إميل أمين: أمريكا لن تتوقف عن اللعب بورقة التطرف

إميل أمين: أمريكا لن تتوقف عن اللعب بورقة التطرف


11/04/2018

قال الباحث في شؤون الأصوليات الغربية اليمينية إميل أمين إنّ أمريكا رغم رهاناتها الخاسرة طالما تلاعبت بورقة الأصوليات، واستخدام التطرف الإسلاموي في أهدافها الإستراتيجية، مؤكداً أنّ الجماعات الإسلاموية ساهمت بشكل كبير في إحياء الأصولية الغربية والأمريكية، وأنّ دور أتباع هذا التيار سيتعاظم بشكل أكبر، خاصة إذا فاز ترامب بفترة رئاسية أخرى.

التيار الأصولي الأمريكي في طور الصعود وحاضر بقوة الآن ربما أكثر من أي فترة سابقة

ورأى مؤلف كتاب "ذئاب في ثياب حملان..مختصر قصة الأصولية الأمريكية"، في حوار مع "حفريات" أنّ واشنطن قادرة على التصدي لطهران وإرجاعها قروناً إلى الوراء، لكنّها تستخدمها لتفتيت المنطقة، مشدداً على أنّ تعاطي إيران مع أجيالها الصاعدة بالعقلية المحافظة والمتشددة نفسها التي مارسها الملالي قبل 40 عاماً، أمر تتجاوزه طبائع الواقع.

وهنا نص الحوار:

كيف ترى خريطة الأصوليات في العالم، وهل نشهد تعاظماً لها في العالم؟

التيار الأصولي الأمريكي في طور الصعود، وحاضر بقوة الآن ربما أكثر من أي فترة سابقة، وحين تتلاشى أزمة روسيا ترامب تماماً، سيتعاظم دور أتباع هذا التيار بشكل أكبر، خاصة إذا فاز ترامب بفترة رئاسية أخرى، وسيحدث ما لا يحمد عقباه للمسلمين والمسيحيين في المنطقة على السواء؛ فهو الرئيس "غير المتوقع"، ورأينا كيف كان قراره عن القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها، فهي مسألة تدخل في سبيل تقاطعات وتشريعات هذا التيار، ورغم ذلك فـ "روسيا جيت" أو التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية مسألة لا تشغل بالهم كثيراً، والدليل أنّهم دعموا بوش الابن، واكتشف الأمريكيون أنّهم أمام خديعة كبيرة، واكتشفنا نحن بدورنا أننا أمام تيار فاعل، تيار يدعم إسرائيل في كلّ شيء.

نحن إذن أمام مشهد مقلق بكلّ تأكيد، لقد وصلنا إلى سقف كبير من التطرف، منذ 3 أعوام كانت هناك موجة من الانحسار لهذا التيار، لكن تغير كل شيء مع ظهور ترامب بشخصيته المتناقضة وتراجعه المستمر عن كلامه، ما يكشف أنّه ليس إلا دمية يتم التلاعب بها من فاعلين آخرين في المشهد الأمريكي، ويمكننا بهذا الصدد الرجوع إلى كتاب "الضباب الأحمر" الذي يتطرق إلى الحكام الحقيقيين للبيت الأبيض.

الجماعات الإسلاموية ساهمت بشكل كبير في إحياء الأصولية الغربية والأمريكية

ما حجم دور اليهود الأمريكيين في دعم الأصوليات داخل الولايات المتحدة؟

هذه جزئية مهمة في حركة الأصوليات الأمريكية؛ فاليهود يدركون أنّ هذا التيار يشكل خطراً عليهم، وأنّه لا يدعمهم حبّاً فيهم؛ بل من أجل تهيئة الأرض للسيد المسيح في آخر الزمان، رغم أنّ ذلك يخالف قواعد الكنيسة الأرثوذوكسية والكاثوليكية، لكنّه تيار تاريخي، بدأ مع مارتن لوثر، الذي انشقّ، وحاول كسب ود اليهود، فألّف كتابه "المسيح كان يهودياً"، وبعد عقدين، اكتشف أنّهم تلاعبوا به، فألّف كتاب "اليهود وأساليبهم"، علماً أنّه كان أوّل من طالب بوطن لليهود، وبعده نابليون، وبلفور.

ألا ترى أنّ الجماعات الإسلامية المتطرفة أسهمت في صعود الأصولية الغربية؟

نعم، هذه الجماعات ساهمت بشكل كبير في إحياء الأصولية الغربية والأمريكية، فقد نتج عن أفعالها عدم الاستقرار السياسي، واتخاذ الأحزاب اليمينية للتطرف الإسلاموي ذريعة لكسب التأييد لصالحها، وهو ما أدّى إلى أن يقع العالم رهينة أصوليات ثلاث، في اليهودية والمسيحية والإسلام، وحركة "إسرائيل لهفاه" دليل على ذلك، فهي "داعش إسرائيل"، وهي تنادي بحكم التوراة، ونهاية الدولة الإسرائيلية، وهو ما سيولد المشهد الضبابي بالمنطقة فيما بعد.

ولكن المشكلة كامنة بشكل أكبر في استغلال الأصولية الإسلامية؟

بكل تأكيد، فهم استخدموها لمصلحتهم، في البداية استغلوا الأصولية الإسلامية في مواجهة السوفييت بعد غزوهم لأفغانستان، وتمّ دعم انتشار الإخوان بأوروبا، وأمريكا لعبت اللعبة نفسها وفق ما يؤكد جون فوستر دالاس في كتابه "لعبة الشيطان"، وفي هذا السياق دعا مهندس الحرب الباردة وصاحب "مبدأ الاحتواء"، جورج كينان، إلى احتضان الإخوان، وجاء بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر بين عامي 1977 و1981، ورسم ملامح التلاعب بالإخوان، ثم نشأت العلاقة مع بن لادن، ومن ثم ظهرت "داعش" فيما بعد، وأمريكا ستظلّ تلعب بالأصوليات، واستخدام التطرف الإسلامي في أهدافها الإستراتيجية، إلا أنّها دائماً ما تدخل بذلك في رهانات خاسرة.

حركة "إسرائيل لهفاه" هي "داعش إسرائيل" وهي تنادي بحكم التوراة، ونهاية الدولة الإسرائيلية

يذهب كثير من المحللين أنّ وسط آسيا سيكون المستهدف القادم للأصولية الإسلامية، هل تتفق مع ذلك؟

أؤيد هذا الرأي، فلا تزال قارة آسيا، وستظل طويلاً هي الهدف الأكبر للقوى الغربية والإمبريالية العالمية، التي لا تريد لقلب العالم أن ينتقل من بين أيديها إلى الشرق؛ حيث آسيا الصاعدة وبقوة، بقيادة الصين، لتغيير المشهد العالمي، الذي حافظت فيه أوروبا والولايات المتحدة على صدارة العالم، بفعل خمسمئة عام من السيطرة على ثروات الأرض، بالاحتلال والاستغلال، وكثيراً بالاحتيال والسطوة، وما يزال نموذج القرصان المفوض "مورجان" الذي كان يستغل القراصنة الصغار هو المثال الأكبر للإمبراطورية الأمريكية، وحين بلور المحافظون الجدد وثيقتهم الأخطر (PNCA) العام 1997، كان الهدف وقف نمو الصين، وعدم السماح لروسيا بأن تستيقظ من السبات العميق.

بلور المحافظون الجدد وثيقتهم الأخطر (PNCA) العام 1997 بهدف وقف نمو الصين وعدم السماح لروسيا بالنهوض

تبلورت الوثيقة العام 2010، في القراءة الإستراتيجية الشهيرة، المعروفة باسم "إستراتيجية الاستدارة نحو آسيا"، وللهدف ذاته، ولتحقيقها كان لا بدّ من استخدام الأصوليات الإسلاموية مرة جديدة، لتفخيخ روسيا والصين من الداخل، وقد بدأ هذا السيناريو عبر "الربيع العربي" المكذوب في الشرق الأوسط، وكان الأمل تصعيده إلى شمال وشرق آسيا، غير أنّ الأمريكيين فاتهم أنّ التاريخ لا يكرر ذاته، وإن تشابهت أحداثه، ومع ذلك لم ييأسوا، وها هم يعاودون الكرّة من خلال تصعيد الدواعش إلى أفغانستان وباكستان من جديد.

وكيف ترى المشروع القطري الإخواني، على اعتبار أنّه دافع للأصولية؟

هناك توافق تامّ الآن بين المشروع القطري والإخواني، رغم أنّ قطر لا تمثل دولة حقيقية؛ فالدولة بمعناها الكلاسيكي لا تطلق على هذه المساحة، فأنت حينما تتحدث عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، فكلّها دول تمتلك تاريخاً تتكئ عليه، وشراكات حضارية، وهذا ما تفتقده قطر، والآن يتم التلاعب بها، كما إيران، فأمريكا قادرة على التصدي لطهران، وهي تستطيع إرجاعها قروناً إلى الوراء، لكنّها تستخدمها لتفتيت المنطقة، والكاتب والمؤلف الأمريكي، تريت بارزي، وهو متخصص في الشأن الإيراني، قال إنّه حلف المصالح المشتركة الذي يمضي من تل أبيب إلى طهران.

ما الذي يجعل قطر إذن تصر على الاستمرار في هذا النهج؟

ما تزال قطر تعيش مرحلة الأوهام، وتذكّرنا على الدوام بقصة مشهورة في الأدب الفرنسي، عن الضفدعة التي أرادت أن تكون كبيرة بحجم الثور، وقد قصّها علينا لافونتين في كتابه عن الخرافات في القرن السابع عشر، وقد استبدّ بها الحسد من الثور، وهيّأ لها الغرور أنّها يمكن إذا انتفخت أن تتجاوزه حجماً ورسماً، وهي سادرة في غيّها انفجرت ولم يبقَ لها ذكر!

قطر لا تمثل دولة حقيقية لأنها تفتقد تاريخاً تتكئ عليه وشراكات حضارية حقيقية

ثمة تسريبات عدة في الصحافة العالمية تواترت الأسابيع الماضية، تؤكد أنّ الدوحة لم ترتدع رغم أشهر المقاطعة، وأنّها تحاول من جديد الهرب إلى الأمام من خلال محاولة تحسين صورتها، ولا سيما في الداخل الأمريكي، قناعة منها بأنّ واشنطن ما تزال "مالئة الدنيا وشاغلة الناس"، وآخر قصص قطر لجوؤها إلى مستشار يهودي أمريكي متدين، من جماعة "الحريديم"، كي يمكّنها من اختراق الطبقات السياسية والإعلامية الأميركية العليا، يدعى نك موزن، ومعروف أنّ له اتصالات عميقة ومكثفة، ولا سيما مع شخصيات أميركية يهودية نافذة، مثل الحقوقي آلن دورشويتس، المعروف بدفاعه عن إسرائيل في أميركا.

إيران ماضية قدماً في طريق الانفجار، لا تلوي عنه شيئاً، لا سيما في ظل مؤشراتها الداخلية غير المستقرة

أين يمكن أن تصل الحرب "الكلامية" الأمريكية ضد إيران؟

الهجوم الأمريكي ضد إيران ازدادت وتيرته منذ دخول روسيا في المنطقة، والاتفاق النووي أعطى طهران مساحة زمنية، وفوائض مادية، والأوروبيون يهمهم المصالح الاقتصادية مع الإيرانيين، لكنّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أخفق مؤخراً، وهو ما سيؤدي للضغط على إيران وحصارها، فحتى روسيا ليس من مصلحتها أن تصبح إيران دولة نووية، وهي تتلاعب بطهران، ضمن لعبة الشطرنج، والثأر القديم بين موسكو وواشنطن، وهو ما دفع أيضاً أمريكا لبلورة الاستدارة نحو آسيا، وقطع الطريق على روسيا والصين عبر أصوليات، ومحاولة نقل "داعش" إلى هذه المنطقة كما ذكرت.

مستقبلياً كيف ترى إيران داخلياً وخارجياً؟

إيران ماضية قدماً في طريق الانفجار، لا تلوي عنه شيئاً، لا سيما في ظل مؤشراتها الداخلية غير المستقرة، بدءاً من الأوضاع الاقتصادية، ومروراً بأحوال "الجندر" الإيراني، إن جاز التعبير، وصولاً إلى التغير المجتمعي في ظلّ أطر كونية، لا تتسق في الشكل أو المضمون مع زمن ثورة الخميني، والشاهد أنّ الذين ولدوا غداة الثورة الإيرانية يبلغون اليوم من العمر العقد الرابع، هذا الجيل الذي عاصر الانفجار المعلوماتي والإعلامي ضمن سياقات السماوات المفتوحة.

الانتفاضة الإيرانية الأخيرة أيديولوجية أكثر من كونها ثورة على واقع اقتصادي مرير

وعليه، فإنّ التعاطي معه بالعقلية المحافظة والمتشددة نفسها التي مارسها الملالي قبل أربعين عاماً، أمر تتجاوزه طبائع الواقع أو فرضيات المستقبل، والأمر الآخر الذي يؤكد "قابلية الانفجار الإيراني"، يتصل بالمرأة الإيرانية، التي عانت، وما تزال، من الوجه القمعي للملالي حتى الساعة، وهذه بدورها قد تغيرت أوضاعها وتبدلت طباعها، خاصة أنّ 60% من خريجي الجامعات في إيران من الفتيات، اللواتي رآهنّ العالم عبر الشاشات في انتفاضة كانون الأول (ديسمبر) الماضي، التي هي أيديولوجية أكثر من كونها ثورة على واقع اقتصادي إيراني داخلي مرير.

ختاماً، ما الذي نملكه في مواجهة الأصولية؟

يعيننا التسامح الخلاّق في القفز على حواجز "الأصوليات القاتلة"، لا سيما حين ينسى، أو يتناسى، بعضنا أنّنا جميعاً ركاب سفينة واحدة، إما أن تصل بنا معاً إلى برّ الأمان، أو أن نصيبها بعطب معاً يدفعنا إلى الغرق في بحر الأصوليات المهلكة، وعصرنا الحديث يمكن أن يكون أرضية صالحة لمبدأ الحوار والتسامح، بعد انهيار الأيديولوجيات الكبرى، وانتشار مبدأ النسبية، عطفاً على وباء الإرهاب، وقديماً قال حكيم صيني: "إذا أردت أن تنفع الناس لسنة، فابذر لهم حبّة، وإن شئت أن تنفعهم لعشر سنوات، فازرع لهم شجرة، أما إن رغبت في أن تنفعهم لمائة سنة، فأعطهم تعليماً مفيداً".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية