
عندما اندلعت ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 في مصر، لم تكن جماعة الإخوان المسلمين في طليعة المشهد، لكنّها فرضت نفسها بقوة كطرف سياسي منظم. وحرصت الجماعة على الظهور كقوة وطنية تسعى إلى دعم مطالب الثورة: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، دون إظهار نيّة صريحة للمغالبة والسعي إلى تولي الحكم.
وكشفت ممارسات الواقع بعد العام 2012 عن مفارقة واضحة، بين هذه الشعارات وممارسات الجماعة سعيّا إلى السلطة، الأمر الذي ألقى بظلال الشك حول صدق شعاراتها وحقيقة نواياها.
من وعود المشاركة إلى التمكين والمغالبة
في شباط (فبراير) من العام 2011 أعلنت الجماعة أنّها لا تسعى إلى السلطة، وزعمت أنّها لن ترشح أحدًا من قياداتها للرئاسة. وجاءت هذه الرسائل في بيانات رسمية وتصريحات من قياداتها، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، الذي قال في آذار (مارس) العام 2011: "لسنا طلاب سلطة، ولا نريد أن نحكم، وإنّما نريد الخير لمصر"، كما أنّ حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان، أصدر وثيقة تدّعي فيها الجماعة أنّها تؤمن بالتعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان، جاء فيها: "الحزب يؤمن بالتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان، وحرية الإعلام". غير أنّ كل هذه الوعود والتطمينات لم تصمد طويلاً أمام نزعة المغالبة والطموح تجاه الهيمنة.
التحول نحو التمكين السياسي
في نيسان (أبريل) من العام 2012، وفي ظل هيمنة الجماعة على الأغلبية في غرفتي البرلمان، تراجعت الجماعة عن تعهدها، وأعلنت ترشيح خيرت الشاطر للرئاسة، ثم محمد مرسي الذي أصبح مرشح الإخوان بعد استبعاد الأول.
بررت الجماعة هذا التحول والنكوص بالوعود بالرغبة في حماية الثورة، لكنّ كثيرين رأوا في ذلك بداية لمسار السيطرة على مفاصل الدولة. وبعد تولي الرئيس المعزول محمد مرسي الحكم بدأت الجماعة في تعيين موالين لها في كل المواقع الحساسة، من المحافظين إلى المستشارين الرئاسيين، وفي المحليات وسائر مؤسسات الدولة.
الإعلان الدستوري وانهيار الثقة
جاء الإعلان الدستوري الصادر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، الذي منح الرئيس السابق محمد مرسي صلاحيات شبه مطلقة، بمثابة ضربة قاضية هدمت ما تبقى من جدار الثقة بين الجماعة والشعب، واعتُبر من قبل كثيرين خيانة لروح الثورة.
وزعم محمود حسين، الأمين العام للجماعة آنذاك، أنّ "الإعلان ضروري لحماية الثورة ومكتسباتها من الفلول". وأضاف: "من يعارض هذا الإعلان لا يريد استقرار البلاد.
ردود الفعل الغاضبة لم تقابل بحوار من الجماعة بل بالقمع، ووقعت مواجهات عنيفة ومؤلمة أمام قصر الاتحادية، سقط فيها ضحايا، وسط اتهامات للجماعة باستخدام العنف المنظم، وهو ما ظهر أمام العالم على الشاشات، حيث أطلقت الجماعة يد أنصارها المسلحين، وعناصر الجهاز الخاص، لفضّ اعتصام الاتحادية، وتطويق المعارضة والتنكيل بها.
دستور يُقصي ويكرّس لهيمنة الجماعة
كان الدستور الذي أقرّ نهاية العام 2012 تتويجاً لنزعة التمكين الإخوانية، وأصرت الجماعة على إقراره، رغم المقاطعة الشعبية للتصويت، ورغم انسحاب المكونات المدنية والدينية من الجمعية التأسيسية.
تجاهلت الجماعة الجميع، وزعم ياسر حمزة، عضو الهيئة القانونية في حزب الحرية والعدالة، في مداخلة تلفزيونية، أنّ "انسحاب البعض لا يبطل عمل الجمعية، والدستور سيمرّ بإرادة الشعب". وأضاف بنوع من التعالي: "لسنا ملزمين بإرضاء من لا يريد التوافق".
اعتبر المعارضون أنّ الوثيقة كرّست لحكم إسلاموي استبدادي، وأهملت مبادئ الدولة المدنية، ورفضت الجماعة الحوار مع المعارضة، وجاءت تصريحات قيادات الإخوان لتؤكد المضي قُدماً في المسار رغم الاعتراضات، ممّا عمّق الانقسام.
تقويض حرية الإعلام
منذ سيطرة الإخوان وأنصارهم تعرّض الإعلاميون للكثير من المضايقات بشكل متزايد، وتمّ استدعاء الكثيرين للتحقيق بتهم مرتبطة بإهانة الرئيس وازدراء الدين، واعتبرت الجماعة نفسها متحدثاً حصرياً باسم الإسلام. ورغم التصريحات الرسمية التي تحدثت عن مناخ ديمقراطي، بدا الواقع أقرب للعودة إلى أساليب الدولة البوليسية، خاصّة بعد قيام أنصار الجماعة بحصار مدينة الإنتاج الإعلامي، وفي ظل محاولات حثيثة لعزل شيخ الأزهر.
مشروع النهضة... وهْم يناقض الواقع
قامت حملة الرئيس الإخواني محمد مرسي الانتخابية على وثيقة "مشروع النهضة"، التي وعدت بإصلاح شامل. وزعم سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة، في لقاء مع شباب الحزب في حزيران (يونيو) 2012، أنّ "مشروع النهضة ليس مجرد وعود، بل رؤية لبناء مصر"، لكن سرعان ما اتضح أنّ الأولوية كانت للتمكين السياسي لا التنمية، وبقيت الأزمات المعيشية على حالها، وتدهورت قطاعات الدولة بشكل حاد، لتعمّ الإضرابات العمالية، وسط حالة من الانفلات الأمني غير المسبوق في تاريخ مصر.
كانت تجربة الإخوان في الحكم بين 2012 و2013 تُمثل حالة نموذجية لتحول الشعارات الثورية إلى ممارسة سلطوية فجة. ولم يكن سقوطهم فقط نتاج صراع مع خصومهم، بل جاء نتيجة مباشرة لفقدان الثقة في الجماعة بين قطاعات واسعة من الشعب، بعد خيبة الأمل في الوعود التي لم تُنفذ، وقد بات واضحًا أنّ مكتب الإرشاد هو الذي يحكم مصر لا الرئيس.