الساحل الأفريقي في مرمى الإرهاب: أرقام مفزعة وجذور عميقة

الساحل الأفريقي في مرمى الإرهاب: أرقام مفزعة وجذور عميقة

الساحل الأفريقي في مرمى الإرهاب: أرقام مفزعة وجذور عميقة


21/05/2025

تصاعد النشاط الإرهابي في أفريقيا، وخاصة بمنطقة الساحل وغرب القارة، بات يمثل تحديًا وجوديًا للدول والمجتمعات، فمع كل تقرير جديد، تزداد الصورة قتامة، وتعكس الإحصائيات عمق الأزمة، في وقت تبدو فيه الحلول المطروحة جزئية وغير كافية لمعالجة الأسباب الجذرية.

وتتكامل العوامل البنيوية، من فقر وتهميش وضعف البنى التحتية، مع العوامل السياسية والانقلابات العسكرية لتعقيد المشهد، إذ تُسهم هذه الظروف مجتمعة في تفريخ بيئة خصبة للجماعات الإرهابية، التي تتغذى على هشاشة الدولة وانعدام العدالة وتفاوت التنمية بين المكونات الاجتماعية.

أفريقيا على مؤشر الإرهاب العالمي

أظهر مؤشر الإرهاب العالمي الصادر في آذار / مارس الماضي عن معهد الاقتصاد والسلام في مدينة سيدني بأستراليا، تنامي ما النشاط الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي خلال عام 2024، حيث صنف 6 دول أفريقية ضمن قائمة البلدان العشرة الأكثر تضررا من الإرهاب خلال عام 2024، وهي بوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا والصومال والكاميرون، وسجلت المنطقة نسبة 51% من إجمالي الوفيات عالميا بسبب عمليات إرهابية.

وتعود أسباب انتشار الإرهاب إلى ما ورثته رثت بلدان منطقة الساحل من الاستعمار من أوضاع هشة على مختلف الأصعدة، مما أسهم في انتشار الفقر وضعف الفرص التنموية وولّد حالة من اليأس والحقد في أوساط بعض الشباب ضد الأنظمة القائمة، وكان من ضمن نتائج ذلك حمل بعض هؤلاء السلاح ضد الدولة.

تصاعد النشاط الإرهابي في أفريقيا، وخاصة بمنطقة الساحل وغرب القارة

كما خلق غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية بشكل خاص، واستئثار بعض المكونات الاجتماعية بالسلطة في مختلف دول الساحل حالة من الانقسام العرقي والهوياتي داخل مختلف هذه البلدان، وهو ما قاد إلى نزاعات مسلحة خلقت عدم الاستقرار وشكلت عامل تغذية للجماعات المسلحة.

كذلك أسهم ضعف التعليم في دول المنطقة وغيابه في العديد من المناطق داخل البلد الواحد، في خلق تحالف بين الفقر والبطالة والجهل، وأذكى الحقد ضد الأنظمة الحاكمة باعتبارها المسؤولة عن هذا الوضع.

ولعل أبرز مؤشر على أهمية التعليم كسلاح ضد الإرهاب، هو تركيز الجماعات المسلحة على استهداف المدارس من خلال فرض إغلاقها، أو اختطاف مدرسيها وطلابها في بعض الأحيان.

وكثيرا ما قادت مختلف العوامل السابقة بالإضافة إلى عوامل أخرى مختلفة، إلى استيلاء مؤسسة الجيش في الدول الأفريقية على السلطة، وكثيرا ما تستغل الجماعات المسلحة الانقلابات العسكرية التي تخلق فراغا في السلطة، وتجعل التركيز قائما على البعد السياسي، لتكثيف نشاطها وتوسيع نطاق انتشارها.

ينتشر في القارة الأفريقية عدد من الجماعات المسلحة تختلف خلفياتها الأيديولوجية ومناطق نفوذها -وتتحد أحيانا- كما تختلف من حيث الجذور 

الإرهاب مازال يهدد غرب أفريقيا والساحل رغم النجاحات الأمنية

من جهته، سلط الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب أفريقيا ومنطقة الساحل، الضوء على "الجهود الناجحة" لمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار، لكنه أكد وجود مخاوف بشأن استمرار ضعف التعليم ونقص فرص العمل، "بينما تواجه المنطقة تحديات الإرهاب وتغير المناخ".

جاء هذا أثناء إحاطة المسؤول الأممي ليوناردو سانتوس سيماو أمام مجلس الأمن الدولي حول تقرير الأمين العام عن أنشطة مكتب الأمم المتحدة لغرب أفريقيا ومنطقة الساحل.

وأشار شيماو - الذي كان يتحدث عبر الفيديو من العاصمة السنغالية داكار - إلى التهديدات الأمنية المستمرة في المنطقة، مشيرا إلى أن "الجهات المعنية أكدت على ضرورة استمرار الجهود الدبلوماسية والدعم المالي للحفاظ على قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات، وهي الآلية الأمنية التشغيلية الوحيدة في المنطقة حاليا".

وسلط الضوء على انسحاب النيجر مؤخرا من تلك القوة، منبها إلى أن هذه الخطوة تأتي في ظل تزايد المخاوف الأمنية.

وأشاد الممثل الخاص بجهود تحالف دول الساحل في تنسيق العمليات وتعزيز سلطة الدولة، لكنه حذر من أن "التقدم لا يزال هشا في مختلف أنحاء المنطقة، وخاصة بسبب تكثيف الهجمات الإرهابية في المناطق الحدودية الشمالية، والتي تستهدف في المقام الأول الدولتين الساحليتين بنِن وتوغو".

المسؤول الأممي: ليوناردو سانتوس سيماو

وأعطى المسؤول الأممي أمثلة على التحولات الإيجابية في المنطقة بما في ذلك إطلاق مالي عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، بهدف تسريح 3000 مقاتل سابق، مع انضمام 2000 منهم إلى القوات المسلحة.

وأضاف أنه في غضون ذلك، اجتمع أكثر من 700 قائد في النيجر للمشاركة في "التقييمات الوطنية" لتحديد أهداف عملية الانتقال في البلاد.

ونبه شيماو إلى بعض القضايا الملحة التي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام. وقال: "أشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد باستهداف المدنيين العُزّل في إطار مكافحة الإرهاب، مما يُقوّض سيادة القانون ويُعيق جهود مكافحة التطرف العنيف".

وأشار كذلك إلى التقارير التي تفيد بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك إسكات النشطاء والصحفيين والقادة السياسيين. وأوضح أيضا أنه رغم التقدم المُحرز في بسط سلطة الدولة، "لا تزال آلاف المدارس مغلقة بسبب انعدام الأمن، مما يُعيق تنمية الشباب".

أبرز الجماعات المتطرفة في إفريقيا

وينتشر في القارة الأفريقية، عدد من الجماعات المسلحة، تختلف خلفياتها الأيديولوجية، ومناطق نفوذها -وتتحد أحيانا- كما تختلف من حيث الجذور بين المحلي المنتمي إلى الأرض والسكان، والوافد من خارج القارة الأفريقية.

تُسهم هذه الظروف مجتمعة في تفريخ بيئة خصبة للجماعات الإرهابية التي تتغذى على هشاشة الدولة وانعدام العدالة وتفاوت التنمية بين المكونات الاجتماعية

ويعد تنظيم الدولة أحد أهم الجماعات المسلحة الناشطة في أفريقيا، وله الآن فرعان في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، ينشط أحدهما في مالي والنيجر وبوركينا فاسو تحت عنوان "تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"، في حين ينشط الآخر بالأخص في مالي بعد مبايعة قائد جماعة "بوكو حرام" أبوبكر شيكاو لتنظيم الدولة.

ويعود تأسيس جماعة بوكو حرام إلى عام 2002 في أقصى شمال شرق نيجيريا، ويعني اسمها بلغة الهاوسا "التعليم الغربي حرام"، وقد عرفت هذه الحركة المسلحة بنشاطها العنيف، واختطافها للتلاميذ إما بهدف الحصول على فدى مالية، أو لإبرام صفقة مع النظام الحاكم من أجل إطلاق سراح معتقليها.

وقد انقسمت الجماعة ابتداء من عام 2015 إلى فصيلين على الأقل، أحدهما بايع تنظيم الدولة، والآخر بقي متمسكا باسم ونهج "بوكو حرام".

وتنشط في الساحة حركة جماعة الإسلام والمسلمين التي تأسست في مارس/آذار2017 بانصهار نحو 4 جماعات، أنصار الدين، وكتائب ماسينا وكتيبة "المرابطون" وإمارة الصحراء الكبرى.

ولا يمكن إغفال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي تأسس عام 2007، ثم تركز نشاطه في منطقة الساحل الأفريقي وبالأخص في الشمال المالي.

يعود تأسيس جماعة بوكو حرام إلى عام 2002 في أقصى شمال شرق نيجيريا

وتعد حركة الشباب الصومالية من أبرز الجماعات الإرهابي الناشطة في المنطقة، وقد أدرجت زارة الخارجية الأمريكية خمسة من قادة حركة الشباب على لائحة الإرهابيين الدوليين المدرجين بشكل خاص بموجب الأمر التنفيذي رقم (13224) بصيغته المعدلة.

وجماعة “الشباب” موزمبيق، التي تسيطر الجماعة على مناطق عدة من المنطقة الساحلية، بما في ذلك ميناء “موكيمبوا دا برايا” والمنشآت الغازية.

مداخل المواجهة: الحاجة إلى مقاربة شاملة

هذا وتتطلب معالجة الإرهاب في أفريقيا الانتقال من ردود الفعل العسكرية المحدودة إلى مقاربة متعددة الأبعاد، إذ يجب أن تشمل أولًا الاستثمار في التعليم، كخط الدفاع الأول، لضمان وعي الأجيال القادمة ومنع تجنيدهم في صفوف الجماعات المسلحة، وفقا لتقارير متطابقة.

كما أن العدالة الاجتماعية لا تقل أهمية عن الأمن، فتمكين المجتمعات الفقيرة وتوفير فرص العمل يقطع الطريق على دعاة التطرف. وتحتاج الحكومات إلى استعادة الثقة من خلال مؤسسات شفافة، وقضاء مستقل، وإدماج كافة المكونات العرقية والدينية في مراكز القرار.

وعلى المستوى الإقليمي، تؤكد تقارير استخبارية على ضرورة إعادة إحياء التنسيق الأمني بين الدول، خاصة بعد انسحاب بعض الأطراف من التحالفات المشتركة. كما أن الدعم الدولي مطلوب، لكنه لن يجدي نفعًا دون إرادة سياسية داخلية حقيقية تضع الاستقرار الدائم أولوية فوق الحسابات الضيقة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية