إسبانيا حائرة بين رضا المغاربة وغضب الجزائريين

إسبانيا حائرة بين رضا المغاربة وغضب الجزائريين


20/06/2022

ما بين جارتَين متشاكستَين؛ المغرب والجزائر، تعيش إسبانيا وضعاً لا تُحسد عليه؛ إذ كلما خطت خطوة باتجاه القضية محلّ النزاع، قضية الصحراء، تغضب إحداهما، وتتّخذ تدابير لمواجهتها، وإذا حاولت إرضاء الغاضبة، نالها غضب من كان من قبل راضياً، هكذا حالها اليوم بعد أن أصلحت علاقتها بالمغرب بعد أعوام من الخلافات، ليتسبّب ذلك في غضب الجزائر التي كانت محل رضا من قبل.

وبعيداً عن صاحب الأحقية في قضية الصحراء، فإسبانيا دولة ذات سيادة، لها حقّ تبنّي أيّة مواقف تلائم مصالحها، وكذلك الأمر بالنسبة للمغرب والجزائر، وكان إعلان مدريد القبول بالحل المغربي لقضية الصحراء، وهو منحها حكماً ذاتياً، سبب الغضب الجزائري، والذي لا يبدو أنّه سينتهي قريباً، وربما يمتدّ لدخول أطراف أوروبية أخرى ما بين داعم للجزائر ومعارض لها، خصوصاً في ظلّ مكانة الجزائر المهمة في سوق الطاقة الأوروبي.

تحولات إسبانية

وتسبب إعلان إسبانيا، عبر رسالة من رئيس الوزراء، بيدرو سانشيز، إلى الديوان الملكي المغرب، وتصريحات وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، في آذار (مارس) الماضي، بأنّ مدريد: "ترى مبادرة الحكم الذاتي المُقَدّمة في 2007 (من جانب المغرب) هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحلّ هذا النزاع" بين الرباط وجبهة بوليساريو، في اندلاع أزمة دبلوماسية بين الجزائر وإسبانيا.

العاهل المغربي ورئيس وزراء إسبانيا

وعقب ذلك استدعت الجزائر سفيرها في مدريد، وجاء في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية؛ أنّ السلطات الجزائرية "استغربت الانقلاب المفاجئ والتحول في موقف السلطة الإدارية السابقة بالصحراء الغربية، وعليه قررت الجزائر استدعاء سفيرها في مدريد فوراً للتشاور". وفي السياق ذاته دانت جبهة البوليساريو الموقف الإسباني.

واندلعت أزمة الصحراء الغربية بعد انسحاب دولة الاحتلال الإسبانية من المنطقة، عام 1975، وتنازع المغرب وجبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، على المنطقة، ونشب صراع مسلح توقف عام 1991، وصدر قرار من مجلس الأمن باتفاق الطرفين على تسوية للقضية، تنصّ على إجراء استفتاء حول حقّ تقرير المصير.

يعدّ الموقف الإسباني بالغ الحساسية بالنسبة للقضية الصحراوية؛ كون مدريد هي جهة الاحتلال السابقة للصحراء، إلى جانب وجود خلافات حدودية بين الرباط ومدريد حول سبتة ومليلة

وطرح المغرب خطة تسوية جديدة تقوم على منح المنطقة حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية، عام 2007، ولاقت الخطة قبولاً محدوداً في البداية، ومع مضي الوقت يزيد عدد الدول المرحبة بها.

وأعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء، وافتتاح قنصلية في مدينة العيون، فما عُرف بصفقة استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ووافقت إدارة بايدن التي خلفت ترامب على القرار.

غضب جزائري

ورحّب المغرب بالقرار الإسباني، الذي دعم بشدة مقترحها حول الحكم الذاتي للصحراء، التي يسيطر المغرب على 80% منها، بينما تبقى مساحة 20% تحت سيطرة جبهة البوليساريو، دون سيطرة على الشريط الساحلي الحدودي مع موريتانيا. وأوروبياً يعترف الاتحاد الأوروبي بموقف الأمم المتحدة من النزاع، والذي يطالب بحقّ تقرير المصير، بينما تختلف مواقف الدول الأوروبية؛ فمنها من يدعم المغرب مثل فرنسا وإسبانيا، وهما المحتل السابق لمنطقة شمال أفريقيا، في حين تتمسك ألمانيا بموقف الأمم المتحدة، وربما تكون إيطاليا على الخطّ نفسه، نظراً لعلاقتها الوطيدة بالجزائر.

