
مع سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، مطلع العام الجاري، ظن الكثيرون أنّ جماعة الإخوان المسلمين، التي عاشت عقوداً من المنفى والملاحقة، ستعود بقوة إلى المشهد السياسي. إلا أنّ الواقع كان مختلفاً تماماً؛ فمحاولات الإخوان لإعادة تموضعهم في الساحة السورية باءت بالفشل، نتيجة عوامل سياسية، وشعبية، وإقليمية ودولية، جعلت من عودتهم إلى الحكم حلماً مستحيل التحقيق.
إرث الماضي
بحسب مراقبين، ما تزال ذاكرة السوريين مثقلة بأحداث الصراع بين الإخوان والنظام في الثمانينيات، والتي بلغت ذروتها في مجازر حماة وحلب، ورغم سقوط الأسد لم يغفر الشعب السوري للجماعة سجلها العنيف، فقد ظلت صورتها مرتبطة بالفوضى والدماء. هذا الإرث جعل قطاعات واسعة من السوريين ترفض أيّ دور مستقبلي للجماعة، خاصة في ظل تصاعد النزعة الوطنية الرافضة لهيمنة الحركات الإيديولوجية.
ومنذ الأيام الأولى لحكم أحمد الشرع، سعى النظام الجديد إلى بناء دولة حديثة تستند إلى تعددية سياسية ومدنية حقيقية. كان هذا النهج يتناقض مع رؤية الإخوان الذين سعوا لفرض أنفسهم كقوة سياسية محورية، إلا أنّ القوى السياسية السورية الأخرى، بما فيها المعارضة السابقة، فضّلت استبعاد الجماعة، معتبرة إيّاها عائقاً أمام بناء مستقبل ديمقراطي مستقر.
عقبات في طريق العودة
"الإخوان لم يعد لديهم ما يقدمونه للسوريين"، هكذا يلخص الباحث السياسي رضوان السيد الوضع خلال حديثه إلى (سكاي نيوز عربية)، مشيراً إلى أنّ التنظيم يعاني من تراجع شعبي واضح في سوريا؛ نتيجة التجربة المريرة التي مر بها خلال العقود الماضية. ورغم أنّ التنظيم كان يحظى بنفوذ في بعض المناطق، خاصة تلك التي شهدت تدخلات تركية، إلا أنّ التحولات السياسية الأخيرة قلصت من فرص الإخوان في تحقيق أيّ اختراق حقيقي. كما أنّ التوجه العربي نحو دعم دمشق، في إطار استعادة الاستقرار، جعل من الصعب على التنظيم إيجاد قاعدة جديدة للانطلاق.
فشل الإخوان في استغلال الانقسامات داخل المعارضة
رغم محاولات الإخوان التسلل إلى التحالفات السياسية الجديدة، إلا أنّهم فشلوا في استغلال الخلافات داخل المعارضة لمصلحتهم، إضافة إلى ذلك، القوى السياسية السورية المختلفة التي تعلمت من تجارب دول أخرى، أدركت أنّ السماح للإخوان بالمشاركة في الحكم قد يؤدي إلى إعادة إنتاج نموذج حكم إسلامي إقصائي، كما حدث في مصر عام 2012، هذا الوعي السياسي أدى إلى إقصاء الجماعة من أيّ ترتيبات سياسية حقيقية، بحسب بعض المراقبين.
وتشير تقارير إلى أنّ الجماعة كانت تعتمد بشكل كبير على دعم إقليمي ودولي، إلا أنّ التغيرات الجيوسياسية جعلت هذا الدعم يتراجع، فمع تغير أولويات الدول الداعمة، مثل تركيا وقطر، وتحول المواقف تجاه الحركات الإسلامية بعد فشل تجاربها في الحكم في دول أخرى، تضاءلت قدرة الإخوان على المناورة، كما أنّ الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا، لم تعد ترى في الإخوان شريكاً يمكن التعويل عليه في بناء سوريا الجديدة.
انشقاقات داخلية وتراجع التأثير الشعبي
تعرضت الجماعة، بحسب تقارير، لانقسامات داخلية نتيجة الخلافات حول استراتيجيات العمل السياسي في سوريا ما بعد الأسد، بعض القيادات رأت ضرورة الانخراط في المسار الديمقراطي الجديد، بينما تمسكت تيارات أخرى بمنهجها التقليدي في محاولة فرض رؤيتها الإيديولوجية، وهذه الانقسامات أدت إلى مزيد من العزلة، ممّا أفقد الإخوان أيّ قاعدة شعبية حقيقية.
وقد حاول الإخوان استخدام وسائل الإعلام لإعادة تلميع صورتهم، إلا أنّ الوعي العام لدى السوريين أفشل هذه المحاولات، فمع انتشار وسائل الإعلام المستقلة والمنصات الرقمية، أصبح لدى السوريين إدراك أوسع بحقيقة ممارسات الجماعة في دول أخرى، ممّا أسهم في إحباط أيّ جهود لاستعادة ثقة الجمهور.
حظر أنشطة التنظيم
الأسبوع الماضي كشفت مصادر مطلعة لموقع (العين الإخبارية) أنّ الإدارة السورية الجديدة مررت رسالة إلى المراقب العام لجماعة الإخوان تطالبه فيها بتجميد النشاط في الوقت الراهن.
ولم تذكر المصادر توقيت الرسالة التي مررها الرئيس السوري أحمد الشرع لجماعة الإخوان ومراقبها العام في سوريا عامر البوسلامة، لكنّها قالت إنّ قرار دمشق كان محور نقاشات متوترة خلال اجتماع لقادة التنظيم الدولي عُقد في كانون الثاني (يناير) الماضي.
المصادر أكدت أن مقرّباً من الرئيس السوري أبلغ المراقب العام للجماعة البوسلامة برغبة دمشق في تجميد نشاط الإخوان، وأنّ البوسلامة نقل فحوى رسالة الشرع إلى عضو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان والمراقب العام السابق لإخوان سوريا محمد حكمت وليد.
تحويل سوريا إلى ساحة صراع إيديولوجي
نقلت صحيفة (تلغراف) أنّه بالرغم من التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها سوريا، ما تزال جماعة الإخوان المسلمين تستغل حالة الفراغ السياسي والفوضى لترسيخ نفوذها داخل مؤسسات الدولة، وتعتمد الجماعة على تحالفات مع دول داعمة لها لزيادة تمددها ومحاولة اختراق أجهزة الحكم، وفي هذا السياق تعمل الجماعة على تحويل سوريا إلى ساحة لصراعات إيديولوجية عابرة للحدود، ممّا يزيد من مخاطر زعزعة الاستقرار الداخلي، ويهدد بتقويض أيّ جهود لإعادة بناء الدولة.
وفي هذا الإطار كشف الباحث السياسي السوري غسان إبراهيم، بحسب ما نقله موقع (شعاع)، عن الأهداف التي يسعى إليها تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، مشيراً إلى محاولاتهم الحثيثة لاختراق مؤسسات الدولة خلال هذه المرحلة المضطربة. وأوضح أنّ الجماعة استغلت حالة الفوضى وغياب المؤسسات القوية لتعزيز وجودها داخل هيئات الحكومة. كما أشار إلى أنّ بعض أعضاء وفد أحمد الشرع، خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية، كانوا منتمين إلى الإخوان، ممّا يعكس مدى تنظيم الجماعة وتحالفها مع جهات دولية داعمة. وأضاف إبراهيم أنّ الإخوان لا يعترفون بمفهوم الدولة الوطنية، بل يسعون إلى نشر مشروعهم الإيديولوجي العابر للحدود، ممّا يمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل سوريا واستقرارها.
وعلى الرغم من اعتقاد الإخوان المسلمين بأنّ سقوط نظام الأسد سيشكل فرصة ذهبية لهم للعودة إلى السلطة، فإنّ الواقع السياسي والاجتماعي والدولي كان ضدهم. الإرث الدموي، وغياب الحاضنة الشعبية، والتغيرات الإقليمية، وانعدام الثقة السياسية، كلها عوامل أسهمت في تحطم حلم الجماعة بالعودة إلى المشهد السياسي في سوريا. وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أنّ الإخوان أصبحوا خارج الحسابات السياسية، وأنّ مستقبل سوريا الجديد سيتشكّل بدون وجودهم.