
إشادة واسعة لاقاها المغرب، بعد الكشف عن قاعدة دعم لوجستي بمنطقة جبلية مرتبطة بخلية الفرع الإفريقي لتنظيم داعش بمنطقة الساحل، في تطور يكشف سرعة في التحرك ودقة في الإنجاز وجاهزية عالية ويقظة أمنية في التعاطي مع المخاطر الإرهابية التي تتربص بأمن المملكة.
وقد كانت الخلية الإرهابية، بحسب السلطات الأمنية، مشروعا استراتيجيا لإنشاء فرع للتنظيم المتطرف بالمغرب، وكان لأعضاء هذه الخلية الإرهابية ارتباط وثيق بكوادر من لجنة العمليات الخارجية في فرع داعش بالساحل، والذي كان يقوده المدعو أبوالوليد الصحراوي (الذي لقي حتفه)".
هذا وتمكنت الأجهزة الأمنية المغربية من القيام بدور بارز في إحباط المشاريع الإرهابية والتهديدات المتزايدة للجماعات الجهادية في منطقة الساحل وتأثيرها المحتمل على أمن المغرب والمنطقة وصولا إلى أوروبا، عبر تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية.
ويترأس المغرب المنتدى العالمي لمحاربة الإرهاب، كما يقود، بشكل مشترك مع الولايات المتحدة والنيجر وإيطاليا، مجموعة التركيز الأفريقي "أفريكا فوكوس غروب"، التابعة للتحالف الدولي ضد "داعش"، ويستضيف مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.
ولم يتعرض المغرب إلا لهجوم كبير واحد خلال السنوات العشر الماضية (مقتل سائحتين اسكندنافيتين عام 2018)، لكن المسؤولين المغاربة يرون أن الجماعات المتشددة في منطقة الساحل المجاورة، التي تجند وتدرب أتباعها عبر الإنترنت، تمثل أكبر خطر على البلاد، بحكم الموقع الذي يجعلها هدفا للجماعات المتمركزة في تلك المنطقة.
استراتيجية متعددة الجوانب لمكافحة الإرهاب
واعتبر موقع "نيوزلوك" الأمريكي، أن النهج الذي تنتهجه المغرب في مكافحة الإرهاب لا يقتصر على التكتيكات العسكرية والاستخباراتية. بل إنه يستخدم بدلاً من ذلك استراتيجية متوازنة تجمع بين جمع المعلومات الاستخباراتية والتدخلات التكتيكية والتعاون الدولي وتعزيز القيم الإسلامية المعتدلة.
ولا تعالج هذه الطريقة الشاملة التهديدات المباشرة من جانب جماعات مثل داعش فحسب، بل تعالج أيضاً العوامل الاجتماعية الأوسع نطاقاً التي تساهم في التطرف.
وفي تحليله للعملية الأمنية الاستباقية، لفت إلى أنها جسدت عملية حديثة في إقليم الرشيدية التميز العملياتي للمغرب. فقد كشف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي يعمل تحت إشراف المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عن خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم داعش بالقرب من الحدود الشرقية للمغرب. وقد تطلبت العملية التنقل عبر تضاريس صعبة، حيث تم إخفاء مخبأ الأسلحة في سفح تلة صخرية. وعلى الرغم من الصعوبات، نفذت قوات الأمن المغربية المهمة بدقة ملحوظة على مدى فترة زمنية مدتها ثلاث ساعات.
العملية أسفرت عن العثور على ترسانة من الأسلحة، بما في ذلك بندقية كلاشينكوف ومسدسات مختلفة وكمية كبيرة من الذخيرة. كما احتوت المخبأ المكتشف على تعليمات لتنفيذ هجمات إرهابية داخل المغرب. وقد أكد نجاح هذه المهمة على فعالية تكامل الاستخبارات والتكنولوجيا المتقدمة والاستعداد التكتيكي في المغرب.
التأثيرات الاستراتيجية والإقليمية
الموقع الأمريكي اعتبر أن نجاح المغرب في مكافحة الإرهاب له آثار بعيدة المدى. فأسلوبه يشكل معياراً لمكافحة الإرهاب في مختلف أنحاء أفريقيا ومنطقة الساحل. ومن خلال استهداف قيادات داعش وتعطيل طرق التهريب، يساهم المغرب في إضعاف الشبكات الإرهابية خارج حدوده، ومساعدة الدول المجاورة مثل مالي في جهودها الأمنية.
كما أن أحد نقاط القوة الرئيسية التي تتمتع بها المغرب تكمن في تركيزها على الاستخبارات بدلاً من البيروقراطية. وتثبت المملكة أن جهازاً أمنياً متماسكاً ومنسقاً بشكل جيد يمكنه التفوق على أنظمة أكبر وأقل مرونة. ومن خلال الاستفادة من الاستخبارات عالية الجودة، يمكن للمغرب تنفيذ عمليات مستهدفة تعمل على تحييد التهديدات قبل أن تتطور إلى هجمات فعلية.
أحد نقاط القوة الرئيسية التي تتمتع بها المغرب تكمن في تركيزها على الاستخبارات بدلاً من البيروقراطية
وعلى الصعيد الدولي، تحافظ المغرب على تحالفات قوية مع الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ومن خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات العسكرية المشتركة والمشاركة النشطة في المبادرات الأمنية الإقليمية، لا يعمل المغرب على تعزيز أمنه الوطني فحسب، بل ويساعد أيضاً في جهود مكافحة الإرهاب العالمية. ويعزز هذا التعاون دور المغرب كجسر بين العالم الغربي والمناطق الأفريقية والعربية في مبادرات مكافحة الإرهاب.
إشادة دولية
وفي تعليقه على إحباط أجهزة الأمن المغربية مخططًا إرهابيًا خطيرًا، بتوجيه من قيادي بارز في تنظيم “داعش” بالساحل الإفريقي، أكد المدير السابق للاستخبارات بالمديرية العامة الفرنسية للأمن الخارجي، ألان جويي، أن المغرب لطالما كان في طليعة الدول في مكافحة الإرهاب، مشيدًا بقدراته الاستباقية واحترافية أجهزته الأمنية.
وأبرز جويي، وفقا لما نقل عنه موقع "24 ساعة" المغربي، أن “المغرب معروف بكونه أحد أكثر الدول كفاءة في مكافحة الإرهاب، بفضل قدراته الاستباقية ومعرفته الدقيقة بهذه الأوساط، مما يتيح له تحديد التهديدات بسرعة فائقة”.
وأشار المسؤول الأمني الفرنسي السابق إلى أن التحقيقات المغربية الأخيرة كشفت عن وجود منطقة جبلية يُشتبه في استخدامها كقاعدة خلفية لدعم الخلايا الإرهابية بالأسلحة والذخيرة، مشددًا على أن “التعاون بين المغرب وفرنسا في هذا المجال متميز، ويعكس فعالية الأجهزة الأمنية المغربية في التصدي للمخاطر الإرهابية قبل وقوعها”.
وخلص إلى أن التحقيقات الجارية لن تساهم فقط في فهم أبعاد هذه القضية، بل ستساعد أيضًا في كشف امتداداتها على المستوى الدولي، نظرًا للطبيعة العابرة للحدود للإرهاب.
كما أشاد المعهد الملكي للخدمات المتحدة “روسي” في بريطانيا بالدور الاستراتيجي الذي يلعبه المغرب في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، واصفا إياه بـ”الشريك الاستراتيجي”.
وأوضح أن المغرب يعتمد على موقعه الجغرافي، وعلاقاته التاريخية، وشراكاته التنموية لدعم الاستقرار الإقليمي، مشيرا إلى مبادرات المغرب، مثل “المبادرة الأطلسية” التي أطلقها الملك محمد السادس، والتي تهدف إلى تمكين دول الساحل غير الساحلية من الوصول إلى الطرق التجارية البحرية عبر الموانئ المغربية.
وسلط الضوء على مشاريع كبرى مثل أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي يعزز التكامل الاقتصادي بين غرب إفريقيا وأوروبا.
عيون التنظيمات المتطرفة على المغرب
يرى شرقاوي روداني، الأستاذ الجامعي المتخصص في الدبلوماسية والعلاقات الدولية والأمن وإدارة الأزمات، في تقرير نشره موقع “مودرن بوليسي” أنه نتيجة لهذا صار منتسبو تنظيم داعش في الصحراء الكبرى بقيادة أبوالبراء الصحراوي، إلى جانب الفصائل المنشقة عن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وبوكو حرام وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ينظرون الآن إلى المغرب باعتباره عقبة كبيرة أمام طموحاتهم.
وأكد في تصريح لصحيفة "العرب" اللندنية، أن هناك العديد من العوامل البنيوية التي تهدد المشهد الحالي، حيث تعاني الكثير من دول الساحل من ضعف الحكم، ما يخلق فجوات قابلة للاستغلال.
كما تشير الصحيفة إلى أن الجماعات الإرهابية تستهدف المغرب ليس فقط لتعطيل المنطقة، ولكن أيضًا كجزء من إستراتيجية أوسع لزعزعة استقرار دفاعات أوروبا. وباعتباره الحصن الأخير قبل شمال غرب أوروبا، فإن المغرب حيوي في تحييد تدفقات الجهاديين عبر الحدود.
وقد أدى تعاونه مع أجهزة الأمن الإسبانية والأميركية والفرنسية إلى تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية. وتجسد أحدث عملية مشتركة بين الوكالات المغربية والإسبانية في تشرين الثاني / نوفمبر 2024، والتي أجريت في تطوان ومدريد، تعاونًا أمنيًا استثنائيًا.