قواعد الفكر الإخواني (15): انتهازية التعامل مع المرأة

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (15): انتهازية التعامل مع المرأة


04/03/2018

على عادة جماعة الإخوان في توظيف كل الأوراق في خدمة مشروعها في الوصول للحكم، لم تكن لتزهد في ورقة بتلك الأهمية مثل ورقة المرأة؛ فجرياً على سنّة التناقض، كان التصور شيئاً والسلوك شيئاً آخر!!

احتقار دور المرأة

"ليست المرأة في حاجة إلى التبحّر في اللغات المختلفة، وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أنّ المرأة للمنزل أولاً وأخيراً، وليست المرأة في حاجة إلى التبحر في دراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس.. علّموا المرأة ما هي في حاجة إليه بحكم مهمتها ووظيفتها التي خلقها الله لها: تدبير المنزل ورعاية الطفل".

بهذه الفقرة الواضحة من "رسالة المرأة المسلمة" يكشف حسن البنا حقيقة موقفه من المرأة، وكيف يحتقر أدوارها في الحياة ولا يعترف بمساواتها عملياً مع الرجل في الحقوق والواجبات، رغم أنّ التكليف القرآني واضح المعنى والدلالة في أنّ الجنسين يقفان على أرضية تكليف واحدة، رغم ذلك يؤكد البنا موقفه فيقول "نحن نصرح بأنّ المجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، وأنّ للرجال مجتمعاتهم وللنساء مجتمعاتهن، ولقد أباح الإسلام للمرأة شهود العيد وحضور الجماعة والخروج في القتال عند الضرورة الماسة".

يكشف البنا في "رسالة المرأة المسلمة" حقيقة نظرة الجماعة التمييزية لدور المرأة في الحياة والمجتمع

ثم يفصح البنا بشكل أوضح عن تصوره لدور المرأة فيقول "إنّ الإسلام يحرم على المرأة أنّ تكشف عن بدنها وأنّ تخلو بغيرها وأنّ تخالط سواها، ويحبِّب إليها الصلاة في بيتها، ويعتبر النظرة سهماً من سهام إبليس، وينكر عليها أن تحمل قوساً متشبهة في ذلك بالرجل، أفيقال بعد هذا إنّ الإسلام لا ينصّ على حرمة مزاولة المرأة للأعمال العامة؟".

هذا الخطاب التمييزي يتناقض مع تصور السلف وحالهم في العلاقة مع المرأة، ولعل أشهر مثال ينقض ما ذهب إليه البنا الحديث النبوي عن قتال نسيبة بنت كعب في غزوة أحد عن رسول الله، حيث عبر -صلى الله عليه وسلم- عن حالها بقوله "ما تلفت يمنة أو يسرة إلا وجدتها تقاتل دوني كاللبوءة" ساعة انفضّ الرجال من حوله وجفلوا من شدة القتال.

أيّ مراجعة لحجم المشاركة النسائية في مظاهرات الجماعة يكشف أنّ النساء يمثّلن أكثر من 60% من حجم تلك التظاهرات

ازدواجية القول والفعل

ولكن هل كانت تلك النزعة التي يتبناها البنا من المرأة دقيقة وصارمة؟ بمعنى هل تقف أدوار المرأة داخل الجماعة عند تلك الحدود التي رسمها لها المرشد المؤسس بالفعل؟ أم أنّ للمرأة المسلمة أحكاماً يعتقدها الرجل وجماعته تختلف عن أحكام المرأة داخل تنظيم الإخوان؟

تعاملت الجماعة بانتهازية شديدة مع المرأة؛ فقد كلفتها بالعديد من الأدوار الخطيرة، لكنها لم تمنحها الحق أبداً في أن تشارك في صناعة القرار أو تستشار في أمور تؤثر في حياتها ومصائرها، إلا باستغلالها سياسياً في وصولهم إلى الحكم بتشجيعها على ممارسة الاقتراع، رغم رأي البنا الشهير في حق المرأة بالانتخاب أو شغل عضوية البرلمان؛ إذ يقول في مقال نشره في مجلة الإخوان المسلمين بتاريخ 5 تموز  (يوليو) 1947: "يعتبر منح المرأة حق الانتخاب ثورة على الإسلام وثورة على الإنسانية، وكذلك يعتبر انتخاب المرأة ثورة على الإنسانية بنوعيها لمناقضته لما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها ومرتبتها في الوجود، فانتخاب المرأة سبة في النساء ونقص تُرمى به الأنوثة".

البنا: نحن نصرح بأنّ المجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي وأنّ للرجال مجتمعاتهم وللنساء مجتمعاتهن

ومايزال مشهد تلك المرأة الريفية التي تسلقت سلماً خشبياً في انتخابات برلمان العام 2000 قبل عشر سنوات من ثورة يناير ماثلاً في الأذهان، تلك المرأة الريفية التي قفزت على القيود التي حالت دون وصولها إلى اللجنة الانتخابية، لم تكن سوى واحدة من نساء الريف المصري التي نجحت جماعة الإخوان في الوصول إليهن، حيث نجحت خطة التنظيم في النفاذ إلى كل بيت والحركة عبر كل شارع وحارة في قرى ومدن مصر، يمارسون الحشد والتعبئة والدعاية لمرشحي الجماعة، حيث أدركت الجماعة قبل كثير من القوى السياسية في مصر، أنّ المرأة سلاح لا يفرّط به في الصراع السياسي، بما تملكه من قدرات في الاتصال تفوق الرجل وتتفوق عليه بميزة نسبية وقتها؛ وهي حرية الحركة بعيداً عن قيود الأمن، وقدرتها على الوصول إلى شريحة تمثل 50 % من المجتمع وأكثر من 60 % من القوة التصويتية مقارنة بالرجل في التجاوب مع العملية الانتخابية.

امتلكت قوتان في مصر ماكينة انتخابية قادرة على ترجمة الحشد والتعبئة إلى مقاعد في البرلمان؛ الإخوان من جهة والحزب الوطني الحاكم من جهة أخرى، لكن الجماعة تميزت بوجود أيدولوجيا متماسكة تجمع الأعضاء من جهة، وتاريخاً تنظيمياً لهذه الشريحة يمتد إلى ثمانية عقود.

ترأست لبيبة أحمد عمل قسم الأخوات ونشط هذا القسم لخمس سنوات قبل أن يعلن البنا انتقاله من الدعوة إلى السياسة والحكم

قسم الأخوات

أدرك الإخوان مبكراً قوة النساء فأنشأوا قسم الأخوات في العام 1932؛ أي بعد أربعة أعوام فقط من نشأة الجماعة، وكان حسن البنا خبيراً بالمجتمع المصري؛ يدرس نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات، لذا اختار السيدة لبيبة أحمد رئيسة تحرير جمعية النهضة النسائية، وكانت إحدى رائدات الإصلاح الاجتماعي، ليضمن تحقيق هدفين: اجتذاب شريحة من دعاة تحرير المرأة وإدخالهن في قفص الجماعة من جهة، وتوظيف طاقة النساء من جهة أخرى لخدمة مشروعه السياسي.

للمرأة المسلمة أحكام يعتقدها البنا وجماعته تختلف عن أحكام المرأة داخل تنظيم الإخوان

ترأست السيدة لبيبة أحمد عمل قسم الأخوات، ونشط هذا القسم لخمس سنوات قبل أن يعلن البنا انتقاله من مربع الدعوة إلى مربع السياسة والحكم، فسافرت السيدة لبيبة أحمد إلى الحجاز لتعتزل هذا العمل الذي عهد به حسن البنا لأحد الرجال، هو السيد محمود الجوهري وزوجته السيدة أمينة أحمد/ ومن سخرية المقولة المزعومة باحترام الإخوان المسلمين وتقديرهم لدور المرأة، أنه عُهد لهذا الرجل بإدارة هذا القسم لمدة ستين عاماً متصلة من العام 1944 وحتى وفاته العام 2004 دون أن تتولاه امرأة؛ فالجماعة ارتضت صيغة راسخة في تعاملها مع تضحيات وجهود المرأة، هو أن تعهد لها بالمسؤوليات والأعباء والمغارم، بينما تضع السلطة بيد الرجال في تماهٍ مع الواقع الاجتماعي الظالم.

حقيقة الجماعة لم تشذ عن باقي القوى السياسية في تلك النظرة المتخلفة للمرأة؛ لأنها كانت تعبيراً عن واقع ثقافي واجتماعي صنع إكراهات المجتمع، قبل أي إكراهات أخرى صنعتها بعض التفسيرات المتعسفة للدين ومراده التي جسّدتها حركات كالإخوان.

استغلال المرأة سياسياً

قامت المرأة في حياة البنا نفسه بالعديد من الأدوار التي كشفت التناقض والازدواج في أفكاره وما مارسه هو وحض عليه، ومن ذلك الموقف من المرأة الذي لخصته كلماته، فهل كان في إرسال حسن البنا وفداً نسائياً إلى قصر الملك فاروق يحملن مذكرة تفنّد أسباب حل الجماعة، وتناشد الملك إلغاء قرار الحل عملاً من أعمال البيت ورعاية الأسرة؟ ألم يخالف حسن البنا بذلك ما دعا إليه من عدم اختلاط المرأة بالرجل؟ بل وقيامها بنشاط سياسي يخالف ما تعلمته وأعدها المجتمع له وفق تفسيره واختياره!

أدرك الإخوان مبكراً قوة النساء فأنشأوا قسم الأخوات في العام 1932 ولكن عهدوا لرجل بإدارته ستين عاماً

هل كان من قيم الإسلام، كما روّجت له الجماعة، أن تخرج النساء في المشاهد التي تلت خروج الجماعة من الحكم العام 2013، يمارسن العنف المادي واللفظي في الجامعات ويتفوهن بالألفاظ الخارجة، أم أنها السياسة التي هي داء الجماعة منذ نشأتها والتي دفعتها إلى الدفع بالنساء في كل محطات التدافع السياسي، بدءاً من دورهن في الدعاية والإعلان لمرشحي الجماعة وتربية الأولاد على كراهية الدولة والمجتمع، وتنشئتهن منفصلين عن الشعور الوطني، خصوصاً مع امتلاك الجماعة جيشاً من المعلمات في وزارة التعليم تحركهن في مهمة تسميم عقول الطلبة، وقد همّت الجماعة بتحريك هذا الجيش في بداية العام الدراسي الذي حفل بمظاهرات تلاميذ وتلميذات الابتدائي والإعدادي، وأطلقت حركات مثل حركة "7 الصبح" وغيرها، قبل أن تعود الجماعة أدراجها بعد أن أيقنت أنها تخاطر بتحريك هذا التنظيم الآن، ففضلت الضن به لمرحلة لاحقة مع تهيؤ مشهد جديد قد يسمح بصعود الجماعة مرة ثانية بعد أن افتضحها المجتمع وانهارت شعبيتها.

ارتضت الجماعة في تعاملها مع تضحيات وجهود المرأة بأن تعهد لها بالمغارم بينما تضع السلطة بيد الرجال

ما تزال الجماعة تستخدم هذه الشريحة بشكل مكثف في الدعاية التلفزيونية، عبر قنوات الفتنة والتكفير التي تنطلق من الخارج بالنظر لطبيعة الشعب العاطفية، وتركيز الضوء على بعض المخالفات الأمنية وتكبيرها وتوسيع نطاقها من أجل التأثير في عواطف الناس، والدلوف لهم من باب المظلومية الذي هو الباب المفضل للجماعة عبر تاريخها.

إنّ أيّ مراجعة لحجم المشاركة النسائية في مظاهرات الجماعة يكشف أنّ النساء يمثّلن أكثر من 60% من حجم تلك التظاهرات، بما يفضح انتهازية التنظيم الذي لا يجد غضاضة في المتاجرة بآلام الناس وتضحياتهم، ورفع راية الثأر مع الدولة والتحريض على إطلاق حرب أهلية تدمر ما تبّقى من تماسك هذا المجتمع، لتبقى المرأة مجرد أداة من أدوات التنظيم يلقي بها في محرقة الحكم دون أي وازع.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية