"لا أندم على شيء": زعيم الجمهوريين في فرنسا يواجه الإسلاموية بمنطق "اللا مساومة"

"لا أندم على شيء": زعيم الجمهوريين في فرنسا يواجه الإسلاموية بمنطق "اللا مساومة"

"لا أندم على شيء": زعيم الجمهوريين في فرنسا يواجه الإسلاموية بمنطق "اللا مساومة"


11/05/2025

تعدد المواقف في فرنسا إزاء تصاعد الإسلاموية، حيث تواصل الحكومة تقويض نشاط الجماعات والتنظيمات الإسلاموية، فضلاً عن خطابات الكراهية، من خلال مشروع قانون تعزيز قيم الجمهورية، ومحاربة الانفصالية، الذي يتبنّى رؤية مفادها رفض تسييس الإسلام، والالتزام بعلمانية/ لائكية الدولة للحفاظ على الهوية الحضارية لفرنسا. وضمن جهود عديدة، قانونية تشريعية وثقافية وسياسية، لمكافحة تغلغل الخطاب الإسلاموي وسياساته المتغلغلة في الضواحي، ولدى قطاعات ليست بالقليلة من الجاليات العربية المسلمة، برز كتاب حديث لزعيم حزب "الجمهوريين" الفرنسي إريك سيوتي، وعنوانه: "Je ne regrette rien"، وترجمته العربية: "لا أندم على شيء".

الكتاب الصادر حديثاً في فرنسا يعكس المواقف ذاتها لرؤية سيوتي الصارمة في ما يخص مقاربته الراديكالية تجاه الإسلام السياسي. كما تُظهر التزامه بتعزيز العلمانية والحفاظ على الهوية الفرنسية، مشدداً على أنّهم "الخطر الأكثر إلحاحاً على النموذج الجمهوري الفرنسي". كتاب سيوتي جاء، إذاً، ليتماهى مع مضمون تقرير مشترك لمديريتي الاستخبارات الداخلية (DGSI) والخارجية (DGSE)، الذي رُفع إلى وزير الداخلية برونو ريتايو، ويكشف عن حجم تغلغل الإخوان في النسيج المدني الفرنسي، خاصة من خلال المؤسسات التعليمية والرياضية والدينية، وذلك بحسب ما أكده موقع (العين الإخبارية).

الكتاب يكرّس فلسفة "اللّا ندم"، كما حمل عنوانه، وذلك ليس فقط تجاه تحالفه مع اليمين المتطرف، بل أيضاً من مجمل سياساته ومواقفه من الهجرة، والإسلام، والعلمانية

وقد نقل الموقع ذاته، عن فينسنت جيسيه، الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، والمتخصص في علم الاجتماع وقضايا الإسلام السياسي في فرنسا والعالم العربي، قوله: إنّ مضمون التقرير يعكس تطوراً في نظرة الدولة إلى الإخوان، من تنظيم خارجي إلى فاعل داخلي متجذر. وأضاف: "الإخوان لا يتحركون كتنظيم هرمي تقليدي، بل عبر شبكة علاقات ومؤسسات تعمل على المدى الطويل، مستهدفة تشكيل وعي سياسي ـ ديني متعارض مع النموذج الجمهوري الفرنسي". وكان التقرير قد ألمح إلى مؤسسات تربوية مثل مدارس "ابن رشد" و"الكندي" في ضواحي باريس، بوصفها "نقاط ارتكاز لمشروع ثقافي إخواني طويل الأمد"، الأمر الذي "دفع بعض النواب المحافظين إلى المطالبة بإغلاقها، وهو ما ينسجم حرفياً مع مقترحات سيوتي في كتابه الأخير".

وبحسب التقرير، فإنّ تنظيم الإخوان يستثمر في استراتيجية "التمكين الناعم"، عبر شبكات من الجمعيات التعليمية مثل المدارس والمراكز الرياضية في ضواحي باريس، حيث تُستخدم تلك المؤسسات كأذرع ثقافية واجتماعية لنشر الفكر الإخواني دون اختراق واضح للقانون.

وبالعودة إلى إريك سيوتي، فإنّ مواقفه من الإسلام السياسي تقع في نطاق المواجهة السياسية والإيديولوجية مباشرة. ويعبّر الكتاب عن استكماله أو استئنافه للمواقف والآراء والمقاربات ذاتها، وعدم التراجع أو التهاون. فالإسلام السياسي هو تهديد للهوية الفرنسية، وفق تصريحات سابقة للسياسي الفرنسي، قائلاً: إنّ "الإسلام السياسي يريد فرض قواعده القضائية والاجتماعية، وهو معركتنا الحضارية". وكانت له مواقف من الحجاب والرموز الدينية، اعتبر أنّها "أداة خضوع للمرأة وتتناقض مع قيمنا"، ويرفض الاستعمال الإيديولوجي للرموز الدينية، وتحويل هوية المواطن إلى ناحية دينية. 

وفي دراسة لمركز (تريندز)، أوضح الباحث المصري كريم شفيق أنّ الإسلاموية، ومخاطر أو تهديدات "الانعزالية"، مثّلت ما هو أبعد من فكرة الحروب الثقافية، الناعمة والمستترة. وقد برزت ضغوطاتها في سياقات عديدة، محلية وخارجية، عبر ابتعاث الحوامل الاجتماعية التي تكاد تُصبح مجتمعات موازية في مواجهة ما يعتبرونه مركزية العلمانية، وحماية ما يصفونه بسياسة "الإسلاموفوبيا"، أو "الرهاب من الإسلام"، حيث تتحول الخلافات، في ظاهرها، إلى نزاع وجودي بين الإسلام وفرنسا. في حين أنّ القضايا التي تجري على تخومها ولادة العنف الإسلاموي واستمالة هذه القوى الانعزالية من حواضنها تقع ضمن وسائط الاستقطاب السياسي والإقليمي، كما هو الحال إزاء الموقف من حركة حماس أو جماعة الإخوان بفروعها المختلفة، وحزب الله ومثيلاته المختلفة من نسخ الإسلام السياسي الشيعي. بل إنّ آليات اشتغال الخطاب الخفية للإسلامويين تؤشر إلى مصالح أطراف محددة بوساطة "لوبياتها"، سواء عبر أئمة المساجد، أو المراكز الثقافية، أو المدارس أو المؤسسات التعليمية.

كتاب سيوتي جاء في لحظة مفصلية من مسيرته السياسية المليئة بالجدل، خاصة في ما يتعلق بمواقفه من الإسلام السياسي في فرنسا

الدراسة المعنونة بـ "مشروع تعزيز قيم الجمهورية الفرنسية"... الإمكانات والتحديات"، ألمحت إلى أنّ استدارة فرنسا لمكافحة الإسلاموية، أو بالأحرى استراتيجياتها وتكتيكاتها، ليست أمراً هيناً، حتى مع وجود مشروع جاد، قانوني وتشريعي، وكذا إرادة سياسية، لتصفية الجيوب اليمينية الراديكالية والانعزالية فيما يُعرف بـ"إسلام الضواحي". إذ إنّ تَسَيُّد نموذج "ما بعد الإسلاموية"، الذي ينجح في تمرحل الأزمات التي وقعت تحت وطأتها تنظيمات الإسلام السياسي، بخطاباتها وسردياتها التقليدية، وتسببت في انحسارها سياسياً، كل ذلك يفاقم معضلة مواجهة التيار الإسلاموي، لا سيّما مع قدرته على إعادة تكوين رأسماله الرمزي/ الديني، وتعميمه في المجال العام، بعيداً عن الفكرة النمطية والكلاسيكية التي تتبنّى تدشين الدولة الإسلامية.

اللافت أنّ سيرة سيوتي لا تخلو من مواقف وآراء جدلية، بينما تبعث باستقطابات عنيفة وحادة، مثل انتقاده الحاد لقانون مكافحة الانفصالية، حيث اعتبر سيوتي أنّ هذا القانون "فشل في التحديد"، لأنّه يضع جميع الأديان في "سلّة واحدة، بدلاً من مواجهة المشكلة بوضوح". وقد ألمح في الكتاب إلى ما وصفه بـ "توازنات التعددية" التي يجب ألّا تُقدَّم على أمن الجمهورية. فضلاً عن دعوته إلى تعديل الدستور بإضافة إشارة إلى "الجذور اليهودية-المسيحية لفرنسا" وتعزيز مبدأ العلمانية. واقترح سيوتي ضرورة تدشين "غوانتانامو فرنسي" لاحتجاز المتطرفين الإسلاميين الخطرين، معتبراً أنّ "القتال ضد الإسلاموية لا يمكن أن يتحمل السذاجة". وفي عام 2016 قال سيوتي: إنّ "فرانسوا هولاند انتُخب بفضل الإسلام السياسي"، مستنداً إلى نسب تصويت المسلمين له. وبعث بمخاوفه من كون "الشريعة تُعتبر فوق قوانين الجمهورية لدى بعض الشباب المسلمين"، داعياً إلى تعزيز التعليم الوطني الموحد. وقال سيوتي: "يجب على الإسلام أن يتكيف مع الجمهورية، وليس العكس"، مؤكداً على ضرورة تنظيم الإسلام في فرنسا بما يتماشى مع مبادئ الجمهورية.

إذاً، يمكن القول إنّ كتاب سيوتي الذي صدر مؤخراً قد جاء في لحظة مفصلية من مسيرته السياسية المليئة بالجدل، خاصة في ما يتعلق بمواقفه من الإسلام السياسي في فرنسا. الكتاب الذي جاء بعد سلسلة من التحولات السياسية المثيرة لا يكتفي بتبرير قراراته، بل يعيد التأكيد على قناعاته الإيديولوجية، وفي قلبها العداء والخصومة التامة تجاه "الإسلاموية" أو "الإسلام السياسي" من دون مرونة أو مساحة توافق وبراغماتية. حيث إنّ هذه القوى الدينية الأصولية، برأيه، لا تسعى فقط إلى التأثير الديني، بل إلى فرض نمط حياة موازٍ، ومجتمعات انعزالية تنبذ قيم الجمهورية وتهدد استقرارها، سياسياً وأمنياً وعلى المستوى الاجتماعي، كما يهدد ذلك وحدة القانون والعلمانية الفرنسية. 

الكتاب يكرّس فلسفة "اللّا ندم"، كما حمل عنوانه، وذلك ليس فقط تجاه تحالفه مع اليمين المتطرف، بل أيضاً من مجمل سياساته ومواقفه من الهجرة، والإسلام، والعلمانية. وبالمحصلة؛ يمثل كتاب إريك سيوتي تتمة لخط إيديولوجي واضح المعالم، تتقاطع فيه القومية المحافظة مع العداء الصريح للإسلام السياسي الذي يرى فيه تهديداً وجودياً، ويتعامل معه من منطلق "اللّا مساومة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية