مبادرة فرنسية جديدة لمكافحة الإخوان وتفكيك شبكاتهم الاجتماعية

مبادرة فرنسية جديدة لمكافحة الإخوان وتفكيك شبكاتهم الاجتماعية

مبادرة فرنسية جديدة لمكافحة الإخوان وتفكيك شبكاتهم الاجتماعية


29/05/2025

في خطوة جديدة تعكس تصاعد الجدل حول قضية الإسلام السياسي في فرنسا، كشف وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، خلال زيارته إلى مدينة "نانتير" غرب العاصمة باريس، عن ملامح مبادرة طموحة تهدف إلى مكافحة ما أطلق عليه "النظم الإيكولوجية الإسلامية". تأتي هذه المبادرة في سياق استراتيجية أوسع يتبناها الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته لمواجهة "الانفصال المجتمعي"، وتعزيز قيم الجمهورية الفرنسية في مواجهة التيارات التي تُعتبر تهديدًا لتماسك المجتمع.

نقاش الهوية في قلب الاستراتيجية الفرنسية

تشهد فرنسا منذ عقود نقاشًا محتدمًا حول الهوية الوطنية والاندماج، خاصّة مع تنامي التيارات الإسلامية المتشددة التي يرى البعض أنّها تتحدى العلمانية، وهي الركيزة الأساسية للجمهورية الفرنسية. هذا النقاش ليس جديدًا، بل يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي مع قضية الحجاب في المدارس، لكنّه تصاعد بشكل ملحوظ في أعقاب هجمات إرهابية شهدتها البلاد، مثل هجوم شارلي إيبدو عام 2015 وهجمات باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه. هذه الأحداث عززت من خطاب سياسي يربط بين التطرف الديني وبعض التيارات الإسلامية التي تُتهم بالسعي إلى إنشاء مجتمعات موازية داخل فرنسا.

في هذا السياق، برزت جهود الرئيس إيمانويل ماكرون الذي جعل من مواجهة "الانفصالية" أولوية سياسية منذ توليه الرئاسة عام 2017. وهو ما تجلى في خطابه الشهير في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، الذي تحدث فيه عن "الأزمة الإسلامية"، حين وضع الأسس لاستراتيجية وطنية تهدف إلى إعادة تأكيد قيم الجمهورية. 

الرئيس الفرنسي: إيمانويل ماكرون

هذا الخطاب، الذي تلاه إقرار قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية" عام 2021، جاء كردّ فعل على ما يراه المسؤولون الفرنسيون محاولات لفرض إيديولوجيات تتعارض مع العلمانية، مثل تلك التي تُنسب إلى جماعات مثل الإخوان المسلمين.

وتأتي مبادرة ريتايو كامتداد لهذا السياق السياسي، حيث يسعى وزير الداخلية إلى ترجمة الخطاب السياسي إلى إجراءات عملية. اختيار "نانتير"، وهي منطقة تُعرف بتنوعها الثقافي والاجتماعي، للإعلان عن المبادرة يحمل دلالات رمزية، فهذه المدينة التي تضم جاليات مهاجرة كبيرة غالبًا ما تُعتبر رمزًا لتحديات الاندماج. 

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027، يرى محللون أنّ هذه الخطوة قد تكون موجهة لاستقطاب الناخبين المحافظين، الذين يدعمون سياسات صلبة تجاه الهجرة والإسلام السياسي، خاصة في ظل صعود اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان.

ملامح المبادرة: تنظيم جديد لمواجهة "الإسلاموية"

وفقًا لتصريحات ريتايو، التي نقلتها وسائل إعلام فرنسية وعربية، ترتكز المبادرة على تنظيم جديد يهدف إلى تفكيك "النظم الإيكولوجية الإسلامية"، وهو مصطلح يُستخدم لوصف شبكات الأفراد والجمعيات والمؤسسات التي تُروج، وفق السلطات، لإيديولوجيات تتعارض مع قيم الجمهورية. وتشمل هذه الشبكات، بحسب الوزير، جماعات مثل الإخوان المسلمين، التي يُنظر إليها كمصدر رئيسي لما يُسمّى "الإسلام السياسي". 

تقرير لشبكة (فرانس 24) أشار إلى أنّ ماكرون ترأس مؤخرًا اجتماعًا لبحث ملف الإخوان المسلمين، ممّا يعكس الأولوية التي توليها الحكومة لهذا الملف، ولكنّه أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه السياسات تستهدف التطرف فعلًا أم أنّها تسعى لتحقيق مكاسب سياسية.

وتتضمن الخطة، حسبما أوردت صحيفة (لوفيغارو)، حملة واسعة لتعطيل أنشطة هذه الجماعات من خلال تنسيق مركزي ومحلي، يُشبه الاستراتيجيات المستخدمة في مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات.

من بين الإجراءات المقترحة تعزيز المراقبة على الجمعيات الثقافية والدينية، وتشديد الرقابة على مصادر تمويلها، خاصة تلك القادمة من الخارج، والتي تُتهم أحيانًا بدعم أنشطة متطرفة. كما تشمل الخطة إجراءات إدارية مثل إغلاق المؤسسات التي تُعتبر منصات لنشر الأفكار المتطرفة، وتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية لمراقبة الأنشطة المشتبه بها. 

ريتايو أشار أيضًا إلى أنّ رفع السرّية عن تقرير حول الإخوان المسلمين والإسلام السياسي يُعدّ خطوة أوّلية، لكنّه شدد على ضرورة نهج أكثر صرامة يشمل تشريعات جديدة وتنسيقًا أمنيًا مكثفًا.

وزير الداخلية الفرنسي: برونو ريتايو

ردود الفعل: استقطاب سياسي واجتماعي

أثارت المبادرة ردود فعل متباينة، ففي الأوساط المحافظة لقي الإعلان ترحيبًا واسعًا، حيث يرى المؤيدون أنّها خطوة ضرورية للحفاظ على العلمانية ومواجهة التيارات التي تهدد الهوية الفرنسية. 

من جهة أخرى فإنّ أحزابًا، ومنها "الجمهوريون"، وحتى بعض أجنحة الحزب الاشتراكي، أبدت تأييدًا مشروطًا، معتبرة أنّ الإجراءات قد تسهم في استعادة "السيادة الثقافية" لفرنسا.

لكن على الجانب الآخر، واجهت المبادرة انتقادات لاذعة من منظمات حقوقية وسياسيين يساريين. وخاصة شخصيات مثل سيغولين روايال، وزيرة البيئة السابقة، التي حذّرت من "نتائج خطيرة"، متهمة ريتايو بتأجيج التوترات الاجتماعية وتعميم الاتهامات ضد المسلمين. 

منظمات أخرى مثل "الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان" اعتبرت أنّ استخدام مصطلحات غامضة مثل: "النظم الإيكولوجية الإسلامية"، قد يُفضي إلى استهداف تعسفي للجاليات المسلمة التي تُشكّل حوالي 10% من السكان.

تحديات التنفيذ: بين الأمن والهوية

تواجه المبادرة تحديات جمّة، أبرزها تحقيق التوازن بين الأمن القومي وحماية الحريات الفردية، فبينما تُبرر الحكومة إجراءاتها بضرورة حماية الجمهورية، فإنّه ينبغي التنسيق بين السلطات المركزية والمحلية، وهو ما يتطلب موارد وتنسيقًا دقيقًا.

اختيار "نانتير" كموقع للإعلان يعكس استراتيجية رمزية تهدف إلى إيصال رسالة قوية إلى الإخوان وأنصارهم، ومع إعلان هذه المبادرة، تتجه الأنظار نحو كيفية تنفيذها ومدى فعاليتها. هل ستتمكن الحكومة من تفكيك الشبكات التي تستهدفها دون المساس بالحريات الدينية؟ وهل ستُسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي أم ستؤدي إلى مزيد من الانقسام؟

تُعدّ مبادرة ريتايو محطة جديدة في مسار طويل من النقاش حول الهوية والاندماج. وبينما تُظهر الحكومة عزمها على مواجهة ما تراه تهديدًا وجوديًا، فإنّ نجاح هذه السياسات يعتمد على قدرتها على تجنب التعميمات والتمييز، وضمان أن تظل قيم الجمهورية ـ الحرية والمساواة والأخوة ـ المرجع الأساسي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية