بعد الأردن... هل يهدد تنظيم "الإخوان المسلمين" أمن لبنان واستقراره؟

بعد الأردن... هل يهدد تنظيم "الإخوان المسلمين" أمن لبنان واستقراره؟

بعد الأردن... هل يهدد تنظيم "الإخوان المسلمين" أمن لبنان واستقراره؟


26/04/2025

طوني بولس

في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها الدول العربية، يبرز تنظيم "الإخوان المسلمين" كمصدر تهديد عابر للحدود، يسعى إلى زعزعة استقرار الأنظمة الوطنية من خلال شبكة تنظيمية متشعبة وأذرع عسكرية وأيديولوجية متجذرة في مجتمعات متعددة. الأحداث الأخيرة في الأردن ولبنان تكشف عن مدى تغلغل هذا التنظيم وتنسيقه مع قوى إقليمية، إذ أعلنت السلطات الأردنية إحباط مخطط إرهابي خطر، وإذ جرى اعتقال 16 شخصاً مرتبطين بجماعة "الإخوان المسلمين".

التحقيقات كشفت عن أن هؤلاء الأفراد تلقوا تدريبات في لبنان، وكانوا يخططون لشن هجمات باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة على أهداف داخل الأردن. هذا المخطط، الذي كان تحت مراقبة الأجهزة الأمنية منذ عام 2021، يظهر تحولاً نوعياً في تكتيكات الجماعة، مما دفع السلطات الأردنية إلى اتخاذ إجراءات صارمة، بما في ذلك حظر التنظيم ومصادرة كل ممتلكاته.

في هذا السياق تكشف مصادر أمنية مطلعة أن أفراد الخلية الأردنية خضعوا لتدريبات عسكرية في لبنان تحت إشراف مباشر من القيادي البارز في حركة "حماس"، صالح العاروري، الذي تولى تأمين دخولهم وخروجهم من الأراضي اللبنانية. وتشير المعلومات إلى أن عناصر الخلية لم يقتصر نشاطهم على المعسكرات، بل قاموا أيضاً بجولات ميدانية داخل عدد من المخيمات الفلسطينية، ما يعزز الفرضية حول وجود شبكة دعم لوجستي وتنظيمي متكاملة، تتقاطع فيها المصالح بين "حماس" وجهات إقليمية أخرى تسعى لاستخدام الأراضي اللبنانية كمنصة خلفية لعمليات خارجية.

والعاروري اغتالته إسرائيل في بداية شهر يناير (كانون الثاني) عام 2024 بضربة على الضاحية الجنوبية لبيروت.

لبنان ساحة خصبة

لبنان بدوره، الذي يعاني هشاشة أمنية واقتصادية، أصبح ساحة خصبة لنشاطات تنظيم "الإخوان المسلمين". "الجماعة الإسلامية"، الفرع اللبناني للتنظيم، تمتلك جناحاً عسكرياً يعرف بـ"قوات الفجر"، التي شاركت في هجمات صاروخية ضد إسرائيل بالتنسيق مع "حزب الله" خلال الحرب الأخيرة، هذا التعاون بين جماعات سنية وشيعية يظهر تقاطع المصالح بين مشروع "الإخوان" والمشروع الإيراني في المنطقة.

كما كشفت التحقيقات الأمنية في لبنان عن تورط مجموعات فلسطينية، بينها عناصر من حركة "حماس"، في إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل. وأعلن الجيش اللبناني توقيف لبنانيين وفلسطينيين على خلفية هذه العمليات، مما يسلط الضوء على استخدام الجنوب كنقطة انطلاق لعمليات تدار بعيداً من مؤسسات الدولة.

التقارب بين تنظيم "الإخوان المسلمين" وحركات مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، إضافة إلى التنسيق مع "حزب الله"، يظهر وجود تحالفات إقليمية تهدف إلى زعزعة استقرار الدول العربية. هذه التحالفات تستغل الأوضاع الهشة في دول مثل لبنان لتنفيذ أجنداتها، مما يضع الأمن القومي العربي أمام تحديات جسيمة.

ومنذ قيام "الجماعة الإسلامية"، الفرع اللبناني لتنظيم "الإخوان المسلمين"، بقصف المستوطنات الإسرائيلية شمال فلسطين عبر ذراعها العسكرية "قوات الفجر"، دأب أمينها العام وسائر قياداتها ومسؤوليها لطمأنة الجميع عبر التأكيد أن سلاح الجماعة "موجه حصراً ضد العدو الإسرائيلي".

تحرك أمني

يرى مسؤولون ومتابعون لبنانيون أنه بات من الضروري أن تتخذ الدولة اللبنانية إجراءات حاسمة للحد من نشاطات تنظيم "الإخوان المسلمين" وفروعه، معتبرين أن التجربة الأردنية أكدت أن التعامل الصارم مع هذه الجماعات يمكن أن يحبط مخططاتها ويحافظ على استقرار الدولة. ولبنان اليوم بحاجة إلى تعزيز أجهزته الأمنية وتفعيل الرقابة على الأنشطة المشبوهة، إضافة إلى التعاون مع الدول العربية لمواجهة هذا التهديد المشترك. فيما ترى مصادر أمنية رسمية أن استمرار تغلغل تنظيم "الإخوان المسلمين" في لبنان يهدد، ليس فقط الأمن الداخلي، بل يعرض البلاد لخطر الانزلاق في صراعات إقليمية لا طائل لها، لذلك فإن التحرك السريع والحاسم أصبح ضرورة وطنية لحماية لبنان من مخططات هذا التنظيم وأذرعه الإقليمية.

وفي سياق مواز، تشير تقارير أمنية لبنانية إلى أن "الجماعة الإسلامية"، الذراع المحلية لتنظيم "الإخوان المسلمين"، تسعى بصورة ممنهجة إلى استغلال المناطق المهمشة والفقيرة في الشمال اللبناني، لا سيما في طرابلس وعكار، لبناء قواعد اجتماعية جديدة تكون حاضنة لتوسعها التنظيمي والعسكري. فالمعاناة الاقتصادية الحادة، والبطالة المنتشرة، والانهيار في الخدمات الأساسية، تشكل بيئة خصبة لاختراقات الأيديولوجيات المتطرفة، إذ يقدم الدعم المالي والخدماتي في مقابل الولاء التنظيمي.

وتوسع الجماعة لا يقتصر على المجتمع اللبناني فقط، بل يمتد إلى داخل المخيمات الفلسطينية، إذ تستخدم شعارات مرتبطة بـ"القضية الفلسطينية" لتبرير نشاطاتها وتنظيم عمليات تجنيد ممنهجة تستهدف الشباب الفلسطيني والسوري على حد سواء. وتعمل الجماعة على تعزيز جناحها العسكري من خلال هؤلاء، بما يمكنها من التوزع في مختلف المناطق اللبنانية، بما فيها البقاع والشوف والضاحية الجنوبية، تحت ستار العمل الدعوي أو الإغاثي.

وفيما تؤكد الجهات الأمنية أنها تتابع عن كثب هذه التحركات، وتقوم برصد دقيق للأنشطة اللوجستية والاجتماعات المغلقة والتمويلات المشبوهة، بهدف استقصاء المعلومات وتفكيك أية بنية تحتية تنظيمية قد تتحول إلى "قوة خارجة عن سيطرة الدولة"، يبقى أن خطر الجماعة لا يكمن فقط في خطابها الأيديولوجي أو ولاءاتها العابرة للحدود، بل في قدرتها على التسلل إلى عمق المجتمع اللبناني واللعب على التناقضات الطائفية والاجتماعية، لتفرض نفسها كقوة موازية تهدد مشروع بناء الدولة المركزية وسيادة القانون.

الحرب مع إسرائيل

بعد أسابيع قليلة على اندلاع الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، دخلت "الجماعة الإسلامية" على خط المواجهة مع إسرائيل من جنوب لبنان ما شكل نقطة تحول في مسارها، لا سيما أنها لم تنخرط بصورة فاعلة في هذا العمل من قبل، لكنها استغلت الحالة الشعبية عقب عملية "طوفان الاقصى"، مما أعطى الجماعات الإسلامية التي تدور في فلك "الإخوان المسلمين" "نفساً جهادياً كبيراً، ومعها رفعت في كل أنحاء وشوارع بيروت وطرابلس (شمال) وصيدا (جنوب) والإقليم (جبل لبنان) والبقاع (شرق) ومناطق شبعا والعرقوب (جنوب) صور للمتحدث باسم حركة حماس أبو عبيدة".

في الوقت نفسه يشكل الفقر حاضنة مثالية لانتشار هذه الجماعة، إذ تعزز حضورها في مناطق ترتفع فيها نسبة الفقر، وتشير أرقام البنك الدولي إلى أن الفقر تجاوز 62 في المئة في عكار (شمال)، و52 في المئة في شمال لبنان، والبطالة في صفوف الشباب تخطت 29 في المئة، هذه الأرقام تترجم إلى بيئة خصبة لتبادل "الولاء مقابل الخدمات"، وهو ما تفعله الجماعة في طرابلس وعكار، إذ تدير مساجد ومراكز صحية وتوزع مساعدات نقدية مدعومة خارجياً.

أما داخل المخيمات الفلسطينية، فتستثمر الجماعة في الرمزية العالية لـ"القضية الفلسطينية" فتنشئ شبكات تجنيد لشباب فلسطينيين وسوريين، وتدرجهم في "دورات شرعية" تليها تدريبات عسكرية، ثم توزعهم على مناطق البقاع والضاحية الجنوبية والعرقوب بواجهة إنسانية.

اختراق البرلمان

إضافة إلى التهديدات الأمنية المباشرة التي يمثلها تنظيم "الإخوان المسلمين" في لبنان عبر أذرعه العسكرية والتنظيمية، تتخذ "الجماعة الإسلامية"، الفرع اللبناني للتنظيم، مساراً موازياً عبر التغلغل في الحياة السياسية والبرلمانية. فوفق معلومات مؤكدة، تعمل الجماعة حالياً على تكثيف تحركاتها بهدف تعزيز حضورها النيابي في الانتخابات المقبلة المرتقبة منتصف عام 2026، سواء عبر مرشحين مباشرين أم بتحالفات سياسية موضعية في عدد من الدوائر.

الغاية من هذه الاستراتيجية تتعدى مجرد التمثيل السياسي، فالجماعة تعتبر أن وجودها داخل المجلس النيابي يشكل درعاً مؤسسياً يحميها من أية محاولة رسمية لإضعافها أو حظرها أو تقييد نشاطها. هذا الحضور البرلماني يوفر لها غطاء شرعياً لتوسيع نفوذها على الأرض، ويمنحها قدرة على التأثير في التشريعات والقرارات ذات الصلة بالأمن والدفاع، مما يسهل تحركها التنظيمي، ويمنحها شرعية في التواصل مع تنظيمات إسلامية متطرفة أخرى داخل لبنان وخارجه.

وبذلك يصبح البرلمان اللبناني أداة، وفق رؤية الجماعة، لتعزيز مشروعها الإقليمي المتكامل، من العمل الخيري الممول خارجياً، إلى الحضور السياسي الذي يغطي العمل الأمني، وصولاً إلى التنسيق الميداني مع أطراف مسلحة إقليمية مثل "حماس" و"حزب الله". كل هذا يجعل من تحرك الجماعة ليس فقط تحدياً أمنياً، بل تحدياً بنيوياً لكيان الدولة اللبنانية، ويستدعي من الأجهزة المعنية مراقبة دقيقة ومتقدمة للتمدد الانتخابي والتنظيمي للجماعة قبل أن يتحول إلى أمر واقع يصعب احتواؤه.

إندبندنت عربية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية