أبرز 5 محطات خلاف تسببت في تراجع التحالف بين تركيا وأمريكا

أبرز 5 محطات خلاف تسببت في تراجع التحالف بين تركيا وأمريكا


28/06/2020

جاءت نشأة علاقة التحالف بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في سياق الحرب الباردة والتوجه التركيّ نحو المعسكر الأطلسيّ، إلا أنّ نهاية المواجهة مع المعسكر الشرقي وتوجّه تركيا نحو البحث عن أدوار جديدة لسياساتها الخارجية ترتب عليه حدوث سلسلة من الخلافات والصدامات مع السياسة الأمريكية الخارجيّة.

الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا

مع تصاعد أحداث الأزمة في سوريا منذ العام 2011، بحثت الولايات المتحدة الأمريكية عن حلفاء لها على الأرض في سوريا، تضمن عبرهم تحقيق وفرض ما تبتغيه من مصالح ووقائع. وقع اختيار المخططين الأمريكيين على المقاتلين الأكراد، وجاء نشوء وترسخ علاقة التحالف هذه تحديداً في إطار المواجهة مع تنظيم داعش الذي استولى منذ العام 2013 على مساحات واسعة شرق سوريا، فقدمت الولايات المتحدة التأييد العلنيّ للأكراد وأمدّتهم بالدعم العسكري والمالي.

أدت العلاقة الأمريكية مع المقاتلين الأكراد في سوريا إلى فتح جبهة خلاف محتدمة بين واشنطن وأنقرة

في عام 2015 رَعَت الولايات المتحدة تشكيل قوات باسم "قوّات سوريا الديمقراطية"، وشرعت بتوجيه رعايتها ودعمها مباشرة لهذه القوّات، وذلك حتى تصرف الاتهام بأنّها تقدم الدعم لمقاتلي "وحدات حماية الشعب الكرديّة" (PYD) وهي القوّات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يُصَنّف في ضمن لوائح التنظيمات الإرهابيّة لدى وزارة الدفاع الأمريكيّة. ولكن هذا التشكيل كان نوعاً من التحايُل؛ إذ ظلّت وحدات حماية الشعب الكرديّة هي الفصيل الأساسي في هذه القوّات وعمادها.

تعتبر تركيا بأنّ وحدات حماية الشعب مرتبطة بشكل مباشر بحزب العمال الكردستاني

استمرت الولايات المتحدة في تقديم دعمها لقوات سوريا الديمقراطيّة حتى بعد القضاء على تنظيم "داعش"، وكشف هذا الاستمرار عن الغايات الأبعد من وراء الدعم الأمريكي، والتي تتجاوز هدف محاربة "داعش" وتتعلق أساساً بالحاجة لحليف على الأرض يضمن لها النفوذ والتأثير ويرتبط بتنفيذ رؤاها في سوريا، في مواجهة الحكومة السورية، والنفوذين؛ الإيراني والروسي.

اقرأ أيضاً: هولندا تُحذّر من تمويل تركيا للمساجد ونشر الفكر الأصولي

أدت هذه العلاقة الأمريكيّة مع المقاتلين الأكراد في سوريا إلى فتح جبهة خلاف محتدمة بين واشنطن وأنقرة؛ حيث ترى الأخيرة فيهم تهديداً صريحاً ومباشراً لأمنها القوميّ، خاصّة وأنّ وحدات حماية الشعب الكردية مرتبطة بشكل مباشر بحزب العمال الكردستاني الذي انبثقت عنه عام 2004، وهو التنظيم الذي تعتبره أنقرة تنظيماً إرهابياً وقد خاضت معه سلسلة طويلة من المواجهات المسلحة داخل تركيا، وعلى حدودها، منذ السبعينيات من القرن الماضي.

اقرأ أيضاً: إغراءات تركيا لإيطاليا تفشل... هل تصطف أوروبا خلف الجيش الليبي ضد أنقرة؟

بلغ الخلاف التركي - الأمريكيّ ذروته في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، عندما شنّت تركيا هجوماً على وحدات حماية الشعب الكرديّة في شمال سوريا، وبعد أيام من انطلاق العمليات التركيّة، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكيّة فرض عقوبات شملت وزارتي الطاقة والدفاع التركيتين، بالإضافة إلى ثلاثة وزراء هم: وزير الطاقة ووزير الدفاع ووزير الداخلية.

غولن والمحاولة الانقلابية وأزمة برانسون

بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في الخامس عشر من تموز (يوليو) 2016، بادر الرئيس أردوغان إلى توجيه الإدانة المباشرة لجماعة الخدمة التركيّة، وزعيمها فتح الله غولن؛ الذي اعتبره المدبر للمحاولة الانقلابية، ويرتبط اسم غولن بالولايات المتحدة التي تستضيفه وتوفر له الإقامة وترفض الطلبات التركيّة المتكررة بتسليمه، ما تسبب في توتير العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

اعتقلت السلطات التركيّة برانسون واعتبرت أنّ تسليمه مرتبط بتسليم غولن لها

وعلى صلة بذات القضية، قامت السلطات التركيّة في آب (أغسطس) 2018 باعتقال القسّ الأمريكي، أندرو برانسون، الذي يعمل مبشراً في تركيا، ووجهت له تهماً بالتجسس والمشاركة في تدبير الانقلاب الفاشل عام 2016، وجاء توقيفه ضمن أعمال "التطهير" التي أعقبت محاولة الانقلاب، واعتبرت أنقرة أنّ تسليم برانسون مرتبط بتسليم واشنطن غولن لها. ورداً على الخطوة التركيّة، قامت الخزانة الأمريكية بتوقيع عقوبات على وزيرَيْ العدل والأمن الداخلي بتركيا، وترافق ذلك مع تخفيض المؤسسات الماليّة الأمريكية التصنيف الائتماني لتركيا ما تسبب في حدوث انهيار في قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي؛ مع فقدانها قرابة الـ (10%) من قيمتها، ورداً على ذلك، أعلن أردوغان أنّ بلاده تواجه "حرباً اقتصاديّة تقودها الولايات المتحدة".

العلاقات التركيّة مع إيران

حافظت تركيا على علاقاتها مع جارتها إيران بعد "الثورة الإسلاميّة"، على الرغم مما طرأ من تحولات في علاقات إيران مع حلفاء تركيا في الغرب، واستمر مستوى التبادل التجاريّ بين البلدين بالارتفاع طيلة العقود الأربعة الماضية. وقد تطوّرت هذه العلاقات لتشمل التنسيق والتعاون على مستوى إدارة الملفات والنزاعات الإقليمية كما ظهر وبرز خلال السنوات الماضية في مشاركة وحضور تركيا  في سلسلة مؤتمرات أستانا وسوتشي إلى جانب روسيا وإيران، التي فرضت تفاهمات جديدة فيما يخصّ الملف السوري مخالفة لما جاء في مسار مفاوضات جنيف التي رعتها الدول الغربيّة.

ترفض واشنطن الطلبات التركيّة المتكررة بتسليم غولن، ما تسبب في توتير العلاقات بين البلدين

في عام 2018 تسببت هذه العلاقات في تأزّم العلاقات التركية مع الولايات المتحدة وذلك بعدما جددت واشنطن فرض العقوبات على طهران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع طهران، إلا أنّ تركيا أعلنت عدم امتثالها للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وصرحّ الرئيس أردوغان مندداً بهذه العقوبات وقائلاً بأنّ "هذه الخطوات تهدف إلى الإخلال بالتوازن في العالم". وفي مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الإيراني حسن روحانيّ، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، أعلن أنّ تركيا ستواصل التبادل التجاري مع طهران، معتبراً أنّ العقوبات الأمريكية ضد إيران "غير قانونية".

تطورت العلاقات التركيّة - الإيرانيّة لتشمل التنسيق والتعاون على مستوى إدارة الملفات الإقليمية

بالرغم من ذلك، أبدت تركيا استجابة تدريجيّة للعقوبات الأمريكية خلال العام 2019 وتحديداً فيما يتعلق بحظر استيراد النفط من إيران. لكن التبادل التجاري استمر بينها وبين إيران عند مستويات ناهزت عام 2019 الستة مليارات دولار

صفقة الصواريخ الروسيّة

في تموز (يوليو) 2019 بدأت تركيا باستلام منظومة صواريخ (S-400) الدفاعيّة التي قامت بشرائها من روسيا، وهو ما اعتبر بمثابة تحول غير مسبوق على مستوى التسليح؛ إذ إنّ تركيا كانت معتمدة على السلاح الأمريكي، وجاء هذا التحوّل لينذر بإمكان انسحاب تركيا تدريجياً من قائمة زبائن السلاح الأمريكي، وهو ما يعتبر بمثابة مؤشر خطير بالنسبة للمؤسسات الأمريكية، وتحديداً الكونغرس والبنتاغون، إضافة إلى شركات السلاح الأمريكية ذات التأثير البارز في السياسة الخارجيّة الأمريكيّة.

اقرأ أيضاً: تقارير الحريات حول تركيا: كيف تجتمع الديمقراطية والاستبداد؟

ترتب على ذلك، مبادرة البنتاغون في حزيران (يونيو) 2019 لإعلان استبعاد تركيا من برنامج التدريب على الطائرات العسكريّة الأمريكية (F-35). وفي كانون الأول (ديسمبر) 2019 تبنّت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي اقتراح قانون بفرض عقوبات اقتصاديّة على تركيا إثر إتمام استلامها الصواريخ الروسيّة، وتم إدراج تركيا في قائمة البلدان التي ستتم معاقبتها بموجب قانون "مكافحة خصوم أمريكا"، المعروف اختصاراً باسم "جاستا". كما تبنى الكونغرس في وقت لاحق من ذات الشهر قراراً برفع حظر الأسلحة الأمريكي المفروض على الجزء اليوناني من قبرص، ما يعتبر بمثابة تهديد للأمن القوميّ التركيّ. ورداً على التهديدات الأمريكية، هدد أردوغان بإغلاق قاعدتين عسكريتين في تركيا تتواجد فيهما قوّات أمركيّة، وهما: إنجرليك، وكوريجيك.

الاعتراف الأمريكي بالإبادة الأرمنيّة

في عام 2003 رفض مجلس النواب التركيّ السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركيّة لشن عمليات الهجوم في الحرب على العراق، ما تسبب في قدر من التوتير للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ لم يكن مثل هذا الموقف معتاداً في العلاقة بين البلدين، وكان من ضمن ردة الفعل الأمريكية على هذا الموقف تبني اللجنة الخارجية لمجلس النواب الأمريكي، عام 2007، مشروع قرار يعتبر أن الأرمن قد تعرضوا لإبادة جماعية من قبل الدولة العثمانيّة. وجاءت ردة الفعل التركيّة على ذلك عبر سحب تركيا سفيرها من واشنطن، والتهديد بوقف التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد بادرت الإدارة الأمريكية في حينه لرفض القرار، وأعلن الرئيس جورج بوش الابن عن استيائه منه؛ معتبراً أنه يضر بعلاقة تحالف مهمة بالنسبة للولايات المتحدة.

على الرغم من التهديدات الأمريكية أتمّت تركيا صفقة شراء الصواريخ الروسيّة

مجدداً، وإثر تصاعد الخلافات مع تركيا خلال الآونة الأخيرة، أيّد مجلس الشيوخ الأمريكي في كانون الأول (ديسمبر) 2019 بالإجماع قراراً يعتبر أنّ الأرمن تعرضوا لعمليات "إبادة جماعيّة" من قبل العثمانيين، وهو ما يحتمل أن يترتب عليه إيقاع مطالبات مستقبلية تستحق على تركيا باعتبارها وريثة الدولة العثمانيّة، ورداً  على القرار، هدد أردوغان مندداً ورافضاً له معلناً أنّ "البرلمان التركي قد يتخذ قراراً بشأن الإبادة الجماعية للهنود الحمر من قبل المستعمرات الأمريكيّة".

تعددت أشكال وملفات الخلاف والصدام الأمريكي - التركيّ خلال السنوات الأخيرة، وظلّ الثابت وراءها هو توجه السياسة التركيّة نحو ممارسة أدوار جديدة، خلال العقود الثلاثة الماضية، ترتبط برؤى وطموح خاصّ بها بعيداً عن إطار علاقة التحالف مع الولايات المتحدة كما كان الحال خلال فترة الحرب الباردة. إلّا أنّه وبرغم وجود مثل هذه الخلافات إلا أنّها لا تعني إنهاء العلاقة بين البلدين؛ إذ لا تزال هناك ركائز عديدة تسهم في استمرار هذه العلاقة وتعزيزها، ويأتي في مقدمتها  استمرار العضويّة التركيّة في حلف الناتو، واستمرار الوجود العسكريّ الأمريكيّ على الأراضي التركيّة، إضافة إلى الإدراك الأمريكيّ لضرورة ضمان عدم إجبار تركيا على التوجه بالكامل نحو علاقات تحالفيّة مع روسيا والصين وإيران.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية