لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دوافعه للانخراط في مصالحة مع دمشق مع تنامي الغضب في تركيا من وجود 3.6 ملايين لاجئ سوري، بينما تظهر استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من الأتراك يريدون رحيلهم وهو ما تطالب به كذلك أحزاب المعارضة العلمانية التركية "التي تتعاطف مع الأسد" منذ فترة طويلة.
ويدفع أردوغان لإعادة اللاجئين السوريين إلى منطقة آمنة كان يخطط لتوسيعها بعمق 30 كيلومتر بعد أن هدد مرارا يشن عملية برية واسعة تستهدف السيطرة على ثلاث مدن خاضعة للمسلحين الأكراد، لكن خفت ضجيج التهديدات مع دفع تركي برعاية روسية لمصالحة مع دمشق التي سبق لها أن عارضت هي وموسكو وواشنطن اي عملية عسكرية تركية جديدة.
ويريد الرئيس التركي أن يتخلص من عبء اللاجئين بعد أن بات وجودهم غير مرغوب فيه من قبل غالبية الأتراك. وأشارت صحيفة التايمز البريطانية في تقرير لها إلى أنه كان يرحب في البداية بالسوريين والمهجرين بفعل ما يسمى ثورات الربيع العربي وقد نفسه نصيرا للمظلومين، فيما كان يخطط ليكون زعيما للعالم الإسلامي وأيده هؤلاء بدورهم إلى حد كبير "حتى عندما انزلق نحو نوع من الاستبداد".
ويعتقد الأتراك أنه إذا بقي السوريون وحصلوا على الجنسية التركية كما حصل بالفعل مع مئات الآلاف، فسيصبحون خزانا انتخابيا مهم سيزيد الأصوات في المستقبل لمصلحة أردوغان وهو ما تحذر منه المعارضة منذ فترة طويلة حين بدأت السلطات في منح الجنسية للعديد من النازحين واللاجئين الأجانب ومعظمهم من السوريين.
وتقول الصحيفة البريطانية إنه إذا تمكن أردوغان من مقابلة الأسد قبل الانتخابات في يونيو، فسيكون قد انتهز فرصته الذهبية، مشيرة نقلا عن مصطفى قربوز الأستاذ في الجامعة الأميركية والباحث في المركز العربي بواشنطن، إلى أن أردوغان يبيع "فكرة وليس حقيقة".
ولا تخرج جهود المصالحة التي يستعجل أردوغان عقدها مع دمشق عن سياق خطة تصحيح مسار علاقات تركيا الخارجية بدفع من تصاعد مشاكل تركيا الاقتصادية وانقلاب المد السياسي في المنطقة ضده، ليسارع مع هذه المتغيرات إلى إعادة بناء الجسور مع جيرانه وتقديم نفسه على أنه القائد الذي سيعيد السوريين إلى بلادهم.
واعتبرت صحيفة 'التايمز' البريطانية أن الرئيس أردوغان وجه ضربة للمعارضة السورية الموالية لتركيا بمد يده لنظيره السوري بشار الأسد بعد سنوات من العداء، مشيرة إلى أن أنقرة آخر حليف قوي لفصائل المعارضة تعمل على تغيير مسارها وتتجه في انعطافة كبيرة نحو مصالحة مع دمشق.
واعتبر رامي الجراح السوري المقيم في ألمانيا وأحد أوائل المعارضين السوريين الذين دعموا الاحتجاجات في بدايتها قبل 12 عاما أن التحول في الموقف التركي "ليس مفاجأة، لكنه لا يزال صفعة كبيرة في وجه أولئك الذين يتطلعون إلى سوريا الحرة".
ورأى وفق ما نقلته عنه الصحيفة البريطانية أن الشتات السوري ارتكب أخطاء قائلا "تعامل السياسيون والناشطون والصحفيون السوريون مع تركيا كدولة الحزب الواحد واستبعدوا إقامة علاقات مع أحزاب المعارضة التركية. أدى ذلك إلى استياء تجاه السوريين من الأتراك الذين يعارضون أردوغان وترك مصيرهم في نهاية المطاف في يد سياسي براغماتي واحد".
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى المصالحة التي عقدها أردوغان مع خصوم إقليميين بداية بالإمارات ثم السعودية وإسرائيل بينما يقدم مبادرات تجاه مصر.
ونقلت التايمز عن عمر أونهون آخر سفير لتركيا في سوريا (2012)، قوله "المصالحة مع مصر تجعل الدبلوماسيين سعداء، لكن بالنسبة للناس العاديين، فهي ليست مهمة. سوريا فريدة من نوعها لأن مشاكلها تؤثر على الناس في الشارع في تركيا بشكل مباشر وخاصة قضية اللاجئين. قد يؤثر ذلك حتى على كيفية تصويت الناس".
والمصالحة الكاملة بين تركيا ودمشق ستكون عملية طويلة نظرا لعمق التصدعات في العلاقات التركية السورية بما في ذلك دعم أنقرة للميليشيات الإسلامية المسلحة وتعاون النظام السوري في أكثر من مناسبة مع المسلحين الأكراد إضافة إلى ملف اللاجئين وكلها أمر ترخي بظلالها على التقارب بين البلدين.
وقال أونهون "ليس لتركيا تحديد متى وكيف ينبغي أن يعودوا. سوريا هي مصدر المشكلة وستكون أيضا مصدر الحل، لكن النظام وعقليته لا تزال كما كانت في عام 2011".
ويوظف معارضون أتراك قضية اللاجئين في حملتهم الانتخابية وأسس أوميت أوزداغ القومي المخضرم، بحسب التايمز، مؤخرا 'حزب النصر' وعلى جدول أولوياته طرد اللاجئين فقط.
عن "أحوال" تركية