ويعدّ الموقف الإسباني بالغ الحساسية بالنسبة إلى القضية الصحراوية، كون مدريد هي جهة الاحتلال السابقة للصحراء، إلى جانب وجود خلافات حدودية بين الرباط ومدريد حول سبتة ومليلة الخاضعتين للسيادة الإسبانية، بينما يعدّهما المغرب أراضي محتلة، فضلاً عن اشتراك البلدان الثلاثة في قضايا أمنية، مثل الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة، وكذلك ملفات اقتصادية أخرى، على رأسها تصدير الغاز الجزائري إلى إسبانيا.

عبد الله نادور: تأثّر الاقتصاد الجزائري بتعليق المعاهدة لن يكون كبيراً

وهدّدت الجزائر بقطع توريد الغاز عن إسبانيا حال قيامها بإعادة تصديره إلى طرف ثالث، وجاء قرار الجزائر بتعليق العمل بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا كأشدّ ردّ تجاه مدريد، وذلك في الثامن من الشهر الجاري.

ويقول الصحفي الجزائري عبد الله نادور: "الانقلاب المفاجئ في الموقف الإسباني تجاه القضية الصحراوية، ودعم مقترح المغرب غير القانوني وغير الشرعي، القاضي بالحكم الذاتي، في حقّ دولة مؤسسة للاتحاد الأفريقي، وقضية مسجلة في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي كقضية تصفية استعمار، يشكّل تهديداً مباشراً لأمن الجزائر ومحيطها الإستراتيجي". ولفت إلى المخاطر التي تتعرض بلاده لها من المغرب، بسبب دعمه حركتَي رشاد والماك، والتطبيع مع إسرائيل، المعروفة بعدائها للجزائر.

الصحفي الجزائري عبد الله نادور لـ"حفريات": تجميد اتفاقية الصداقة بين الجزائر وإسبانيا ستكون له آثار على الاقتصاد الإسباني، بالنظر للمبادلات التجارية بين البلدين والتي تفوق 2 مليار دولار

وقال لـ "حفريات": "معاهدة الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين الجزائر وإسبانيا، بتاريخ 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2002، من بين أبرز وأهم المعاهدات، وذلك بالنظر لحجم الاتفاقيات المنبثقة عنها، والتي تبلغ 55 اتفاقية في مختلف القطاعات؛ سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وعليه؛ فإنّ تجميد هذه الاتفاقية ستكون له آثار كبيرة جداً على الاقتصاد الإسباني، بالنظر للمبادلات التجارية الكبيرة بين البلدين والتي تفوق 2 مليار دولار".

وأشار الصحفي الجزائري، إلى أنّ تأثر الاقتصاد الجزائري بتعليق المعاهدة لن يكون كبيراً، وقال: "تعليق التعاون الأمني يثير مخاوف إسبانيا بخصوص تدفق الهجرة ومكافحة الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية؛ حيث تعي إسبانيا، ومعها أوروبا، قدرة الجزائر على التنسيق الأمني الجيد والكبير في تلك القضايا".

وذكر أنّ بلاده أكدت التزامها بعقود توريد الغاز إلى مدريد، لكن لديها الحقّ القانوني في مراجعة أسعار الغاز، وهو الأمر الذي سيؤثر بشدة على إسبانيا، في ظلّ الطلب العالمي الكبير على الطاقة.

ومن زاوية أخرى، يرى أستاذ العلوم السياسية الجزائري، محمد هناد، أنّ منظومة الحكم في الجزائر بموقفها هذا تودّ إرسال رسالة للداخل تقول: "الجزائر دولة إقليمية ضاربة، والذي يعارض مواقفها، داخلياً أو خارجياً، سيناله ردع"، وعلّل ذلك بـ "المشكلات الكثيرة التي تواجهها منظومة الحكم داخلياً في  مجال المشروعية السياسية وحسن الأداء".

وحول تأثير قرار تعليق اتفاقية الصداقة خارجياً، قال لـ "حفريات" إنّ "إقدام الجزائر على وقف التعامل مع إسبانيا، بسبب الانقلاب المفاجئ في موقفها من قضية الصحراء الغربية، يطرح إشكالاً كبيراً ما دامت إسبانيا دولة ذات سيادة، لا يُنتظر منها أن تربط سياستها الخارجية بسياسة الجزائر وتعادي المغرب مثلها، حتى وإن كانت هناك معاهدة صداقة وتعاون تجمع البلدين منذ 2002 في مجالات حيوية شتى".

د. محمد هناد: الجزائر ليس من حقّها مؤاخذة إسبانيا على موقفها الجديد من قضية الصحراء

وحذّر من مغبّة القرار الأحادي: "العلاقات التي تجمع بين البلدين هي علاقات تعاقدية ملزمة، وهي من الأهمية ما لا يُعقل أن تلغى هكذا، بين عشية وضحاها، بالنظر إلى الجهات الكثيرة المتضرِّرة من مثل هذا الموقف وكذا بالنظر إلى بند المعاهدة الذي ينصّ على "الالتزام بتسوية الخلافات التي قد تنشأ بين البلدين بالطرق السلمية، بحيث لا تهدّد السلم والأمن الدوليين وتلتزم في جوّ من الصداقة والثقة بإيجاد حلّ عادل لكلّ خلاف ثنائي يتطابق مع القانون الدولي". ومن ناحية أخرى؛ فإنّ الجزائر ليس من حقّها مؤاخذة إسبانيا على موقفها الجديد من قضية الصحراء الغربية بدعوى أنها "القوة المتصرِّفة" ما دام الإقليم ليس أرضاً جزائرية، وهي ليست الأمم المتحدة، كما أنّها ليست سوى طرف ملاحظ في القضية".

رؤية مغربية

وفي شهر نيسان (أبريل) من العام الماضي، اندلعت أزمة دبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، على خلفية استضافة الأخيرة زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، للعلاج بشكل سرّي. وخلال الأزمة تدفقت موجات من المهاجرين المغاربة على منطقة مليلة، قبل أن تعاود العلاقات التحسن مع تغيّر موقف مدريد من قضية الصحراء.

ويقول الصحفي والباحث الأكاديمي، نور الدين اليزيد: "الموقف الإسباني ليس كما حاول النظام الجزائري بداية الأمر الترويج له؛ من كونه موقف نخبة سياسية إسبانية، سرعان ما سيزول بزوالها، لكنّه موقف ما فتئ الساسة الإسبان يؤكّدون على أنّه موقف دولة، وتغيّر إستراتيجي اتّخذ بعد دراسته جيداً من لدن صنّاع القرار، بمن فيهم ما يمكن أن تسمَّى الدولة العميقة في مدريد؛ وإلا فإنّه لم يكن من اليسير على دولة لها مسؤوليات تاريخية وأخلاقية على الإقليم المتنازع عليه، بحكم أنّها هي من كانت تحتله، أن تغيّر بين عشية وضحاها موقفاً بهذه الأهمية، لولا أنّها رأت فيه الأصوب والأنجع".

نور الدين اليزيد: الموقف الإسباني تحكّمت فيه التطورات الإقليمية والدولية

وأضاف الصحفي المغربي لـ "حفريات": "الموقف الإسباني تحكمت فيه التطورات الإقليمية والدولية كذلك؛ وأبرز هذه الأحداث المواقف العدائية وغير المبررة طيلة الأشهر الأخيرة للنظام الجزائري تجاه المغرب، ومنها: عدم تجديد عقد أنبوب الغاز الجزائر - إسبانيا عبر المغرب، ما أبرز إلى أي مدى يفتقد النظام الجزائري القدرة على تبني رؤية إستراتيجية تضمن له مصالحه، بحيث كانت الخطوة رسالة قوية ليس إلى المغرب فقط، لكن، وهذا هو الأخطر، كانت موجهة إلى إسبانيا ومعها أوروبا، التي رأت أنّ الجار الجزائري لا يلقي بالاً لمسألة الاندماج الإقليمي بخلاف المغرب الذي أثبت أنّه شريك يعتمد عليه في مختلف القضايا".

ويُذكر أنّه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 أعلنت جبهة البوليساريو تعليق وقف إطلاق النار من جانب واحد، واستئناف عملياتها العسكرية ضدّ القوات المغربية.

مواضيع ذات صلة:

بعد تعليق الجزائر التجارة مع إسبانيا... إلى أي مدى سيتأثر اقتصاد الدولتين؟

الإخوان في إسبانيا.. أذرع تنشر التطرف

كيف ستكون تبعات قرار تبون بوقف ضخ الغاز إلى إسبانيا عبر المغرب؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية