تهديدات الإرهاب في الساحل .. ما هي خلفيات استهداف تنظيم "داعش" للمغرب؟

تهديدات الإرهاب في الساحل .. ما هي خلفيات استهداف تنظيم "داعش" للمغرب؟

تهديدات الإرهاب في الساحل .. ما هي خلفيات استهداف تنظيم "داعش" للمغرب؟


03/03/2025

برغم أن المغرب، الواقع عند تقاطع إفريقيا وأوروبا والعالم العربي، يحتل موقعاً جيو-إستراتيجياً حاسماً يجعله ركيزة للاستقرار الإقليمي، غير أن ذلك لم يمنع كونه، أيضا، عرضة للطموحات التوسعية للجماعات الإرهابية من منطقة الساحل – الصحراء.

ويعتبر تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، التي يقودها أبو البراء الصحراوي، إضافة إلى بعض الفصائل المنشقّة من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ومن بوكو حرام، ومن القاعدة في المغرب الإسلامي، المغرب عقبة رئيسية أمام توسعها نحو أوروبا.

وتحدثت دراسة حديثة أعدها الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيو-إستراتيجية والأمنية، ونشرها موقع "هسبرس" المغربي، بعنوان “المغرب في مواجهة الإرهاب في الساحل: لماذا يُستهدف المغرب من قبل “داعش”؟”، عن الأسباب الكامنة وراء استهداف المغرب من طرف “داعش” المتواجد في الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء.

ولفتت الدراسة إلى أن صعود الجهاد في هذه المنطقة ينبع من تطور المجموعة السلفية للدعوة والقتال، التي نشأت في الجزائر في التسعينيات إثر انفصالها عن المجموعة الإسلامية المسلحة. ويمثل هذا الانفصال نقطة تحول إستراتيجية، إذ رفضت الجماعة السلفية للدعوة والقتال التجاوزات العشوائية للجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) لصالح توسع أكثر تنظيماً يهدف إلى ترسيخ نفوذها خارج الحدود الجزائرية. 

صعود الجهاد في هذه المنطقة ينبع من تطور المجموعة السلفية للدعوة والقتال التي نشأت في الجزائر في التسعينيات إثر انفصالها عن المجموعة الإسلامية المسلحة

واعتبرت الدراسة أن الضغوط العسكرية في الجزائر وإعادة تنظيم الجماعات الجهادية أدت إلى ظهور هياكل جديدة، أكثر تكيفاً مع السياق الساحلي. وفي هذا الإطار ظهرت نصرة الإسلام والمسلمين التي جمعت عدة فصائل تحت قيادة إياد أغ غالي. وتعكس هذه التطورات تكيف الجهاد مع البيئة الساحلية، باستغلال ضعف الدول والتوترات الطائفية لتوسيع السيطرة على المنطقة.

وتطورت فصائل مثل أنصار الدين، والمرابطون، وحركة الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا (MUJAO) تدريجياً، ما شكّل انقساماً أيديولوجياً وإستراتيجياً. وفي عام 2015 أدى انقسام داخل “المرابطون” – التي نشأت من انفصال عن “القاعدة في المغرب الإسلامي” – إلى إنشاء “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”، التي أقسمت الولاء للدولة الإسلامية في المشرق (داعش).

وبحسب مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023 يُعتبر “داعش” مسؤولاً عن أكثر من 25٪ من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في القارة، ما تسبب في وفاة الآلاف من الأشخاص، من بينهم أكثر من 6800 في منطقة الساحل عام 2023، وهو رقم يساهم فيه “داعش” ومنظماته المتحالفة، مثل الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى بشكل ملحوظ. 

ومن ناحية أخرى فإن التأثير الاقتصادي للإرهاب في إفريقيا مدمر؛ إذ تقدر الأمم المتحدة خسائر إجمالية بحوالي 119 مليار دولار بين عامي 2007 و2016، بينما تبلغ النفقات الأمنية السنوية ما يقرب من 84 مليار دولار، ويتسبب النزوح السكاني في خسائر اقتصادية تُقدر بنحو 312.7 مليار دولار.

بحسب مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023 يُعتبر “داعش” مسؤولاً عن أكثر من 25٪ من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في القارة الأفريقية

وبحسب الدراسة، فإن هذا التهديد يتجاوز الإطار الأيديولوجي، إذ يُشكل جزءاً من لعبة جيوسياسية تستهدف المملكة. ففي منطقة المغرب العربي التي تميزها الطموحات الجيوسياسية والتوترات الدبلوماسية، يُفسر صعود الجماعات الإرهابية بتآزر عوامل هيكلية عدة. 

وأوردت الدراسة أن هشاشة الدول الساحلية التي تعاني من عدم القدرة على ترسيخ نظام أمني فعال تخلق فجوات يستغلها المتطرفون، بينما تسهل مسامية الحدود التبادلات غير المشروعة – من المخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر – وحركة المقاتلين عبر الحدود، فيما تُفاقم التدخلات الخارجية وبعض القوى المحدثة للفوضى دون الدولة الموجهة بمصالح إستراتيجية، خاصة من عدم الاستقرار الإقليمي.

كما أن النزاع المستمر بين المغرب والجزائر، الذي يُعزز التنافس الإقليمي عبر الدعم الدائم الذي تُقدمه الأخيرة للحركة الانفصالية البوليساريو، يزيد من تعقيد المشهد الجيو-سياسي. هذا المزيج من العوامل يُهيئ بيئة ملائمة لتوسع التهديدات الأمنية، ما يستدعي استجابة منسقة لاستعادة الاستقرار في المنطقة؛ إذ يُنظر إلى المغرب، بفضل قربه والتزامه الأمني، كحاجز يمنع تقدم هذه التهديدات نحو دول شمال غرب أوروبا، وفقا لما ورد بالدراسة.

ومن هذا المنطلق، قال الشرقاوي إن المغرب أدرك تمام الإدراك تحديات الأمن المعاصر، فقام بوضع عقيدة دفاعية قوية ترتكز على تعزيز أمنه الوطني وتحسين تحالفاته الإستراتيجية، معتبرا أن اعتماد المملكة على نهج استباقي وشامل جعلها لاعباً رئيسياً في استقرار المنطقة، مستندة إلى بنية أمنية متطورة تضم قدرات مراقبة متقدمة، وتنسيقاً فعالاً بين مختلف الجهات، ونظاماً لمكافحة التهديدات الهجينة؛ وقد مكنتها عملية تحديث قواتها الأمنية ودمجها تقنيات متطورة وبنية استخباراتية حديثة مع المراقبة الإلكترونية من توقع المخاطر الناشئة وتحييدها، كما أن تعزيز شراكاتها الدولية، لاسيما مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول إفريقيا، يعزز موقفها كجهة رئيسية للاستتباب الأمن.

يُعتبر “داعش” مسؤولاً عن أكثر من 25٪ من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في القارة ما تسبب في وفاة الآلاف من الأشخاص


الطموحات الإرهابية في الساحل.. تهديد متزايد على المغرب

إلى ذلك، أوردت الدراسة أن هذه المقاربة المتكاملة تجعل من المغرب معقلًا للصمود ونموذجًا للتكيف مع التحديات الأمنية المتطورة باستمرار. وكشريك إستراتيجي للولايات المتحدة وأوروبا تسهم المملكة في حماية الجناح الجنوبي للتحالف الأطلسي والسيطرة على تدفقات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا؛ وتعتمد قوتها في مجال الاستخبارات على بنية أمنية متطورة وتكامل بين عدة أجهزة أمنية رائدة. 

كما تضمن هذه التنسيقات بين الجهات توقعًا فعالاً للتهديدات غير المتماثلة وقدرة على الرد السريع على الخلايا الإرهابية النائمة والفعالة، ما يعزز دور المغرب كركيزة للأمن الإقليمي والدولي.

وبفضل معلومات استخباراتية دقيقة قدمتها المديرية العامة للأمن الخارجي، نفذ مكتب مكافحة الإرهاب الدولي عملية إستراتيجية أدت إلى تحييد خلية إرهابية نشطة في تسع مدن مغربية

وتم القبض على اثني عشر مشتبهًا فيه، وصُودِرَ مخزون كبير من المتفجرات والأسلحة المتطورة والوثائق الحساسة في مركز لوجستي سري بمدينة الراشيدية، وهي منطقة حدودية حيوية مع الجزائر وقريبة من الساحل. 

ومن بين الاكتشافات الرئيسية وُجدت ترسانة مخفية تُظهر حجم المخطط والنطاق العابر للحدود للشبكات الجهادية. وكشفت التحقيقات المعمقة أن هذه الشبكة يقودها رئيس العمليات الخارجية لتنظيم “داعش” في الساحل، وهو المحرض على المخطط والمنظم للعملية، مدعومًا بفريق من المنسقين والمنفذين والميسرين اللوجستيين. 

كشفت التحقيقات المعمقة أن هذه الشبكة الجهادبة يقودها رئيس العمليات الخارجية لتنظيم “داعش” في الساحل

وتؤكد الأدلة وجود ملاذ لوجستي إستراتيجي يلعب دورًا حيويًا في نقل الأسلحة من الساحل إلى المغرب، عبر ممرات تربط بين جاو وكيدال في شمال مالي، مرورًا بأرليت في النيجر، وصولًا إلى تمنراست في جنوب الجزائر. ويظهر تفعيل هذه الممرات مدى تطور دوائر التزويد الخاصة بالجهاد، ما يبرز الحاجة الماسة إلى تعزيز المراقبة في المناطق الحدودية والمحاور الحيوية لتهريب الأسلحة.

وأرجعت الدراسة عدم الاستقرار المزمن في منطقة الساحل إلى عدة عوامل هيكلية، من بينها هشاشة الدول، ومسامية الحدود، والاضطرابات الجيوسياسية، وتدخل الجهات الأجنبية غير الحكومية.

تشكل هذه العناصر أرضًا خصبة لتوسع الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية، التي تستغل هذه الثغرات لترسيخ نفوذها. وتلعب الجزائر، من خلال دعمها البوليساريو، دورًا غير مباشر في هذه الديناميكية الصراعية، ما يُسهم في زعزعة استقرار المنطقة، بحسب الدراسة.

علاوة على ذلك تشكل معسكرات تندوف، الواقعة جنوب غربي الجزائر، مثالًا آخر على هذه المسامية؛ فبسبب ضعف السيطرة الجزائرية عليها تتيح هذه المعسكرات تسلل الأسلحة والتهريب وعبور المقاتلين إلى مسارح العمليات في منطقة الساحل، ما يغذي دوامة من العنف وعدم الاستقرار.

أرجعت الدراسة عدم الاستقرار المزمن في منطقة الساحل إلى عدة عوامل هيكلية من بينها هشاشة الدول ومسامية الحدود والاضطرابات الجيوسياسية

كما تسهم هشاشة الحدود، وخاصة بين الجزائر وموريتانيا، إلى جانب غض العين عن الأنشطة الإجرامية من قبل السلطات الجزائرية تجاه أنشطة البوليساريو، في تسهيل نمو هذه الشبكات السرية وقدرتها على العمل بسرية تامة. ومن ناحية أخرى أدى سقوط القذافي في ليبيا، بالتزامن مع انتشار ملايين الأسلحة الخفيفة، إلى تكثيف عمليات تهريب الأسلحة بشكل كبير حتى اليوم.

المشهد الأمني في المنطقة والتحديات المستقبلية

يجد المغرب نفسه، وفق ما ورد بالدراسة، في قلب مشهد أمني معقد يتوسط بين مسؤولياته كركيزة إقليمية وطموحات التوسع الجماعي لجماعات إرهابية مثل الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى وفروعها، فضلاً عن الديناميات الانفصالية التي تجسدها فصائل البوليساريو؛ ويضعه موقعه الإستراتيجي والتزامه بالاستخبارات العملياتية المتقدمة في الصف الأول في مواجهة الإرهاب العابر للحدود. 

وبفضل عقيدة دفاعية قوية وتحديث مستمر لقواتها وتعاون دولي وثيق تبرز المملكة كجهة رئيسية لتوفير الأمن العالمي؛ ومع ذلك فإن هذه الفعالية في مجال الاستخبارات وتأمين الحدود تجعلها هدفًا مفضلاً لأولئك الذين يسعون إلى زعزعة توازن الاستقرار الإقليمي.

وفي ظل سياق جيوسياسي هش بالفعل يبدأ تهديد تنظيم “داعش” في إيجاد أرض خصبة متزايدة في قلب منطقة الساحل، متفاقمًا بسبب ضعف الهياكل الدولة والجمود الدولي. فإذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة ومنسقة فإن الوضع قد يصبح لا رجعة فيه؛ فبإعادة توطين أنشطته بشكل إستراتيجي في هذه المنطقة لا يقتصر دور التنظيم على بث الرعب محليًا، بل يهيئ أيضًا الأرض لمأساة عالمية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية