كيف تتعامل واشنطن مع مروّجي السردية الحوثية؟

كيف تتعامل واشنطن مع مروّجي السردية الحوثية؟

كيف تتعامل واشنطن مع مروّجي السردية الحوثية؟


18/05/2025

جورج عيسى

كتبت المحللة البارزة في مركز واشنطن للدراسات اليمنية فاطمة أبوالأسرار أن وقف إطلاق النار المفاجئ بين الولايات المتحدة والحوثيين في السادس من مايو (أيار) منح الميليشيات فوزاً دبلوماسياً نادراً وغير مستحق.

تكشف استراتيجية الحوثيين في توجيه الرسائل عن ثلاثة أهداف استراتيجية

فعقب أشهر من مهاجمة السفن التجارية وجرّ واشنطن إلى مواجهة مباشرة، حصد الحوثيون ما يطمحون إليه أكثر من السيطرة على الأرض: الاعتراف. ولم يحققوا ذلك بمفردهم، بل ساعدتهم حملة متوازية لـ"غسل السردية"، شنّتها وسائل إعلام روسية رسمية، وأيديولوجيون مناهضون للغرب، ومؤثرون انتهازيون، لتجميل صورة الجماعة، وتسهيل تحولها من جماعة مصنفة إرهابية إلى طرف يمكن التفاوض معه.

نمط واسع

في مارس (آذار)، نشرت قناة "آر تي" الروسية مقالاً للمعلق سيرغي ستروكان بعنوان "لا تصنع حوثياً لنفسك"، اعتبر فيه أن الغارات الأمريكية في اليمن صنعت "عدواً مصطنعاً"، وصوّر الحوثيين كقوة سياسية تتفاعل مع الواقع الإقليمي، لا كميليشيا إرهابية.

هذا التوجه يعكس نمطاً متصاعداً لتطبيع الجماعة من قبل أصوات أجنبية تسوّق لروايات مناهضة للإمبريالية، متجاهلة الطابع القمعي للحوثيين ودورهم كذراع للنفوذ الإيراني.

وترسخت هذه السردية بشكل واضح حين استضاف الحوثيون مؤتمراً رفيع المستوى في صنعاء حول فلسطين، في خضم الغارات الأمريكية اليومية التي بدأت منتصف مارس(آذار).

وجمع المؤتمر وفوداً من دول مثل العراق وآيرلندا، وأضفى طابع "حركة مقاومة" على ميليشيا طائفية، مخاطباً جمهوراً دولياً يتغاضى عن طبيعتها الاستبدادية. وبرزت خلاله مشاركة شخصيات مثل النائب البريطاني السابق جورج غالاوي، والمفكر الروسي ألكسندر دوغين، وأليدا غيفارا ابنة تشي غيفارا، بهدف تعزيز شرعية رمزية.

ثلاثة أهداف استراتيجية

تكشف استراتيجية الحوثيين الإعلامية عن ثلاثة أهداف رئيسية:

  1. تبرير الهجمات على الملاحة الدولية.
  2. بناء شرعية دولية رغم غياب الاعتراف الرسمي.
  3. عزل المعارضة اليمنية محلياً من خلال الإيحاء بتقبّل المجتمع الدولي لحكمهم.

وخلافاً لتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، يتقن الحوثيون مخاطبة الجمهور الغربي بصورة معتدلة، ويبرعون في الانتهازية السياسية التي تتيح لهم نسج علاقات مع أطراف متباينة. وقد استثمر بعض الدبلوماسيين الغربيين في تحسين صورتهم، بل قدموا لهم الهدايا وكتبوا مقالات رأي تروج لهم.

شرعنة غير مقصودة

وترى أبوالأسرار أن الحوثيين استفادوا مراراً من استغلال الروايات الدولية، وكان مؤتمر صنعاء محاولة لملء الفراغ الذي خلّفته انسحابات وكالات أممية من مناطقهم نتيجة التصرفات العدوانية للجماعة.

وتسببت لقاءات سابقة بين الحوثيين ووكالات أممية في منحهم شرعية غير مقصودة، سواء عبر مبادرات دبلوماسية فاشلة، أو صور التُقطت أثناء اعتداءاتهم وسرقتهم للمساعدات الغذائية.

وعلى الرغم من التضامن الواسع مع القضية الفلسطينية، إلا أن الحوثيين لا يتمتعون بالمصداقية اللازمة لتبني هذا الدور، في ظل سجلهم الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان. فقد اعتقلوا وعذبوا صحافيين وأقليات دينية، واحتجزوا موظفين أمميين، ما دفع الأمم المتحدة إلى تعليق عملياتها في مناطقهم منذ فبراير(شباط).

الخيارات أمام واشنطن

ترى الكاتبة أن تركيز الإدارة الأمريكية على كبح القدرات البحرية للحوثيين في البحر الأحمر لا يعالج التحدي الاستراتيجي الأشمل، والمتمثل في البيئة التي تتيح لهم توسيع نفوذهم. فترك الأمر دون معالجة يعزز احتمالات تحوّلهم إلى ذراع دائم لإيران في المنطقة.

وتحذر أبوالأسرار من خطر التلقين الأيديولوجي الذي تمارسه الجماعة في المناطق التي تسيطر عليها، بهدف خلق جيل ملتزم أيديولوجياً من خلال توظيف قضايا مثل فلسطين.

وتدعو إلى توسيع جهود واشنطن لمكافحة الدعاية الحوثية، عبر كشف الشبكات التي تروّج لرواياتهم، وتسليط الضوء على التناقض بين خطابهم الإعلامي وسلوكهم القمعي، وفرض عقوبات على الأفراد الذين يسهلون تواصلهم الدولي، وليس فقط على قياداتهم العسكرية. كما تؤكد أهمية دعم الأصوات اليمنية المستقلة القادرة على تقديم بدائل حقيقية لرواية الحوثيين.

موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية