"الإسلام السياسي" انتهى في الجزائر

"الإسلام السياسي" انتهى في الجزائر

"الإسلام السياسي" انتهى في الجزائر


30/04/2023

تجرّع إسلاميو الجزائر خيبات عديدة في العقود الـ (3) الأخيرة التي شهدت تراجعات كبيرة لحَمَلة لواء المشروع الإسلامي، بحكم تكبدّهم هزائم بلغت مستوى الاكتفاء بـ 2% من أصوات الناخبين، ليؤكّد كل ذلك السقوط الحرّ لأطروحة الإسلام السياسي في الجزائر.

تاريخياً، فشل الزعيم السابق لإخوان الجزائر الراحل محفوظ نحناح في الوصول إلى كرسي الرئاسة في انتخابات 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، ولم يكن حظّ الزعيم الآخر عبد الله جاب الله أفضل في رئاسيات 8 نيسان (أبريل) 2004، وعلى المنوال ذاته فشل كل من جهيد يونسي وعبد القادر بن قرينة توالياً في رئاسيات 9 نيسان (أبريل) 2009، و12 كانون الأول (ديسمبر) 2019.

وشهدت انتخابات مجالس البلديات والمحافظات في 12 حزيران (يونيو) اكتساح الإسلاميين المتشددين تحت مظلّة الحزب المحظور (جبهة الإنقاذ)، كما فازوا بالدور الأول لتشريعيات 26 كانون الأول (ديسمبر) 1991 (المُلغاة)، بيد أنّ جميع مشاركات الإسلاميين في المواعيد اللاحقة مُنيت بالفشل الذريع، وحفلت بالتراجعات منذ الانتخابات التشريعية في 5 حزيران (يونيو) 1997، وصولاً إلى محليات 27 كانون الأول (ديسمبر) 2021.

في المحصلة، يجزم مغرّدون أنّ الإسلام السياسي في الجزائر فقد الكثير من بريقه، والأمر يشمل فصيل الإخوان الذي تخبّط كثيراً جرّاء عزفه تارة على وتر التحالف مع السلطة، وارتضائه التخندق مع المعارضين تارة أخرى، وتنسحب حالة الإخوان على تيارات الإسلام السياسي الأخرى الآخذة في التراجع.    

تجرّع إسلاميو الجزائر خيبات عديدة في العقود الـ (3) الأخيرة    

ويقول هيثم: "الشعب الجزائري مسلم، وليس بحاجة إلى من يذكّره بأنّ مرتكزات إدارة الدولة تقوم على الإسلام، كما نصّ عليه بيان الفاتح من تشرين الثاني (نوفمبر) 1954 التأسيسي للدولة الجزائرية الحديثة".

 زخم مفقود

ويضيف علاء: "الإسلاميون فقدوا زخمهم بعدما ابتعدوا كثيراً عن العمل الدعوي الذي اشتهروا به في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، حين خرجوا من البوتقة التي كانوا ينشطون فيها".

وتلاحظ كريمة أنّ "تنظيم الإخوان في الجزائر لم يعد له ذاك الزخم الشعبي، ثمّ أنّه دعوي، وقد تفوق السلفيون وجمعية العلماء المسلمين والجماعات الصوفية في ذلك، ولا وجود لتنظيم الإخوان كما كان الأمر سابقاً، لأنّهم اندمجوا بالكامل في العمل السياسي، وحتى جمعية الإصلاح والإرشاد (واجهة الإخوان في العمل الجمعوي)، صارت تتفوق عليها جمعيات أخرى مثل جمعيات كافل اليتيم، حراء، البركة، وغيرها".

من جانبه، يلفت حكيم إلى أنّ "الإخوان، ومن لفّ لفّهم، ظلوا متشبعين بأوهام الانتصارات على طريقة (دون كيشوت)، بل راحوا يسوّقون لامتلاكهم أسهماً تمكّنهم من التأثير على مفاصل القرار السياسي ليس في الجزائر فحسب، بل في المنطقة المغاربية أيضاً، قبل أن تأتي الصفعات الانتخابية لتضعهم في حجمهم الحقيقي".

وعبثاً سعى رموز الإخوان لتبرير فشلهم برمي ذلك على حبل "التآمر الفوقي"، فالرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري صرّح: "كل المواعيد الانتخابية الماضية مزورة"، وهو ما اجترّه (أبو جرة سلطاني) الوزير الإخواني السابق الذي اتهمّ جهات في السلطة بـ "العمل على إعادة البلد إلى عهد الأحادية الحزبية"، مشيراً إلى "التأسيس لواقع نريد أن يتغير".

الصورة الفاسدة 

تقاطعت تغريدات ناشطي منصات التواصل الاجتماعي عند ترسيخ دعاة "الإسلام السياسي" في الجزائر لـ "صورة فاسدة" في منظور الشارع المحلي الذي لم يهضم كثيراً من مواقف ممثلي هذا المشروع.

وكتب رشيد على شبكة (فيسبوك): "الجزائريون يشعرون بالسوء، فالإسلاميون ارتكبوا أخطاء قاتلة، مثل تورّطهم في الممارسات الفاسدة لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، كما اقترن الإسلاميون بـ "اللعب على الحبال" و"سوء التسيير".

إنّ طبيعة ومعطيات المرحلتين الحالية والقادمة لا تصبّ في مصلحة الإسلاميين وتكريس نظرتهم للدولة

من جهته، تساءل أحد النشطاء: "هل يتقن الإسلاميون فعلاً اللعبة السياسية؟"، بدوره يحيل أحمد إلى أنّ: "الإخوان مرّروا قوانين عارضتها فئة كبيرة من الجزائريين، مثلما حصل مع قانون الأسرة، ولم ينفع الانسحاب المتأخر للإخوان من الائتلاف الحاكم في تحسين صورتهم التي تلطخت كثيراً، ولأنّ ذلك تمّ غداة ثورتي تونس ومصر عام 2011، اعتبر مراقبون ذاك الانسحاب "تكتيكياً شكلياً" طمعاً في اقتسام كعكة ما سُمّي بـ (الربيع العربي).

ويُدرج نسيم حادثة تعصف بـ "صدقية" إسلاميي الجزائر: "أتذكّر ما حدث عام 2002 تحت قبة البرلمان، فقد حرّك نواب حركات مجتمع السلم والإصلاح والنهضة لائحةً طالبوا فيها بحظر استيراد الخمور، ونجحوا في تمريرها ساعات قبل حلول شهر رمضان في ذلك العام، والمثير أنّ النواب ذاتهم عادوا بعد انقضاء شهر رمضان ليُسقطوا ما نادوا به بشأن حظر استيراد الخمور!".     

ويربط (محمد بغداد) فشل الإسلاميين بمشاركتهم في السلطة، بعكس ما حصل مثلاً في تونس ومصر والمغرب، حيث كان نظراؤهم "مضطهدين"، ويقحم محدثنا صراع الزعامات الذي مزّق إسلاميي الجزائر، ممّا أثّر كثيراً على مصداقيتهم، ولم يكن تخندق هؤلاء في صف المعارضة ليمكّنهم من استعادة صدقيتهم في المستقبل المنظور على الأقل.

وتستدل أمينة بتصريح الوزير السابق للشؤون الدينية أبو عبد الله غلام الله الذي قال: إنّ الإسلاميين لا يريدون "الإسلام"، بل "السلطة"، وتشدّد أمينة: "يستبسل التيار السلفي في محاولات إدخال أفكار "دخيلة" تهدد مرجعية الجزائريين الدينية الوطنية، في محاولة مشبوهة لتغيير واقع التركيبة الاجتماعية المحلية".

الحقائق المُرّة  

يشير عامر ولد سعد سعود الذراع اليمنى للزعيم السابق لإخوان الجزائر، الراحل محفوظ نحناح، إلى (7) أسباب تقف وراء "الحقائق المرّة" للتيار الإسلامي في الجزائر.

ويُبرز ولد سعد سعود خطأ الإسلاميين في دخول المعترك السياسي رغم افتقادهم لمرجعية قوية، وقبل تأسيسهم مدرسة سياسية معلومة الفلسفة بيّنة الأهداف والبرامج، كما يُقرّ بـ "انحراف" بعض الإسلاميين، مضيفاً أنّ دخول المعترك السياسي كان بـ "دافع ماكر من مخابرات أجنبية معروفة بعدائها للدين الإسلامي وللجزائر وتاريخها وحضارتها"، وساعدها في ذلك "تواطؤ داخلي، وقلة وعي" بخطورة المآلات لدى قيادات اندفعت بفعل "عواطف شعبية متدينة ومؤهلة للانفجار نتيجة الغضب المكدس بسبب ممارسات الحزب الواحد وسموم الطبقات العازلة".

وعليه، يذهب سعود إلى أنّ أولوية الإسلاميين حالياً في الابتعاد عن العمل السياسي، لأنّ شروطه غير متوفرة بحسبه، ويوقن أنّ وضع إسلاميي الجزائر بات هشاً بحكم "التدجين" و"الضعف".

بدوره، يرى عمار يزلي أنّ الدولة الدينية، بالمفهوم الكهنوتي اللّاهوتي، صارت تمثل في أذهان الجزائريين صورة للعهد الإقطاعي بأوروبا وهيمنة الكنيسة بتحالفها مع الإقطاع على الساكنة (هذا قبل أن يبرز مفهوم "المواطنة")، لذا لم تعد هي الدولة المنشودة، على الأقلّ لدى شرائح واسعة من الشباب اليوم .

ويشير عمار يزلي إلى اهتمام الكثيرين بتحقيق العدالة الاجتماعية والإصلاح الاقتصادي والسياسي، وهو ما يؤيده حبيب بوخليفة بالقول: إنّ طبيعة ومعطيات المرحلتين الحالية والقادمة لا تصبّ في مصلحة الإسلاميين وتكريس نظرتهم للدولة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية