أردوغان يعيد ترتيب أولويّاته السّورية

أردوغان يعيد ترتيب أولويّاته السّورية


07/05/2022

سميح صعب

يرمي إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مشروع العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري، إلى قطع الطريق على المعارضة التركية، التي تستعمل ورقة اللاجئين ضده قبل سنة ونيف من موعد الانتخابات الرئاسية.

لذا، لا تشكل عودة اللاجئين السوريين أي نوع من التغيير الملموس في موقف أردوغان من الأزمة السورية، بل تأتي في سياق إعادة ترتيب الأولويات للرئيس القلق من استطلاعات الرأي. وكان الرئيس التركي ولا يزال يعتبر أن الوجود العسكري التركي في شمال سوريا بات من بديهيات سياسة الأمن القومي التركي، لا سيما في ظل العداء لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد ولمقاتلي "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تشكل العصب الرئيسي لـ"قوات سوريا الديموقراطية".

ويستفيد أردوغان هذه الأيام من الانشغال الروسي بأوكرانيا كي يعيد ترتيب أولوياته في سوريا، وليصير اللاعب الإقليمي الأقوى في هذا البلد إلى جانب إيران. وفي إشارة ذات مغزى سياسي وعسكري كبيرين، أعلنت السلطات التركية قبل أسبوعين أنها منعت الطائرات الروسية من التحليق في أجوائها إذا كانت محمّلة بجنود روس إلى سوريا.

وفي بداية الحرب في أوكرانيا، أبلغت أنقرة روسيا أنها لن تسمح للسفن الروسية الموجودة في المتوسط، بعبور مضيقي البوسفور والدردنيل إلى البحر الأسود، وذلك عملاً بمعاهدة مونترو لعام 1936. والجدير ذكره أن السفن الروسية في المتوسط لديها ملاذ وحيد هو قاعدة في مدينة طرطوس السورية. 

هذات القراران يرتبطان مباشرة بالوجود العسكري الروسي في سوريا. وهما يبعثان بأكثر من رسالة تركية إلى موسكو، في وقت أعادت أنقرة وصل ما انقطع في علاقاتها بالولايات المتحدة، على لهيب الحرب في أوكرانيا. فإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا يمكنها الاسترسال في إغضاب تركيا التي تتمتع بموقع مهم على الضفة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي في زمن المواجهة الشاملة مع روسيا. ولذلك، تراجع الاهتمام الأميركي بالحكم التركي بالسجن مدى الحياة على رجل الأعمال عثمان كافالا إلى رد فعل متواضع، وصف الحكم عليه بـ"غير العادل". لو أتى هذا الحكم في زمن آخر لكان البيت الأبيض قد سارع إلى فرض عقوبات على أنقرة. 

بعد حرب أوكرانيا، يجد أردوغان نفسه مطلق اليدين في سياسة أكثر تشدداً حيال أكراد سوريا، وبدا ذلك من خلال تزايد الاحتكاكات العسكرية مع "قوات سوريا الديموقراطية" تزامناً مع التوغل التركي في شمال العراق.  

وفي شمال سوريا، لا يوحي السلوك التركي بإمكان حصول انسحاب من المنطقة في المستقبل المنظور. وهذا ما يجعل أردوغان أكثر حرية في اتخاذ الترتيبات التي يراها مناسبة لسياساته، من دون أن يتعرض لإزعاج من موسكو أو من واشنطن.   

وعندما يتحدث أردوغان عن مشروع العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري، فإنه هؤلاء سيبقون تحت ولاية السلطات التركية. وفي الوقت نفسه يمكنه أن يقول للمعارضة التركية في الداخل إنه مهتم بمسألة إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم، بينما هم في واقع الأمر ينتقلون من الداخل التركي إلى أراض سورية يسيطر عليها الجيش التركي وتتعامل بالعملة التركية.   

ومن الآن وحتى الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) من العام المقبل، سيتخذ أردوغان الكثير من الخطوات الرامية إلى تحسين صورته، ورفع شعبيته التي تدهورت على وقع تراجع قيمة الليرة، والتضخم الذي تعانيه بسبب الجائحة ونتيجة تمسك أردوغان نفسه بعدم رفع الفائدة.   

ولن يتوانى أردوغان عن توظيف كل العناصر المتوافرة له نتيجة الحرب الأوكرانية، كي يعيد بعض الانتعاش إلى الاقتصاد الذي يدرك تماماً أنه سيكون الناخب الأكبر العام المقبل.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية