
وضعت الحرب بين إيران وإسرائيل الإسلاميين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم في مأزق إيديولوجي وسياسي كبير، بين من ينظر إلى الحرب على أنّها بين الروافض والصهيونية العالمية، ويريد هزيمة الاثنين معاً، وبين المؤيد لطهران أو المعارض لها من منطق فكري بحت.
التنظيمات الجهادية كيف رأت الحرب
إذا تتبعنا صفحات تنظيم (القاعدة)، على اعتبار أنّه زعيم التنظيمات الجهادية، فإنّه لم يُدلِ بأيّ بيان أو رأي فيما حصل، إذ إنّه سيكون في موقف محرج إن أصدر بيانًا رسميًا، حيث سيثبت التهمة بأنّ (سيف العدل) يعمل من طهران وينسق معها، ممّا يؤدي إلى مشكلات كبيرة، إلا أنّه من المرجح أن يقوم أحد أفرع التنظيم بلعب هذا الدور فيما بعد.
أمّا عناصر وفصائل السلفية الجهادية الشامية، فقد رأت أنّ استمرار الحرب بين إيران (الفرس وفق البيانات) وإسرائيل، هو في مصلحة المسلمين والإسلام. ورأى (أبو قتادة)، المُنظّر الأردني المعروف الموالي لأحمد الشرع، أنّ الكيان دولة صغيرة، والأنظمة العربية هي من تقدّم لها الحماية، وأمريكا لن تسمح بزوال إيران، فيما صمت أبو محمد المقدسي عن تناول هذا الأمر وتجنب الحديث فيه، لكنّ بعض العناصر كان سعيدًا للغاية بتدمير قدرات إيران، ومنهم من اعتبره انتقامًا من الله لما فعلته طهران بسوريا.
اعتبر عناصر من السلفية الجهادية في سوريا، ومنهم أبو يحيى الشامي، وأبو حمزة الكردي وغيرهما، أنّ ذلك مقدمة لمشروع آخر وهو تقسيم سوريا وعمل دولة درزية.
في المقابل صمت تنظيم (داعش) بشكل رسمي، لكنّ بعض الصفحات الشخصية والأخرى المناصرة اعتبرت ذلك انتقامًا ونصرًا من الله بوقوع الدولتين في معركة بينهما، داعية إلى استمرار الحرب بين الطرفين.
لم تصدر تنظيمات سوريا أيّ بيان رسمي لها، كما تجاهل النظام السوري الجديد ما يجري، سوى بعض التوجيهات للمواطنين بالحفاظ على الأمن، لكنّ بعض عناصر الهيئة رأوا أنّ إسرائيل احتلت أجزاءً من سوريا باتجاه دمشق من أجل الهدف الأساسي وهو المشروع الإيراني، وبعضهم رأى أنّ تنظيم (داعش) سيتحرك في سوريا بأوامر إيرانية، ويستغل تلك الفرصة، وأنّ الحشد الشيعي العراقي من المحتمل أن يتحرك باتجاه سوريا، وأحدهم كتب أنّهم أرسلوا ملفًا تفصيليًا إلى السلطة فيه إحداثيات قادة مجموعات فلول النظام في الساحل، الذين من المرجح أن يتحركوا بعد الضربات الإسرائيلية لإيران، مستنكرًا كيف تغاضت الداخلية السورية عن اعتقالهم.
وانتقد معارضون للشرع عدم استثمار الحدث، ساخرين من أنّه يمكن أن يقوم بمهاجمة إيران، مطالبين الشعب الأحوازي بالتحرك.
ونشرت أذرع قريبة من هيئة تحرير الشام دراسة بعنوان "مشروع الحزام السنّي العشائري شرق سوريا" يتضمن تفاصيل الخطة الأمريكية، التي نقلوا فيها أنّ القادة والاستراتيجيين الأمريكيين قد أخطؤوا في العراق عندما وضعوا كلّ ثقلهم في سلة الشيعة فسقط العراق في حضن إيران، وأدّت مظلومية السنّة من الشيعة إلى خروج تنظيم (داعش)، لذلك يتجه الأمريكان إلى تصحيح هذا الخطأ، لتأتي الحرب الإسرائيلية الإيرانية لتصبّ في الاتجاه نفسه.
في المقابل أصدر (جيش العدل)، وهو تنظيم عسكري سرّي في بلوشستان معارض لإيران، بيانًا دعا فيه إلى القيام بعمليات متزامنة مع الهجوم الإسرائيلي داخل الدولة الإيرانية.
الإخوان والسلفيون على الخط
أصدرت جماعة الإخوان في صفحتها الرسمية استنكارًا للضربات الإسرائيلية بإيران، واعتبرت أنّ ما يجري هو استكمال للمشروع الصهيوني برعاية أمريكية.
وأدانت حركة (النهضة) التونسية الهجوم الإسرائيلي مؤكدة تضامنها مع إيران، قيادة وشعبًا، في مواجهة هذا التصعيد.
على المنوال والمنطق نفسه أصدرت فروع الإخوان في المغرب ولبنان وموريتانيا وغيرها بيانًا مماثلًا، وتناولت عناصر مقربة من الإخوان، مثل محمد الصغير، الحرب، واعتبرت أنّ السنوار كان له بُعد نظر لأنّ ما جرى لقادة إيران كان سيجري لهم لو لم يستبقوا الحدث بعملية 7 تشرين الأول (أكتوبر)، مطالبين بتحرك ألوية اليمن في وقت واحد لتحريرها من الحوثي.
وهناك عناصر إخوانية في أمريكا اللاتينية وفي دولة المغرب، مثل حسن الكتاني، رأوا أنّ أيّ هزيمة وتراجع لإيران فهو تقدم وتغول للكيان الغاشم، ولذلك لا مناص لكل عاقل من أن يقف مع إيران ضد إسرائيل.
وأصدر المجلس الثوري المصري من لندن بيانًا شديد اللهجة أشار فيه إلى أنّ الاختراق الإسرائيلي لإيران سيحدث لمصر في أيّ حرب مقبلة.
واعتبر المقرّب من الإخوان سليم عزوز أنّ هناك صاروخًا يحدث دويًا ولا يصيب هدفًا، وأنّ إيران هي مجرد صوت، وأنّه لا خير في هدف لا يرقى لمستوى القادة والعلماء الذين استهدفتهم إسرائيل في غرف نومهم، ولا خير في صاروخ لا يستهدف منشأة كبيرة، وأنّ مستوى الرد الإيراني هو فارغ.
السلفيون المصريون تناولوا الموضوع على أساس أنّه حرب بين الرافضة واليهود، وأنّ الرافضة هم أكثر شرًّا من اليهود، غير مخفين سعادتهم بهزيمة إيران، مطالبين بتحرير العراق واليمن من النفوذ الإيراني، معتبرين أنّ إيران دولة شيعية لا تقلّ خطرًا على الإسلام من اليهود، وبعضهم نشر صورة رئيس أركان إيران الذي تم اغتياله، وقالوا ماذا كان يفعل في سوريا؟ فيما التزمت الدعوة السلفية وحزب النور الصمت تمامًا.
ويظلّ الخلط ما بين السياسة والفكر الديني عائقًا كبيرًا أمام التنظيمات الإسلاموية في تناول الأحداث الجارية بصورة موضوعية، خاصة إذا كانت حربًا كبيرةً داخل الإقليم مثل الحرب الإسرائيلية الإيرانية.