لماذا رغب الإعلام القطري والإخواني في نشوب أزمة بين تونس والإمارات؟

الإمارات وتونس

لماذا رغب الإعلام القطري والإخواني في نشوب أزمة بين تونس والإمارات؟


27/12/2017

بات واضحاً أنّ ثمة حرصاً من جانب تونس والإمارات على تطويق تداعيات سلبية نجمت عن حديث دولة الإمارات أنّها تحوز معلومات أمنية عن احتمالات قيام تونسيات أو نساء حاملات جوازات سفر تونسية بتنفيذ عمليات إرهابية، وعلى إثر تلك المعلومات اتخذت الإمارات قراراً سيادياً ظرفياً مؤقتاً بوقف استقبال التونسيات القادمات على خطوط طائراتها؛ لاعتبارات على صلة بمعلومات استخبارية جدية، تم إعلام تونس بها أيضاً، تتحسب لهجوم تنفذه امرأة حاملة لجواز سفر تونسي في احتفالات رأس السنة. وعلى الرغم من أنّ الإمارات أعلنت أنّ إجراءها مؤقت ولا يشمل المقيمات التونسيات في الإمارات أو من يحمل منهنّ الجوازات الدبلوماسية، فإنّ منابر إعلامية، في مقدمتها قناة "الجزيرة" القطرية ومنصات أخرى تمولها قطر وجماعة الإخوان، وجدت في الحادث فرصة لتضخيم ما جرى وإخراجه عن سياقه.

"كيفيات" القرار الإماراتي وأهداف التغطية الإعلامية القطرية والإخوانية

وكان جلياًّ منذ يوم الجمعة الماضي وحتى الآن أنّ تغطية الإعلام القطري والإخواني للحدث تقوم على الأهداف التالية:

أولاً، إصرار المنابر الإعلامية التي تموّلها قطر أو يديرها الإخوان على دفع تونس إلى التورط بأزمة دبلوماسية مع دولة الإمارات، يتم من خلالها إحراج الإمارات وتشويه صورتها.

الراصد للصحافة الإماراتية لا يعثر على أية إساءة للشعب التونسي بل ثمة تأكيدات بأنّ الإمارات حريصة على أمن تونس

ثانياً، ربما كانت "الكيفيّات" التي أُخرِج بها القرار الإماراتي، والمتعلقة بسرعة التعاطي واتخاذ قرار عاجل لمنع وقوع أي عمل إرهابي محتمل قد تقوم به نساء من "داعش" يتخفين تحت جوازات سفر تونسية حقيقية أو وهمية، فرصةً للإعلام القطري لترويج مزاعم عن إهانة الإمارات للمرأة التونسية، وهي تهمة نفاها المسؤولون الإماراتيون والإعلام الإماراتي، حيث أكدوا أنّ تجربة المرأة التونسية الرائدة هي "صمَام الأمان" في بلدها، وأنّ التنسيق الأمني بين البلدين الشقيقين ربما لم يكن في هذا الحادث في أحسن أحواله، إلا أنّ الأمر ليس المقصود منه أية مزاعم بـ"التمييز" الجنسي، أو الإساءة للأشقاء. هذا يعني أن التعجّل وقلة الشرح الإماراتي والتسويغ، في ظل قلق من حادث أمني مقلق ويتطلب سرعة اتخاذ إجراء مباشر ووقائي، جعل الإعلام القطري يلتقط بعض العتب الشعبي العفوي في تونس على ما جرى، والذي سرعان ما استوعب صدق النوايا الإماراتية الساعية لمنع عمل إرهابي قد يستهدف الإمارات أو تونس ورعاياهما معاً.

تونس سرعان ما استوعب صدق النوايا الإماراتية الساعية لمنع عمل إرهابي قد يستهدف البلدين ورعاياهما معاً

ثالثاً، لم يكن غائباً عن ذهن الأطراف الإعلامية القطرية والإخوانية أنّ شحن الرأي العام المحلي التونسي، قد يسبب ضرراً بسيطاً بموسم السياحة الإماراتي، ويدفع التونسيين للاصطفاف وراء قطر وتركيا اللتين خسرتا، وفق بعض التقارير، تعاطف الشارع التونسي بشكل واسع، بسبب أزمات سابقة خاصة ما تعلق بشبهات تسفير التونسيين إلى سورية من خلال جمعيات خيرية، فضلاً عن إغراق الاقتصاد التونسي بمنتجات تركية أضرت بالاقتصاد الوطني، قبل أن يتدخل البرلمان التونسي لسنّ إجراءات حمائية ضد المنتجات التركية.

رابعاً، جاءت حملة التشويه المدارة من قبل وسائل الإعلام القطرية والإخوانية ضد الإمارات قبيل زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى تونس، بهدف تحويل الأنظار عنها، والحيلولة، ربما، دون استقباله باحتجاجات محتملة بسبب دور تركيا في إغراق الاقتصاد التونسي.

بيانات متطابقة: المرأة التونسية تحتل المرتبة الأولى في "داعش"

من جهتها، تقول السلطات الإمارات إنها مارست حقاً سيادياً في حماية أمنها من خطر محتمل يتزامن مع الاحتفالات بأعياد رأس السنة؛ حيث ترفع كل دول العالم درجة يقظتها الأمنية بمراقبة المسافرين المستعملين لطيرانها أو العابرين لأجوائها ومطاراتها.     

وتذهب تصريحات المسؤولين الإماراتيين ووسائل الإعلام الرسمية الإماراتية إلى أنّ إجراءات الإمارات الظرفية تعلّقت بفئة محدودة وخاصة من النساء التونسيات؛ اللواتي تشير التقارير الأمنية إلى كونهن يشكلن النسبة الأكبر من مقاتلات "داعش" مقارنة بباقي نساء التنظيم، فالأرقام تشير إلى ما نحو 700 امرأة تونسية كانت ضمن "داعش-ليبيا" وحدها، عُدن بعد انهيار التنظيم في سِرت إلى الأراضي التونسية. 

الإعلام القطري روّج مزاعم عن إهانة الإمارات للمرأة التونسية وهي تهمة نفاها المسؤولون الإماراتيون مؤكدين ريادة تجربة المرأة التونسية

يذكر أنّه ثار نقاش بين التونسيين أنفسهم حول هذا الأمر بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار (مارس) الماضي؛ حيث نظمت جمعية "نبض الوطن" ملتقى تحت عنوان "المرأة والإرهاب"، أثار الحاضرون فيه بيانات (وفق ما ذكرت صحيفة "الحياة التونسية" في 8/3/2017) تكاد تكون متطابقة عن كون المرأة التونسية تحتل المرتبة الأولى في "داعش-ليبيا"، وأنّ ممر منطقة بنقردان مفتوح لمرورهن بسهولة من ليبيا نحو تونس؛ بل إنّ النساء الأجنبيات المنتسبات لداعش يدخلن تونس كسائحات، ما يعني أن عودتهن إلى أي بلد أخر تشكل تهديداً للأمن. وقد استعرضت، في الملتقى آنذاك، المراسلة الحربية الجزائرية ناهد زرواتي شهادات حية موثقة بالصوت والصورة لنساء تونسيات متورطات مع تنظيم داعش في ليبيا دخلن ليبيا عبر مدينة بنقردان. وكان تدخل المراسلة الحربية مبنياً على عملها الميداني في ليبيا لمدة 6 سنوات عايشت خلالها نشاط مختلف التنظيمات "الارهابية" التي تستقطب الفتيات خاصة في المغرب العربي، حيث ازدادت نسبتهن واحتلت فيهن التونسية المركز الاول، كما نقل تقرير لصحيفة "ليبيا المستقبل" بتاريخ (12/3/2017)

جدل في تونس حول سحب الجنسية من التونسيين المنتمين لـ"داعش"

يشار إلى أن تونس شهدت منذ شهور جدلاً سياسياً وإعلامياً واسعين بخصوص التونسيين والتونسيات المنتمين إلى "داعش"، حتى إنّ تياراً شعبياً لا يستهان به في تونس يدعو لسحب الجنسية عنهم، ومنعهم من العودة إلى تونس، الأمر الذي يؤكد إدراكاً تونسياً بأن منع خطر الإرهاب قد يدفع نحو إجراءات غير اعتيادية، تقدرها الدول من خلال تقديرها لمصالحها، ولعلّ هذا الوعي هو ما دفع سعيدة قراش المتحدثة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية التونسية، للقول، وفق ما نقلت "رويترز" أمس الثلاثاء، إنّ "تونس تعمل مع الإمارات للتصدي لخطر عائدات من سورية والعراق".

هدأتْ الأزمة.. وبقيَ فشل الإعلام القطري والإخواني!

إلى ذلك، فإنّ الراصد للصحافة الإماراتية ولمواقع التواصل لا يعثر على أية إساءة للشعب التونسي أو للمرأة التونسية؛ بل ثمة تأكيدات بأنّ دولة الإمارات حريصة على أمن تونس واستقرارها، وأنها تعمل مع كل الأشقاء والأصدقاء على محاربة الإرهاب، بما في ذلك الحكومة التونسية، التي تواجه تحدياً إرهابياً في جوارها في ليبيا، ما يؤكد احترام الإمارات للشعب التونسي، كشعب متحضر ومثقف ومسالم، نساء ورجالاً.

والمرجّح أنّ المسألة هدأتْ أو في طريقها إلى المعالجة الدبلوماسية العاقلة بين البلدين الشقيقين، تونس والإمارات، لكن ما بقي من هذا الحادث هو فشل الإعلام المدعوم من قطر والإخوان في المراهنة على إحداث أزمة حقيقية بين تونس وشقيقتها الإمارات.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية