكل حزم عبر استخدام حقها في الدفاع المشروع عن النفس، طالما لم يتم إنهاء تهديد حزب العمال الكردستاني الموجه ضدها”، ما يعني أنّه ألقى بالمسؤولية على العراق نفسه.

وذكر السفير التركي أن مخيم مخمور الذي سماه “معسكرا” فقد من زمن بعيد صفته كمخيّم إنساني، قائلا إنّه “تحوّل إلى وكر للإرهاب”.

ويقول مراقبون إنّ تركيا لا تريد من تدخّلها العسكري في الأراضي العراقية تمرير رسائل أمنية فقط تتعلّق بحزمها ضدّ حزب العمّال الكردستاني، بل تريد أيضا إرسال رسائل سياسية لإيران بأنها معنية بمنافستها في حضورها بالداخل العراقي.

وكثيرا ما تضفي أنقرة على العمليات العسكرية داخل الأراضي العراقية مسحة من الاستعراض والتحدّي حتى أنّ تركيا أنشأت بقرار أحادي قاعدة في منطقة بعشيقة قرب مدينة الموصل شمالي العراق وأصرّت على عدم إخلائها رغم مطالبات الطرف العراقي بذلك مرّات عديدة.

وفي سياق التنافس التركي الإيراني على تسجيل الحضور في الأراضي العراقية كثيرا ما تتولى ميليشيات عراقية موالية لإيران الردّ على تركيا وتهديدها، لكنّه تهديد لفظي ظلّ إلى حدّ الآن دون تجسيد عملي.

وفي السياق ذاته أعلن نائب عن كتلة بدر النيابية الممثلة لميليشيا بدر بقيادة هادي العامري، الجمعة، عزمه تقديم طلب استضافة لوزير الخارجية حول إجراءات الوزارة تجاه استمرار الخروقات التركية لسيادة العراق، قائلا إنّ للقوات الأمنية العراقية استعدادا كاملا “للتصدي لأي عدوان وضرب المواقع التركية داخل العراق”.

وقال عدي الشعلان لموقع السومرية الإخباري “إننا في الوقت الذي نستنكر فيه ما تقوم به القوات التركية من انتهاك صارخ داخل الحدود العراقية في خرق واضح لسيادة العراق، فإننا بدورنا كنواب للشعب العراقي نطالب الحكومة العراقية ووزارة الخارجية باتخاذ جميع الإجراءات القانونية”. كما هدّد الشعلان تركيا بالقول “في حال استمرار هذه الخروقات فإنه سيكون لنا رد آخر”.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية