
في مشهدٍ بالغ الدّلالة، التقى القسّ الأمريكي جوني مور ـ المعروف بولائه الأعمى للاحتلال الإسرائيلي ومعارضته الصريحة للمساعدات الإنسانية إلى غزة ـ بالمطران رومانوس الحنّاة، الوكيل البطريركي للروم الأرثوذكس، وذلك في دار بطريركية السّريان الأرثوذكس في دمشق، يوم 10 حزيران (يونيو) الجاري. وقد جرى اللقاء وسط تغطية بروتوكولية باهتة، لم تُخفِ الأبعاد الرمزية والسياسية الخطيرة الكامنة خلف هذه الزيارة.
وللتوضيح، فإنّ انتقادنا للمواقف الكنسية ـ سابقًا وحاليًا ـ ليس خلافًا شخصيًا كما يحب البعض تصويره، بل هو خلاف جوهري حول رؤية سياسية وأخلاقية، نابعة من إدراك نتائج هذه السياسات المُخزية على أبناء شعبنا، مسلمين ومسيحيين على حدّ سواء.
رومانوس الحنّاة: من تبرير القمع إلى تجميل الاحتلال
لطالما عُرفت مواقف عدد من الشخصيات الكنسية بانحيازهم الصريح إلى نظام بشار الأسد، حيث لعبوا دورًا دينيًا في تلميع صورة النظام، رغم الجرائم المُوثقة في تقارير الأمم المتحدة بحقّ المدنيّين، بما فيهم المسيحيون أنفسهم (OHCHR Reports on Syria).
إلا أنّ الدور الذي يقوم به المطران اليوم يتجاوز الصمت عن القمع، ليصل إلى احتضان شخصيات مشبوهة مثل جوني مور، أحد رموز اليمين المسيحي الصهيوني في واشنطن، وعرّاب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والدّاعم العلني لتجريم وكالة الأونروا، وإضعاف جهود الإغاثة الدولية في فلسطين.
بكلمات أوضح: رومانوس الحنّاة انتقل من تسويغ القمع إلى تلميع من يدافع عن الاحتلال.
من يدافع عن غزة؟
بينما تُقصف غزة ويُقتل الأطفال تحت الأنقاض، وتُمنع المساعدات من الوصول، نجد المطران رومانوس ـ بصفته الكنسية الرسمية ـ يستقبل بكل ترحاب من يعمل ضد هذه المساعدات، ويوفّر له منصة كنسية من دمشق، المدينة التي كانت يومًا ما رمزًا روحيًا للشعوب المستضعفة.
فهل نسي المطران أنّ الكنيسة وُجدت لتكون صوت المقهور، لا أداة تسويق للمستبد والمحتل؟
كيف يمكن لمن يحمل لقبًا روحيًا أن يغضّ الطرف عن تحالف مور مع الاحتلال، بل يُضفي عليه شرعية دينية؟
تواطؤ ديني أم عجز أخلاقي؟
هذا اللقاء ليس حدثًا عابرًا، بل يأتي في إطار مشروع أوسع يهدف إلى:
• تبييض وجه الاحتلال الإسرائيلي عبر مؤسسات دينية عربية.
• إعادة دمج دمشق في علاقات دولية ذات طابع طائفي غير عادل.
• تحييد صوت الكنيسة عن قضايا جوهرية مثل فلسطين، عبر احتوائها من الداخل.
وهكذا يتحوّل الرعاة من قادة روحيين إلى وكلاء سياسيين لتلميع دعاة القهر، فتُجرّ الكنيسة إلى تحالفات تُناقض رسالتها الإنجيلية والإنسانية.
اللقاء ليس تفصيلاً... بل هو موقف
لقاء جوني مور مع المؤسسة الكنسية في دمشق ليس مجرّد "زيارة بروتوكوليّة"، بل هو رسالة سياسية خطيرة تعبّر عن انهيار الحدود بين الروحي والسياسي، بين الحقّ والمصلحة، بين صوت الكنيسة وصوت السلطة.
إنّ السكوت الكنسي ـ والترويج لهذا اللقاء ـ يُعدّ مشاركة غير مباشرة في خنق غزة وتخدير الضمير الجماعي.
آن الأوان أن تُحاسَب المؤسسات الدينية، لا على ما تُعلنه، بل على من تُرحّب به في أروقتها.