وسط تطورات متلاحقة وتوتر محتدم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول جزيرة تايوان، اتهمت تايبيه بكين بالتخطيط لغزوها وتغيير الوضع الجيوسياسي القائم في منطقة المحيطين الهندي والأطلسي، ممّا عزز التكهنات باحتمالات خروج التوتر في تلك البقعة الجغرافية عن السيطرة في اتجاه حرب عالمية ثالثة.
ونقلت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية عن وزير الخارجية التايواني "جوزيف وو" زعمه أنّ بكين تستخدم المناورات الجوية والبحرية حول الجزيرة للإعداد لغزوها، وتغيير الوضع القائم في منطقة المحيطين الهندي والأطلسي.
اتهمت تايبيه بكين بالتخطيط لغزوها، ممّا عزز التكهنات باحتمالات خروج التوتر عن السيطرة في اتجاه حرب عالمية ثالثة
وقال وو، في مؤتمر صحفي اليوم: إنّ "نيّة الصين الحقيقية هي تغيير الوضع القائم في مضيق تايوان والمنطقة بأكملها"، مشيراً إلى أنّ بكين "تجري تدريبات عسكرية واسعة النطاق وإطلاق صواريخ، بالإضافة إلى هجمات إلكترونية وحملة تضليل وضغط اقتصادي من أجل إضعاف الروح المعنوية في تايوان".
والأسبوع الماضي أجرت الصين أكبر مناوراتها العسكرية على الإطلاق حول تايوان، في ردٍّ غاضب على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، لكنّها ما تزال دولياً تحت السيادة الصينية.
مواجهة مسلحة
في ضوء التطورات الأخيرة لملف تايوان، والتوتر الناجم عن زيارة بيلوسي للجزيرة، أشارت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إلى مرحلة جيوسياسية "خطيرة" في مضيق فورموزا تعيد إلى الذاكرة مرحلة أوروبا البلقانية بداية صيف 1914، متسائلة: هل تتقدم الصين والولايات المتحدة وتايوان الآن، مثل السائرين نياماً، نحو المواجهة المسلحة، كما حدث مع النمسا والمجر ضد صربيا (حليف روسيا) بعد هجوم سراييفو؟".
لوفيغارو: ثمّة حسابات شخصية فيما حدث، و"إدارة سياسة خارجية انطلاقاً من اعتبارات سياسية داخلية أمر بالغ الخطورة"
الصحيفة شددت على أنّ طرح مثل هذه الأسئلة أصبح وارداً الآن، في ظل "المواقف الخطرة غير المبررة التي اختارها الأمريكيون أوّلاً، ثم الصينيون لاحقاً".
وألمحت إلى أنّ ثمّة حسابات شخصية فيما حدث، محذّرة من أنّ التاريخ أثبت أنّ "إدارة سياسة خارجية انطلاقاً من اعتبارات سياسية داخلية أمر بالغ الخطورة".
وأبدت الصحيفة الفرنسية استغرابها من إصرار بيلوسي على زيارة تايوان في 3 آب (أغسطس) 2022، وهي تعلم أنّ هذا سيثير حفيظة الحكومة الصينية، متسائلة: "ألم يكن كافياً لمعنويات الديمقراطية التايوانية الشجاعة أن أكد جو بايدن بمؤتمر صحفي في طوكيو يوم 23 أيار (مايو) 2022 أنّ أمريكا ستتدخل عسكرياً إذا تعرضت الجزيرة لهجوم من قبل قوات الصين الشيوعية؟ وهو ما أثار حفيظة بكين قبل أن توضح واشنطن أنّ سياستها تجاه تايوان لم تتغير، إذاً، ما المزايا الدبلوماسية التي تقدّمها سياسة الخرقة الحمراء تحت أنف الثور؟".
ونظراً لأنّ الانتخابات الأمريكية تتزامن مع اجتماع الحزب الشيوعي الصيني الذي يسعى شي جين بينغ إلى أن يحصل من خلاله على فترة رئاسة ثالثة، اتهمت لوفيغارو بيلوسي والرئيس الصيني بالتحرك وفق دوافع سياسية بحتة.
وأمس أعلن الجيش الصيني مواصلة المناورات العسكرية بحراً وجواً حول تايوان، في تحدٍّ لدعوات الغرب لخفض التصعيد في المنطقة، قبل أن تعلن تايوان بدورها إجراء تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية، لمحاكاة الدفاع عن الجزيرة في حال تعرّضها لغزو صيني.
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن المتحدث باسم الفيلق الثامن التايواني "لو ووي جي" قوله: "سنتدرب على التصدي لهجمات العدو على تايوان"، مشيراً إلى أنّ القوات التايوانية ستتدرب على التعامل مع عمليات الإنزال يومي الثلاثاء والخميس في منطقة بينغتونغ في أقصى الجنوب، حيث سيتم نشر مئات الجنود ونحو (40) مدفع هاوتزر لإجراء التدريبات.
وتتخذ الأزمة بين البلدين مساراً تصعيدياً في رقعة جغرافية ضيقة مزدحمة برائحة البارود والسفن والبوارج والطائرات الحربية، ووسط توتر سياسي وأجواء مشحونة وملغومة وحساسيات تاريخية، ممّا يرجح أنّ خطر انزلاق الأوضاع نحو حرب مباشرة بين الجانبين بات واقعياً جداً.