بعد أن حوّل تركيا إلى أكبر سجن للصحفيين في العالم، يتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تمسكه بحرية الصحافة، وأنه لن يسمح باستخدامها كأداة للدعاية السوداء ضد بلاده.
ونقلت الأناضول اليوم الأحد عن أردوغان تأكيده، بمناسبة توجيهه رسالة إلى الصحفيين في يوم الصحفيين بتركيا، الموافق 10 يناير، أن بلاده لن تتخلى أبدا عن حرية الصحافة، لكنها في المقابل لن تسمح إطلاقا باستغلال هذا المفهوم.
وأضاف الرئيس أردوغان: "لن نسمح باستخدام هذا المفهوم من أجل الدعاية السوداء ضد بلادنا سواء في الداخل أو الخارج". وشدد على أهمية استخدام إمكانيات وسائط الإعلام الجديد في العمل الصحفي، دون أي تنازل عن المبادئ المهنية والأخلاق الصحفية.
وبحسب الأناضول، لفت الرئيس أردوغان إلى أنه مع سرعة انتشار المعلومة بشكل هائل في ظل التطور التكنولوجي، اكتسب مفهوم النزاهة في العمل الصحفي أهمية كبيرة أكثر من أي وقت مضى.
وأشار أن الإعلام عنصر لا غنى عنه في الديمقراطيات من حيث ضمان حق الرأي العام في الوصول إلى الخبر واطلاعه على المعلومات الصحيحة. وأكد في هذا الإطار أن هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الصحفيين في الكفاح من أجل الحقيقة ضد الكذب والتضليل.
من ناحية أخرى أشاد الرئيس أردوغان بتفاني الصحفيين في عملهم في ظل الظروف الصعبة المصاحبة لجائحة كورونا. وفي ختام رسالته أعرب عن تهانيه لكافة الصحفيين بيومهم، وتمنياته لهم بالنجاح في عملهم.
وتحتل تركيا المرتبة 154 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي في عام 2020 من قبل مراسلون بلا حدود، وهي منظمة دولية لمراقبة الصحافة وصفت البلاد بأنها "أكثر استبدادية من أي وقت مضى". وقال المرصد الدولي لحقوق الإنسان إن تركيا تظل أسوأ دولة تسجن الصحفيين على مستوى العالم.
ويتعرض أعضاء وسائل الإعلام التركية للاضطهاد بشكل منتظم بسبب تغطيتهم لمواضيع حساسة للحكومة أو للتعبير عن آراء غير مواتية من قبل سلطات الدولة.
وبعد القضاء على العشرات من وسائل الإعلام والاستحواذ على أكبر مجموعة إعلامية في تركيا من قبل مجموعة مؤيدة للحكومة تشدد السلطات التركية على ما تبقى من التعددية، وما تزال هناك عدة وسائل إعلام تتعرض للمضايقة والتهميش، بحسب ما أكدت مراسلون بلا حدود.
وتسيطر الحكومة الآن على حوالي 90 بالمائة من وسائل الإعلام التركية، وتعد الاعتقالات السابقة للمحاكمة لأكثر من عام هي المعيار الجديد في حين أن الأحكام بالسجن لمدة طويلة شائعة، مع بعض الصحفيين مثل أحمد ألتان ونزلي إليكاك اللذين حكم عليهما بالسجن مدى الحياة بدون عفو، بحسب مراسلون بلا حدود.
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود: "وصلت الرقابة على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت إلى مستويات غير مسبوقة وتحاول السلطات الآن السيطرة على خدمات الفيديو عبر الإنترنت".
والأسبوع الماضي قضت المحكمة الدستورية بأن الإقامة الجبرية للكاتب السابق في صحيفة زمان شاهين ألباي تنتهك حقه في الحرية والأمن. ويحاكم شاهين ألباي بتهمة "التخطيط للانقلاب" و "الانتماء إلى منظمة إرهابية" في قضية صحيفة زمان. وتم اعتقاله في الموجة الأولى من الاعتقالات في 27 يوليو 2016 بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو. وأصدرت المحكمة الدستورية حكماً بحق ألباي وصحفي بارز آخر محمد ألتان بإطلاق سراحهما. ومع ذلك، لم تعترف المحاكم الابتدائية بهذا الحكم.
والأسبوع الماضي أفادت وكالة أبناء ميزوبوتاميا أن قوات الشرطة التركية اعتقلت الصحفي محمد أصلان بعد أن داهمت منزله في إسطنبول فجر الثلاثاء. وأضافت أن أصلان اعتقل في إطار تحقيق أجراه مكتب المدعي العام في أنطاليا بجنوب تركيا وبعد تفتيش منزل أصلان استمر قرابة ساعتين، صادرت الشرطة مواد رقمية وعدة كتب ومجلات.
وقد كشف بحث أجرته لجنة حماية الصحافيين عن اعتقال ثلاثة موظفين آخرين في وكالة ميزوبوتاميا للأنباء منذ أكتوبر 2020. وبحسب بيان صادر عن لجنة حماية الصحافيين، فإن أصلان قام بتغطية أنباء من بينها حقوق السجناء الأكراد وإضراب السجناء عن الطعام ومزاعم التعذيب في تركيا. وفي تركيا، سُجن ما لا يقل عن 37 صحافيًا في عام 2020.
وفي الشهر الماضي حكمت محكمة في إسطنبول على الصحفي التركي جان دوندار، الذي يعيش في المنفى بألمانيا، بالسجن لأكثر من 27 عاما بتهمة التجسس ومساعدة منظمة إرهابية. وحُكم على دوندار بالسجن 18 عاما وتسعة أشهر بتهمة الحصول على أسرار دولة بغرض التجسس السياسي أو العسكري. إلا أنه تمت تبرئته من اتهامات "إفشاء" معلومات سرية. كما حكمت المحكمة عليه بالسجن ثماني سنوات وتسعة أشهر أخرى بتهمة دعم منظمة إرهابية مسلحة، دون أن يكون عضوا فيها.
ويعتبر جان دوندار من أشهر الصحفيين بأفلامه الوثائقية والمقابلات التي أجراها والأعمدة التي نشرها في تركيا. وهو صانع أفلام وثائقية حائز على جوائز، وشاهد عشرات الملايين من الأشخاص أفلامه على مدى عقود. وهو اليوم صاحب واحد من أعلى الأصوات المنتقدة لحكومة أردوغان والمطلوبة خارج تركيا بسبب ذلك.
كما قضت محكمة في ديار بكر في جنوب تركيا ذي الغالبية الكردية، في ديسمبر الماضي أيضاً بسجن الصحافية عائشة غول دوغان ست سنوات لإدانتها بـ"الانتماء إلى منظمة إرهابية". وحكم على عائشة غول دوغان بالسجن ست سنوات وثلاثة أشهر لانتمائها إلى "مؤتمر المجتمع الديموقراطي"، وهي منظمة تتهمها السلطات التركية بالارتباط بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون "إرهابيا". وعملت دوغان صحافية ومنسقة لبرامج قناة "إي أم سي" المعارضة والمؤيدة للأكراد، قبل إغلاقها في العام 2016.
وتهاجم تركيا الصحفيين بشكل دائم خصوصا بعد أي تغطية لا تعجب حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان. ففي سبتمبر، طالب المدعي العام التركي بأحكام بالسجن تتراوح بين 8 و19 عاما لسبعة صحفيين وموظف مدني متهمين بالكشف عن تفاصيل وفاة أحد ضباط المخابرات الوطنية التركية في ليبيا، بحسب ما أفاد موقع ديكن الإخباري.
وفي مارس تم القبض على تُرك أوغلو مدير "أودا تي في"، ورئيس التحرير باريش بهليفان، والمراسل كيلينت، لنشرهم هوية ضابط المخابرات القتيل، ثم تم الإفراج عن تُرك أوغلو بانتظار إجراءات المحاكمة.
وتم توقيف عشرات الصحافيين في تركيا في أعقاب محاولة الانقلاب في يوليو 2016 بهدف الإطاحة بالرئيس أردوغان. وتراجعت حرية الإعلام في تركيا خلال الأعوام الماضية بعد أن قامت أنقرة بحظر منصات التواصل الاجتماعي مؤقتًا، وإقرار تشريعات تفرض قيودًا صارمة على شركات التواصل الاجتماعي ومضايقة الصحفيين والنشطاء والمدونين واعتقالهم واحتجازهم، وفقًا للتقرير، الذي تتبع حريات الإنترنت بين يونيو 1، 2019-31 مايو، 2020.
عن "أحوال" تركية