
تصر قطر على الفصل بين المسارات الاقتصادية والسياسية والإعلامية في علاقتها بمصر؛ فبعد ساعات قليلة من الإعلان عن تقديم استثمارات للقاهرة بقيمة 7.5 مليار دولار خلال زيارة قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الدوحة، اجتزأت قناة الجزيرة تصريحا لمسؤول مجهول في حركة حماس، عبر فيه عن رفض مناقشة مقترح مصري بشأن نزع سلاح حماس.
وظلت قناة الجزيرة وضيوفها يرددون هذه العبارة دون إشارة إلى أن أصل المقترح إسرائيلي وليس مصريا، ونقله الوسطاء (مصر وقطر) إلى حماس ضمن بنود أخرى، وأن الحركة تقوم بدراسته إجمالا، ما أوحى بأن القاهرة تضغط، نيابة عن إسرائيل، على الحركة لنزع سلاحها، وأن الدوحة بريئة من هذه المسألة.
وأدى ما ركزت عليه قناة الجزيرة إلى تقزيم الصورة الإيجابية التي أسهمت زيارة السيسي إلى الدوحة في تحسينها بين البلدين، وفهم منه أن قطر لم تغير أساليبها الإعلامية مع مصر، ولا تتوقف عن تشويه دورها في ملف الوساطة بين إسرائيل وحماس، وأن مساهماتها لدعم الاقتصاد المصري واجهة لتمرير أهداف خفية، كأنها تقول إن التمويلات المقدمة للقاهرة يجب أن يقابلها صمت على ما تقوم به الدوحة.
وما كشفته التطورات اللاحقة لم يكن في صالح رؤية قطر وما روجته قناة الجزيرة، وعبّرت تصريحات لقادة في حماس عن أن مصر لم تقدم مبادرة فردية تطالب بنزع السلاح، والخطة التي دار حولها نقاش مع وفد حماس في القاهرة ليست سوى عرض من إسرائيل.
وأفادت تقارير إعلامية بأن حركة حماس تسلمت مقترحا إسرائيليا ينص على وقف مؤقت لإطلاق النار في قطاع غزة، وبدء مفاوضات تقود إلى جعله دائما.
وقالت حماس إنها تدرس مقترحا تسلمته من الوسطاء (مصر وقطر)، ويتعلق بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة (وقضايا أخرى)، وستقدم ردها عليه في أقرب وقت، فور الانتهاء من المشاورات اللازمة بشأنه.
وتوقع قيادي في حماس أن تسلم الحركة للوسطاء في مصر وقطر ردها خلال الثماني والأربعين ساعة المقبلة (الأربعاء) على المقترح الجديد حول وقف إطلاق النار، وأن هناك مشاورات مع فصائل المقاومة لبلورة موقف موحد.
وأكد عضو المكتب السياسي في حماس سهيل الهندي أن العودة إلى الاتفاق الموقع في يناير الماضي واستكمال تنفيذ البروتوكول الإنساني هما المدخل الحقيقي لاستعادة الأسرى الإسرائيليين في غزة، وليس التصعيد العسكري، لافتا إلى أن سلاح المقاومة “غير قابل للنقاش، ومتمسكون بحق شعبنا المشروع في مقاومة الاحتلال بالأشكال كافة حتى التحرير والعودة.”
وما يجهض رواية أو رسالة قناة الجزيرة السلبية أن التوجه المصري العام يربط بين نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وبين إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لغزة ووجود مسار إيجابي لحل القضية الفلسطينية، وهو ما عكسته القمة العربية الطارئة بالقاهرة في مارس الماضي، والخطة التي قدمتها مصر لإعادة إعمار القطاع، عندما تطرقت إلى عدم وجود دور لحماس في إدارة غزة، من دون إشارة مباشرة إلى نزع سلاح الحركة.
وقالت مصادر عربية في القاهرة إنه ليس من مصلحة مصر نزع سلاح حماس مجانا، ويجب أن تدفع إسرائيل ثمنا أمنيا وسياسيا مناسبا. ورغم أن ورقة السلاح تراجعت أهميتها المادية بعد أن فقدت المقاومة جزءا كبيرا من قدراتها العسكرية في الحرب، ظلت قيمتها المعنوية موجودة على طاولة المفاوضات، وتصر عليها إسرائيل في الجولات الأخيرة، مدعومة من الولايات المتحدة وقوى إقليمية ودولية عديدة.
وأضافت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن مصر تعلم خطورة الضغوط الواقعة على حماس بسبب نزع سلاحها، وألا مفر من هذه الخطوة، لكنها لا تريد التخلي عنها والحرب مستمرة فتبدو مكافأة لإسرائيل، ولا يوجد ما يشير إلى ثمن سيدفع لهذه الخطوة، “ومن غير المستبعد أن تكون القاهرة نقلت، مع قطر، إلى حماس عرض إسرائيل، وهي أيضا (مصر) نصحت حماس برفض بند نزع السلاح في هذه المرحلة.”
المقترح يشير إلى استئناف إسرائيل إدخال المساعدات، وفي اليوم الثالث تبدأ مفاوضات اليوم التالي لإدارة غزة، ونزع السلاح وإعلان وقف إطلاق نار دائم
وما يعزز ما قالته المصادر، وسوء نوايا قناة الجزيرة بشأن تحميل مصر وحدها فكرة نزع السلاح، عدم وجود مصدر معلوم من حماس يسند إليه هذا التصريح، وتناقضه مع مواقف مصر التي تتعامل مع قطاع غزة على أنه جزء من أمنها القومي، ولا يجب أن يكون أداة تتلاعب بها إسرائيل أو حماس، ومن المهم وقف الحرب وما نجم عنها من مأساة إنسانية، وما يخطط له من سيناريوهات لتهجير سكانه إلى مصر.
وقال رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان في تصريحات إعلامية إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدرك أن الجانب الإسرائيلي يرفع سقف مطالبه في المفاوضات مع حماس إلى حد يبدو “غير معقول”، مشيرا إلى أن المفاوضات ستشهد “تحولا إيجابيا” بسبب الجهود الكبيرة التي تبذلها مصر وقطر.
وتضمّن المقترح الإسرائيلي -تسلمته حماس في القاهرة عبر الوسطاء- أيضا إطلاق سراح نصف الرهائن الإسرائيليين الأحياء، من بينهم الرهينة الذي يحمل الجنسية الأميركية ألكسندر عيدان، كبادرة حسن نية في اليوم الأول.
وفي اليوم الثاني تطلق حماس سراح 5 رهائن أحياء وتفرج إسرائيل في المقابل عن 66 معتقلا فلسطينيا محكوما عليه بالمؤبد و611 معتقلا ممن تم اعتقالهم بعد 7 أكتوبر 2023.
ويشير المقترح إلى استئناف إسرائيل إدخال المساعدات بما فيها البيوت المؤقتة المتنقلة للإيواء، وفي اليوم الثالث تبدأ مفاوضات اليوم التالي لإدارة غزة، ونزع السلاح وإعلان وقف إطلاق نار دائم.
وفي اليوم السابع لسريان الهدنة تفرج حماس عن 4 رهائن مقابل الإفراج عن 54 معتقلا فلسطينيا محكوما عليه بالمؤبد و500 ممن اعتقلهم الجيش الإسرائيلي بعد اندلاع الحرب، من دون “استعراضات أو مراسم علنية.”
العرب