عودة من تحت الرماد: كيف يخطط داعش لإشعال سوريا مجددًا؟

عودة من تحت الرماد: كيف يخطط داعش لإشعال سوريا مجددًا؟

عودة من تحت الرماد: كيف يخطط داعش لإشعال سوريا مجددًا؟


11/06/2025

رغم الضربات العسكرية التي تلقّاها تنظيم "داعش" في السنوات الماضية، إلا أن تحركاته الأخيرة تشير إلى نوايا واضحة لإعادة إشعال الساحة السورية، إذ يراهن التنظيم على الانفلات الأمني في بعض المناطق لإعادة التموضع وشنّ هجمات نوعية تستهدف الاستقرار الهشّ.

وتستغل خلايا "داعش" المتبقية التناقضات بين القوى المحلية والفراغ الأمني في البادية السورية ومحيط دير الزور والرقة، لتوسيع دائرة نشاطها، ويبدو أن التنظيم يراهن على حرب استنزاف طويلة الأمد تستهدف الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية بشكل خاص.

هذا وتكشف المعطيات الميدانية عن تصعيد تدريجي في هجمات "داعش"، بعضها موجّه ضد قوافل عسكرية وأخرى ضد منشآت مدنية. هذا التصعيد لا يأتي بمعزل عن تطورات إقليمية ودولية، ما يثير تساؤلات حول الجهات المستفيدة من إعادة تحريك ورقة الإرهاب في سوريا.

خطة داعش لإشعال الفوضى في سوريا

وقد حذر تقرير لمجلة "فورين بوليسي" من تصاعد العمليات الإرهابية لتنظيم "داعش" في سوريا، بعد 6 أشهر من حكم الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع.

وبحسب التقرير، فقد أدى سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول / ديسمبر 2024 إلى انهيار شبه كامل لتنظيم "داعش"، ونتيجةً لضربات أمريكية سريعة في الصحراء السورية الوسطى، تراجع نشاط التنظيم إلى هجومين فقط في كانون الثاني / يناير 2025. لكنه عاد تدريجيًا: 9 هجمات في شباط / فبراير، 19 في آذار / مارس، 28 في نيسان / أبريل، و38 في أيار / مايو – بمجموع 96 هجومًا منذ مطلع 2025، 94% منها في شمال شرق سوريا، خارج سيطرة الحكومة الانتقالية.

تكشف المعطيات الميدانية عن تصعيد تدريجي في هجمات "داعش"

وفي الأول من حزيران / يونيو، أدى هجوم بزرع عبوة ناسفة كبيرة عن بُعد إلى مقتل 3 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في الطريق بين الرقة والحسكة.

التقرير التقرير إلى أن تنظيم "داعش" يركز هجماته على مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، مستهدفًا عموم السكان العرب السنة الذين يشعرون بعدم الانتماء للحكم العلماني–الليبرالي–الاشتراكي الذي ترعاه الحركة. ويهدف إلى تقويض ثقة الناس بالحكومة الانتقالية السورية.

كما أُحبطت عمليات – بما فيها مخططات انتحارية متعددة (اضطرت بها 4 انتحاريين)، تستهدف مرقد السيدة زينب، كنائس في حلب، وحافلة نازحين على طريق M5 – وذلك بفضل تنسيق معلوماتي أمريكي–إقليمي.

خلال أسبوعين من فرض عقوبات أمريكية على سوريا، نفذ التنظيم 5 هجمات مميتة ضد قوات الأمن الحكومي في إدلب ودير الزور والسويداء.

أول هجوم بسيارة مفخخة منذ عامين في مايو، استهدف مركز شرطة في الميادين الشرقية.

نفّذ هجمات بالعبوات في السويداء (جنوب)، منها ثلاث هجمات خلال 10 أيام، استهدفت الجيش وسيارة إسعاف – وهي أولى تلك الهجمات منذ 2018.

وقد تحرك نحو ريف حلب الشرقي، حيث تم إحباطه عبر تعطيل محاولات هروب من سجون داعشية فيه وتنفيذ هجوم بعبوة ناسفة في 28 مايو عند جرابلس، أدى إلى مقتل رئيس أمن السجن.

داعش يعتمد في استراتيجيته الجديدة على تكتيكات حرب العصابات والكمائن المباغتة مستفيدًا من الطبوغرافيا الصحراوية

وخلص التقرير إلى أن عودة نشاط "داعش" لم تكن بسبب قدرة عسكرية كبيرة من النظام، ولكن نتيجة إعادة تموضع التنظيم وتكيّفه. واستمرار هجماته في إدلب، السويداء، شمال شرق الرقة والحسكة، وتمركزه في دير الزور، يدل على أنه لم يعد يشعر بالتهديد الوجودي، بل يرى فرصًا للتوسع والفوضى محليًا.

ملامح خطة "داعش" الجديدة

وفي تقارير صحفية متواترة، تمت الإشارة إلى أن "داعش" يعتمد في استراتيجيته الجديدة على تكتيكات حرب العصابات والكمائن المباغتة، مستفيدًا من الطبوغرافيا الصحراوية الممتدة من تدمر إلى دير الزور. هذا الانتشار يمنحه القدرة على التنقل السريع وتفادي الضربات الجوية المركزة من التحالف الدولي أو الجيش السوري.

فالتنظيم يعيد تنظيم صفوفه عبر خلايا صغيرة مستقلة تعمل دون ارتباط مركزي صارم، مما يصعّب على أجهزة الاستخبارات رصد تحركاته. 

كما تُظهر التقارير أن "داعش" يجنّد عناصر جديدة بين نازحين وسجناء سابقين، ويستغل الوضع الاقتصادي والفراغ الأمني لكسب الحاضنة.

وحول الأهداف التي يركّز عليها "داعش" حالياً، فتؤكد التقارير أنها  تشمل طرق الإمداد العسكرية، محطات الوقود، والقرى النائية التي تفتقر للحماية. 

بهذه الهجمات يسعى التنظيم إلى إضعاف سيطرة القوى المسيطرة وإشاعة مناخ من الفوضى والتشكيك بفعالية الإجراءات الأمنية الرسمية.

كما يركّز التنظيم على البعد الإعلامي من عملياته، حيث ينشر بيانات مصوّرة للهجمات لتعزيز معنويات أنصاره، وإثبات وجوده على الساحة. هذا البعد الإعلامي يلعب دورًا نفسيًا يوازي أهمية العمل العسكري، ويُستخدم لتجنيد المزيد من الأنصار.

العوامل المساعدة على تصاعد نشاط "داعش"

إلى ذلك، أدى تراجع التنسيق بين القوى المسيطرة في سوريا، خصوصًا بين الروس والأمريكيين، إلى فراغ أمني واسع النطاق. وباتت خلايا "داعش" تستغل هذا التراجع، خاصةً في المناطق المتداخلة السيطرة، لتوجيه ضربات خاطفة دون تعرضها لملاحقة جدّية.

تُظهر التقارير أن "داعش" يجنّد عناصر جديدة بين نازحين وسجناء سابقين

كما تسهل البيئة الجغرافية في البادية السورية على التنظيم التمركز والاختفاء، ما يعقّد عمليات الرصد والملاحقة. ويمنح التوزيع السكاني المحدود حرية حركة أكبر، ويقلّل من فرص اكتشاف تحركاته من قبل السكان أو القوات المحلية.

من جهة أخرى، تلعب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة دورًا كبيرًا في تغذية مناخ اليأس والتوتر، وهو ما يعزّز من قدرة التنظيم على الاستقطاب والتجنيد، خاصةً في صفوف الفئات المهمّشة والشباب العاطلين عن العمل أو الفارّين من التجنيد.

كذلك، يُسجَّل تراخٍ في إدارة ملف المعتقلين من عناصر التنظيم داخل سجون شمال شرق سوريا، ما يثير مخاوف من عمليات هروب جماعية. هذه السجون تُعدّ قنبلة موقوتة، في حال انفجارها، قد تعيد "داعش" إلى الواجهة بقوة غير مسبوقة.

تداعيات محتملة وخيارات المواجهة

عودة نشاط "داعش" في سوريا قد تُحدث ارتدادات أمنية على كامل المنطقة، خصوصًا العراق والأردن ولبنان. كما أن التنظيم قد يستغل أي تدهور سياسي في الداخل السوري لربط خلاياه في سوريا بشبكاته العابرة للحدود في أفريقيا وآسيا.

سيتأثر المدنيون بشكل مباشر من عودة "داعش"، سواء من خلال الهجمات أو من خلال التضييق على الحريات في المناطق التي ينشط فيها. كما أن تزايد العمليات الإرهابية سيقوّض جهود الإعمار ويعرقل أي تقدم سياسي نحو حل دائم للصراع.

عودة نشاط "داعش" في سوريا قد تُحدث ارتدادات أمنية على كامل المنطقة خصوصًا العراق والأردن ولبنان

الخيار العسكري وحده لم يعد كافيًا، بل يجب تبنّي مقاربة شاملة تشمل التنمية، إعادة الإعمار، ومحاربة الفكر المتطرف. تحتاج القوى المحلية والدولية إلى تنسيق أمني دقيق وتبادل للمعلومات، إضافة إلى استثمار جدي في ملفات التعليم والعمل والخدمات.

كما يجب التعامل بجدّية مع ملف السجون والمخيمات، خصوصًا "مخيم الهول"، الذي يُعد حاضنة أيديولوجية خطيرة. ترك هذا الملف دون معالجة حقيقية يُعدّ ثغرة استراتيجية كبرى قد يستغلها "داعش" في مرحلة قادمة لإعادة بناء مشروعه الإرهابي.

وتجمع معطيات استخبارية على أن تطور نشاط داعش، مؤخرا، رغم الضربات التي تلقّاها يكشف عن خطرا حقيقيا يتهدد الأمن في سوريا والمنطقة. وأن التنظيم يتكيّف مع التحولات الميدانية ويستغل الثغرات الأمنية والاجتماعية ليعيد نفسه إلى المشهد، وإن بشكل غير تقليدي هذه المرة.

ويشكل غياب التنسيق الدولي، وتراخي التعامل مع الملفات الحساسة كالسجون والمخيمات، بيئة خصبة لنمو التطرف مجدداً. فيما تتصاعد التحذيرات من أنه وإن لم يتم تدارك الأمر بخطة شاملة تتجاوز المقاربة الأمنية التقليدية، فإن سوريا قد تعود لتكون نقطة انطلاق لموجة إرهاب جديدة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية