أعداء "الإخوان" في حضن التنظيم!

أعداء "الإخوان" في حضن التنظيم!

أعداء "الإخوان" في حضن التنظيم!


05/09/2023

محمد صلاح

يعكس موقف الناصريين واليساريين المصريين من الانتخابات الرئاسية المقبلة المشهد الفوضوى للنخبة السياسية المصرية. فالمرشح المنتمي للتيار الناصري أحمد طنطاوي، والذي أعلن خوضه الانتخابات الرئاسية المقبلة منافساً للرئيس عبد الفتاح السيسي هو الأكثر حضوراً في وسائل التواصل الاجتماعي، ويُقابل بسخرية لاذعة وانتقادات حادّة من جانب مؤيّدي الرئيس، مقابل ترحيب ودعم وحفاوة من كارهي السيسي والجيش في آن، بينما الأسماء الأخرى التي اعلن أصحابها خوض السباق الرئاسي، لا ترتكب الحماقات نفسها التي يحرص عليها طنطاوي رغم كونه نائباً سابقاً في البرلمان ويحظى بدعم الناصريين وغالبية اليساريين، كما يلقى تطاوله المتمادي على السيسي ترحيباً من "الإخوان" وغالبية الأشخاص الذين استقرّوا خارج مصر وارتضوا أن يمتطيهم تنظيم "الإخوان" الإرهابي، وصاروا من مروّجي أكاذيب التنظيم ومزاعمه.

كما أنّ طنطاوي الناصري صاحب الأفكار الاشتراكية، تمكّن من التواصل مع التيارات المتناقضة فكرياً وتاريخياً مع الناصريين، معتمداً على انّ ما يجمعه معها هو معاداة الحكم والعمل على إسقاطه، وهو نجح في الحصول على تأييد عناصر في "التيار الحرّ"، وهو التجمّع الذي يضمّ بين نسيجه ليبراليين بنوا مواقفهم السابقة، وربما شعبيتهم، على معاداة الناصريين والتطاول على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر!.

يُشار هنا الى أنّ رمزاً ناصرياً معروفاً هو السيد كمال أبو عيطة وهو وزير سابق، وُصف بأنّه "وزير الثورة"، دخل في خلاف علني مع المتحدث باسم "التيار الحرّ" هشام قاسم وصل الى المحاكم، عندما اتهم أبو عيطة، قاسم، بأنّه سبّه ورفع ضدّه قضية قرّرت النيابة المصرية بعد التحقيقات فيها حبس الأخير احتياطياً على ذمّة التحقيق. وقد تناولنا موضوع القضية في مقال سابق، لكن ما يهمّنا اليوم، اتفاق الناصريين مع "التيار الحرّ" على دعم طنطاوي والهجوم، بل قلّ التطاول على السيسي، وفي الوقت نفسه غياب موقف محدّد لطنطاوي تجاه أبو عيطة، رغم انّه، وفقاً لأدبيات التيار الناصري، يعدّ زعيمه وقائده!.

إنّها لعبة المصالح التي جعلت طنطاوي يغازل هذا الأسبوع "الإخوان"، معلناً نيته السماح لهم بالعودة إلى واجهة الأحداث كجمعية دينية، ومعتبراً أنّ الامر يعود إلى رغبة المجتمع وتوجّهاته! فكان ردّ فعل منصّات "الإخوان" داعماً له ومؤيّداً لتصرفاته.

يسير طنطاوي ويجرّ خلفه الناصريين والليبراليين أعضاء "التيار الحر"، وكل هؤلاء يبدو وكأنّ تنظيم "الإخوان" استطاع أن يسيّرهم في الطرق والمسالك نفسها التي يسلكها تنظيمهم منذ أطاح الشعب المصري بحكمهم للبلاد قبل أكثر من 10 سنوات.

يحاول هذا التحالف الآن إفشال الحكم في مصر، بل بدا من سلوك عناصر التحالف داخل مصر وخارجها، أنّ برنامجهم يقوم على إفشال كل حكم سيأتي في المستقبل طالما أنّهم خارج المشهد السياسي، وهم الذين كانوا اللاعب الرئيسي فيه بعد كانون الثاني (يناير) 2011.

في المقابل، يفترض أن يكون من البديهي أن يعمل السيسي على تحقيق أقصى نجاح في الملفات التي في عهدته، ليس فقط في ما يتعلق بتنفيذ خريطة الطريق السياسية والانتخابات الرئاسية على الوجه الأكمل وفي منتهى الشفافية والنزاهة، ولكن أيضاً في إدارة أمور البلاد، والتعامل مع المشاكل الحياتية للناس، ووضع أسس لحلّ المعضلات التي يعانيها الشعب، والتي زادت بفعل عوامل عدة، بينها أخطاء للحكم نفسه، والتي سبّبت أزمات ومشاكل كان يُفترض حلّها وليس العمل على تفاقمها وزيادة وطأتها على الناس.

ورغم اختلاف المواقع إلاّ أنّ الحالة المصرية جعلت أموراً تبدو متشابهة بين متناقضين، بما يجعلك تصل إلى نتيجة مفادها أنّ فوضى الربيع العربي كشفت الصفات الحقيقية لبعضهم، أو أنّها صنّفت النخبة السياسية المصرية بمختلف أطيافها تصنيفاً غير سياسي، وإنما يتعلق بالإمكانات والمواهب والقدرات.

عندما تسأل، ما العلاقة بين حكم "الإخوان" لمصر والتيارات المعادية تاريخياً لهم كالناصريين واليساريين، فإنّ المدقق في الحالة المصرية يكتشف أنّ أهم ما أفرزته تجربة "الإخوان" في الحكم، أنّ نشاط وممارسات، وربما أيضاً المتاجرة بآلام وأوجاع ممارسة المعارضة في عهد حسني مبارك، شيء، والقدرة على إدارة الحكم شيء آخر تماماً، كما أنّ بعض وزراء حكومات ما بعد بركان الربيع العربي وحرائقه من نجوم 25 كانون الثاني (يناير) الذين ظهروا وقتها وكأنّهم من إفرازات النضال ضدّ حكم مبارك ودخلوا في صدامات مع المجلس العسكري ثم تحالفوا مع "الإخوان" وحرّكوا الشارع، عندما صاروا وزراء وبدأوا في العمل ضمن الجهاز الإداري للدولة وممارسة المهمّات الحكومية، أصبحوا تروساً في ماكينة البيروقراطية المصرية ولم تظهر لهم إبداعات أو مهارات خاصة. واكتشف المواطنون انّهم كالطالب النجيب في مادة واحدة ضمن المنهج الذي يدرسه، وبليد ومحدود القدرات في باقي المواد، فتغيّرت انطباعات الناس عنهم وتحوّلت صورهم الذهنية من المناضلين إلى الموظفين الفاشلين.

ربما هذا يفسّر تغيّر مواقف بعضهم من دعم للجيش ومساندة السيسي أثناء ثورة 30 حزيران (يونيو)، إلى الانقلاب عليه والارتماء مجدداً في أحضان التنظيم الإرهابي وتبنيّهم خطاباً سياسياً وإعلامياً ركيكاً يتوافق مع توجّهات "الإخوان" وأهدافهم. إنّها النظرية نفسها التي يتحدث عنها جمهور كرة القدم في التفرقة بين اللاعب المحلي والدولي، ويطرحونها عندما يُظهر لاعب ما مواهبه ويتألّق في الدوري المحلي، وحين ينضمّ إلى منتخب بلاده ويخوض منافسات دولية مع مستويات كروية كبرى، يُظهر أنّ قدراته محدودة وموهبته ضعيفة.

لدى "الإخوان" معايير أخرى، إذ يعتقدون أنّ دعم مكتب الإرشاد وحشد إمكانات الجماعة لمناصرة الرئيس أو المسؤول "الإخونجي"، يكفل التغطية على ضعفه وقدراته المحدودة أو عدم ملاءمته للموقع، وهي نظرية ثبت فشلها أصلاً أثناء سنة من حكمهم لمصر. إلاّ أنّ الأمر يجب ألاّ يكون كذلك بالنسبة لمنتمين إلى تيارات سياسية حقيقية لها تاريخ وتجارب وثقل في التجربة السياسية المصرية العريقة، ليس فقط لأنّها غير عقائدية ولا يدين أعضاؤها بالولاء إلاّ للشعب، ولم يبايعوا رئيساً ولا مرشداً، ولكن أيضاً لأنّ المرشح الرئاسي او حتى الناشط السياسي الحقيقي، لا يجب أبداً أن يظلّ مجالاً لترضية طرف أو استيعاب حزب أو مكافأة شخص، لمجرد أنّه يكره السيسي او معترض على سياساته! نعم قد تتدخّل الظروف وتؤثر في النتائج، لكن المهم أن يكون الشخص الممثل لتيار سياسي ومرشح لموقع تنفيذي مهمّ كالانتخابات الرئاسية، مؤهّلاً لشغل هذا الموقع أصلاً. فمن نال شهرته من حسن أدائه في التظاهرات والاحتجاجات ليس دائماً مؤهّلاً لوضع خطط واستراتيجيات واختيار آليات تنفيذها، وقد لا يملك القدرة على التعاطي مع العمل الإداري أو التنفيذي.

بالطبع هناك من يُقيّم أداء كل مرشح للرئاسة وفقاً لانتمائه السياسي وكذلك مواقفه، فيراها متراخية في مواجهة "الإخوان" إذا كان من المعارضين للتيار الإسلامي، أو إقصائية وتستخدم العنف المفرط ضدّ رموز الحكم مثلاً إذا كان هواه غربياً أو فاته قطار الالتحاق بالحكومة، لكن المهمّ ان يدرك كل مرشح للرئاسة، أنّ مهادنة "الإخوان" والطمع في أصوات المنتمين للتنظيم او تسوّل دعم المتفرغين لنشر الأكاذيب عبر صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي من المطرودين من مصر أو الفارين منها أو المرتبطين بجهات غربية أو أجهزة استخبارات خارجية، أنّ حكم الدول يحتاج إلى الكفاءات وليس الذين احترفوا كتابة الشعارات واستخدام حناجرهم في ترديد الهتافات.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية