هل يوجه ملف إعادة إعمار الجنوب ضربة أخرى لحزب الله؟

هل يوجه ملف إعادة إعمار الجنوب ضربة أخرى لحزب الله؟

هل يوجه ملف إعادة إعمار الجنوب ضربة أخرى لحزب الله؟


23/03/2025

ترجمة: محمد الدخاخني

كثُر الحديث مؤخَّراً عن إعادة إعمار الأراضي والبلدان العربية التي دُمِّرت في الصراعات الأخيرة، خاصةً غزة وسوريا ولبنان. إلا أنّ المبالغ المطلوبة ضخمة للغاية، ممّا يستدعي التفكير جدياً في احتمال عدم تحقيق إعادة الإعمار؛ وستكون لمثل هذه النتيجة تداعيات سياسية لا تُحصى.

سيكون الوضع في لبنان مثيراً للاهتمام بشكل خاص، بالنظر إلى أنّ التطورات فيه تعكس خطوط الصدع في الشرق الأوسط الأوسع. وينطبق هذا بشكل خاص على التنافس بين العديد من الدول العربية وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، ممّا يجعل إعادة الإعمار مرتبطة باعتبارات السلطة الإقليمية.

وفي مقال نُشِر مؤخراً في مجلة (فورين أفيرز)، كتبت مها يحيى، مديرة (مركز كارنيغي للشرق الأوسط) في بيروت، أنّ "البنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة قدَّرت أنّ إعادة إعمار الشرق الأوسط وتوفير مساعدات إنسانية كافية سيكلف ما بين (350 و650) مليار دولار. وقدَّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنّ إعادة إعمار غزة وحدها تتطلب ما لا يقلّ عن (40 إلى 50) مليار دولار.

قدَّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنّ إعادة إعمار غزة وحدها تتطلب ما لا يقلّ عن (40 إلى 50) مليار دولار

والسؤال البديهي هو: من سيكون على استعداد لدفع هذه المبالغ الفلكية؟ في لبنان تحديداً قدَّر البنك الدولي خسائر الصراع مع إسرائيل بنحو (11) مليار دولار على المديين القصير والمتوسط. وما يزال الكثيرون في البلاد يعتقدون أنّ دول الخليج ستُقدِّم دعماً مالياً لتغطية جزء من هذه التكاليف على الأقل. ومع ذلك، قد يكون هذا ضرباً من التمنِّي لـ (3) أسباب رئيسة.

أوّلاً، لن تُقدَّم أيّ أموال حتى يُجري اللبنانيون إصلاحات اقتصادية ومالية. لقد ولَّى عهد "الشيكات على بياض" منذ زمن. ثانياً، لدى العديد من دول الخليج أولويات محلية، بينما تتنافس جهات أخرى إقليمياً ـ وعلى رأسها سوريا وغزة ـ مع لبنان على المساعدة. ثالثاً، ما الحافز الذي تملكه هذه الدول للمساعدة في إعادة إعمار المناطق اللبنانية التي يسيطر عليها خصومها السياسيون؟ هناك حافز ضئيل جداً.

في الأسبوع الماضي زار الرئيس اللبناني جوزيف عون المملكة العربية السعودية، وكان من اللافت أنّه عاد من دون التزامات مالية سعودية لمساعدة لبنان. بدلاً من ذلك، أكَّد البيان الختامي على ضرورة قيام لبنان بتنفيذ إصلاحات، واتفق الجانبان على دراسة "العقبات" التي تحول دون استئناف الصادرات اللبنانية إلى المملكة وعودة المسافرين السعوديين إلى لبنان.

لم تكن النية السعودية إذلال عون، الذي دعمت المملكة انتخابه، والذي تربطها به، على ما يبدو، علاقات جيدة. بل، كما وصف الأمر مصدر سعودي، مثَّلت الزيارة "كسراً للجمود" مع لبنان، وأيضاً إظهاراً "لعدم وجود عَجَلة للعودة إلى البلاد". فبعد أكثر من عقد من التوترات مع دول الخليج، سيحتاج لبنان إلى مزيد من الوقت لاستعادة ثقة المموّلين المحتملين.

الرئيس اللبناني: جوزيف عون

ثم هناك الجانب السياسي. ففي وقت سابق من هذا الشهر شدَّد المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، على موقف إيران من المفاوضات مع الولايات المتحدة، وأعلن أنّ مثل هذه المحادثات "لن تكون ذكية أو حكيمة أو شريفة". وأكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان هذا التوجه السياسي عندما قال: "كنت أعتقد شخصياَ أنّه من الأفضل التفاوض مع الولايات المتحدة، لكنّ المرشد الأعلى قال إنّنا لن نتحدث مع الولايات المتحدة، ولذلك قلت إنّنا لن نتفاوض مع الولايات المتحدة".

وفي ضوء ذلك، يُمكن توقُّع سعي إيران إلى إحياء شبكة حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم حزب الله، الذي ضعف بشدة في الحرب الأخيرة مع إسرائيل. ويُصعِّب هذا السياق توقُّع أن يُسارع أشد معارضي حلفاء إيران في المنطقة إلى إعادة إعمار المناطق اللبنانية الموالية لحزب الله، بحيث تُعيد هذه المساعدة مصداقية الحزب.

على العكس من ذلك، طالما بقيت المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله على حالها المدمر اليوم، فقد يشهد الحزب تراجعاً في شعبيته. وقد توقَّع أمينه العام نعيم قاسم ذلك، إذ أعلن مؤخَّراً أنّه "على الدولة قيادة جهود إعادة الإعمار [لأنّ] ما دمَّرته إسرائيل، دمَّرته في الدولة اللبنانية". بمعنى آخر، يبدو حزب الله مستعداً لصرف غضب الطائفة الشيعية عنه وتوجيهه نحو الحكومة في حال عدم وصول تمويل لإعادة الإعمار.

قد ينجح هذا التكتيك الأناني إلى حدٍّ محدود، لكن لا شيء يُغيِّر حقيقة أنّ حزب الله سيجد صعوبة بالغة في استئناف استراتيجيته العسكرية ضد إسرائيل بدعم طائفي إذا لم تُقدَّم أموال إعادة الإعمار. وقد يؤدي هذا أيضاً إلى ردّ فعل سياسي داخلي عنيف قد يتضح في الانتخابات النيابية العام المقبل، وحتى في الانتخابات البلدية العام المقبل أيضاً. بالنسبة إلى حزب الله وحركة أمل المتحالفة معه، من شأن فقدان سيطرتهما الانتخابية على الطائفة الشيعية أن يُمثِّل ضربة موجعة.

ولهذا السبب تحديداً يحرص حزب الله بشدة على تأمين مساعدات إعادة الإعمار قبل الانتخابات. ولهذا السبب أيضاً قد لا ترى الدول الأكثر ترجيحاً لمساعدة لبنان مبرراً كافياً للتدخل. إنّ حزب الله يجد نفسه في وضع حرج. وإلى أن يُعيد بناء نفسه كحزب مدني، سيبقى تحت رحمة القوى التي كان ينتقدها بتهوّر.

المصدر:

مايكل يونغ، ذي ناشيونال، 12 آذار (مارس) 2025




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية