سوريا... الجماعات المسلحة والتدخلات الدولية

سوريا... الجماعات المسلحة والتدخلات الدولية

سوريا... الجماعات المسلحة والتدخلات الدولية


16/02/2025

أفرد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات دراسة لإيضاح الدور الذي تلعبه  الجماعات المسلحة في معادلات القوة الإقليمية، خاصة في ظل الأزمات التي اجتاحت سوريا والعراق واليمن.

وقد شهدت المنطقة العربية تحولات كبرى خلال العقد الأخير، خاصة مع سقوط نظام بشار الأسد، ومن المتوقع أن تدخل هذه الجماعات في مرحلة جديدة من إعادة التموضع والبحث عن حلفاء وموارد جديدة للبقاء والتأثير. 

في الوقت نفسه، ستشهد المنطقة إعادة توزيع للنفوذ الإقليمي، وستسعى دول مثل إيران وتركيا إلى إعادة ضبط استراتيجياتها بناءً على المستجدات. 

وبحسب الدراسة فقد شكلت إيران العمود الفقري لدعم العديد من الجماعات المسلحة في سوريا والعراق منذ عام 2011، معتبرة ذلك جزءاً من استراتيجيتها الإقليمية لمواجهة النفوذ الأمريكي والعربي في المنطقة. ومع سقوط الأسد، ستواجه إيران تحديات جمة في استمرار دعم هذه المجموعات، سواء بسبب الضغط الدولي المتزايد أو بفعل التغيرات الداخلية التي قد تطرأ على النظام الإيراني نفسه. ومن المحتمل أن تعتمد إيران على أساليب غير مباشرة في الدعم، مثل تهريب الأسلحة عبر العراق ولبنان، أو تمويل العمليات عبر شبكات اقتصادية معقدة تشمل تجارة المخدرات وعمليات غسل الأموال. وقد تلجأ إلى إعادة توجيه الدعم نحو الجماعات الأكثر ولاءً لها، مثل حزب الله، الذي يمتلك بنية تنظيمية أقوى وقدرة على البقاء والاستمرار بمعزل عن الدولة السورية.


قد تلجأ الجماعات المسلحة إلى عدد من الوسائل؛ أبرزها: الاقتصاد الموازي، والجريمة المنظمة مثل تهريب المخدرات، وتجارة النفط غير المشروعة، وفرض الإتاوات.

وأكدت الدراسة أنّه مع تضاؤل الدعم الإيراني المحتمل، ستجد الجماعات المسلحة نفسها في حاجة ملحة إلى مصادر تمويل وتسليح بديلة. في هذا الإطار قد تلجأ هذه الجماعات إلى عدد من الوسائل؛ أبرزه: الاقتصاد الموازي والجريمة المنظمة: مثل تهريب المخدرات، وتجارة النفط غير المشروعة، وفرض الإتاوات في المناطق التي تسيطر عليها، والتعاون مع قوى إقليمية أخرى، مثل بعض الدول التي قد تسعى لاستقطاب بعض الفصائل المسلحة السنّية لخدمة مصالحها في سوريا والعراق، هذا إلى جانب الدعم الشعبي والجمعيات الخيرية، عبر استغلال التبرعات القادمة من أفراد أو منظمات مدنية متعاطفة مع إيديولوجياتها.

الباحث في شؤون الشرق الأوسط آرون لوند قال: إنّ "تفكك النظام السوري قد يفتح الباب أمام صراعات داخلية جديدة بين الفصائل المسلحة، وستتنافس الجماعات المدعومة من جهات إقليمية مختلفة على السيطرة". في المقابل يشير الخبير في الحركات الجهادية تشارلز ليستر   إلى أنّ "غياب سلطة مركزية قوية في سوريا قد يمنح الجماعات المتطرفة فرصة لإعادة التموضع، خاصة في المناطق الحدودية مع العراق ولبنان".

الباحث في شؤون الشرق الأوسط: آرون لوند

من جانبه، يرى الباحث في الجغرافيا السياسية فابريس بالونش أنّ "تركيا وإيران ستكونان أكثر الأطراف تأثراً بسقوط الأسد، وستسعى كل منهما إلى تأمين مصالحها عبر وكلائها المحليين، ممّا قد يؤدي إلى تصاعد المواجهات على الأرض". 

ويرى محللون آخرون شاركوا في الدراسة التي أجراها المركز الأوروبي أنّ إعادة الاستقرار إلى سوريا تتطلب توافقاً دولياً وإقليمياً، وستلعب واشنطن وموسكو دوراً رئيسياً في تحديد شكل النظام الجديد ومستقبل الجماعات المسلحة.

حول تأثير الجماعات على الوضع الأمني في العراق، أظهرت الدراسة أنّه ما يزال ساحة رئيسية لنشاط الجماعات المسلحة، خاصة تلك المدعومة من إيران. ومع سقوط الأسد، قد تجد بعض الجماعات المسلحة داخل العراق، مثل الحشد الشعبي، نفسها في وضع معقد، وسيتعين عليها إعادة ترتيب أولوياتها الأمنية والسياسية. فإمّا أن تنخرط في الداخل العراقي بصورة أعمق، وإمّا تسعى للحفاظ على نفوذها في سوريا لمنع تمدد قوى أخرى مثل داعش أو الجماعات المدعومة من تركيا.

محللون: إعادة الاستقرار إلى سوريا تتطلب توافقاً دولياً وإقليمياً، وسوف تلعب واشنطن وموسكو دوراً رئيسياً في تحديد شكل النظام الجديد ومستقبل الجماعات المسلحة.

وأشارت الدراسة إلى احتمال نشوب صراعات داخلية بين الفصائل المسلحة المختلفة على النفوذ والمناطق الاستراتيجية، ممّا سيؤدي إلى موجة جديدة من الاضطرابات الأمنية داخل العراق. كما أنّ الحكومة العراقية، التي تحاول تحقيق توازن بين واشنطن وطهران، قد تجد نفسها أمام تحدٍّ صعب في التعامل مع هذه الجماعات.

حول التحركات العسكرية والسياسية في سوريا بعد الأسد فإنّ الجماعات المسلحة تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على نفوذها. بعضها قد يحاول التكيف مع الحكومة الجديدة عبر الاندماج في مؤسسات الدولة أو إعادة تشكيل نفسه ككيانات سياسية شرعية، بينما قد تلجأ جماعات أخرى إلى تصعيد العمل العسكري لتعويض خسائرها. فالفصائل التي كانت تعتمد على الدعم الإيراني قد تجد نفسها في موقف صعب إذا ما قررت طهران تقليص تمويلها أو إعادة توجيه دعمها إلى ساحات أخرى مثل العراق واليمن. على المدى المتوسط، قد تصبح بعض الفصائل المسلحة أدوات في صراعات إقليمية بين القوى الكبرى، ممّا يطيل أمد عدم الاستقرار داخل سوريا. في المقابل ستسعى الحكومة السورية الجديدة إلى استيعاب بعض الفصائل المعتدلة ضمن الجيش الوطني أو الأجهزة الأمنية، في محاولة لخلق توازن جديد يمنع حدوث فراغ أمني قد تستغله الجماعات المتطرفة مثل داعش أو تنظيمات أخرى.

وأوضحت دراسة المركز الأوروبي أنّه بعد سقوط نظام الأسد وتولي أحمد الشرع رئاسة سوريا، بدأت معادلات القوة تتغير بسرعة على الأرض، وقد توزعت السيطرة بين الفصائل المسلحة والقوى الإقليمية، ومن أبرز التطورات: تصاعد الصراعات الداخلية، وتعزيز النفوذ الكردي، وبروز مناطق حكم ذاتي، وتدخلات إقليمية ودولية مكثفة.

رئيس الجمهورية العربيَّة السوريَّة للمرحلة الانتقالية: أحمد الشرع

وأكدت الدراسة أنّ التحالفات الإقليمية تلعب دوراً محورياً في الحد من نفوذ الجماعات المسلحة التي استغلت الفوضى السياسية والعسكرية خلال الأعوام الماضية. وتسعى الدول العربية إلى إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية عبر تقديم الدعم السياسي والاقتصادي للحكومة الجديدة، مع تعزيز التعاون الأمني لضبط الحدود ومنع تدفق السلاح والمقاتلين إلى الداخل السوري.

وتحاول تركيا، التي دعمت فصائل معارضة في الشمال، التفاوض على تسوية تضمن مصالحها الأمنية، خاصة فيما يتعلق بالحد من النفوذ الكردي. من جهة أخرى تعمل إيران للحفاظ على نفوذها عبر الفصائل المسلحة التي دعمتها خلال الحرب، ممّا يدفع القوى العربية إلى تعزيز التنسيق الأمني والعسكري للحد من هذا التأثير.

من أبرز التطورات في سوريا: تصاعد الصراعات الداخلية، وتعزيز النفوذ الكردي، وبروز مناطق حكم ذاتي، وتدخلات إقليمية ودولية مكثفة.

الدور الروسي يظل مؤثراً، وتحاول موسكو دفع الفصائل الموالية لها إلى الاندماج في الجيش السوري الجديد لضمان توازن القوى. 

أمّا واشنطن وبروكسل، فستنظران إلى مرحلة ما بعد الأسد من زاوية مكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي. وستحاول الولايات المتحدة دعم القوى التي تتماشى مع استراتيجيتها في محاربة الجماعات المتطرفة، بينما سيظل الاتحاد الأوروبي مهتمّاً بملف اللاجئين ومنع تصدير الإرهاب إلى أراضيه. كما أنّ الطرفين سيعتمدان على فرض عقوبات اقتصادية لمحاصرة مصادر تمويل هذه الجماعات.

وفي النهاية؛ فإنّه بعد سقوط نظام الأسد وتولي أحمد الشرع الحكم، تمرّ سوريا بمرحلة تحول حاسمة في توازنات القوى الإقليمية، فمن المحتمل أن تسعى إيران للحفاظ على نفوذها في سوريا من خلال دعم الفصائل المسلحة الموالية لها، لكنّها ستواجه تحديات كبيرة، خاصة مع محاولات الحكومة الجديدة تقليل الاعتماد على النفوذ الإيراني. أمّا تركيا، فإنّها ترى سقوط الأسد فرصة لتعزيز دورها في الشمال السوري، وستحاول بسط نفوذها عبر دعم فصائل موالية لها والتوسع عسكرياً تحت ذريعة حماية أمنها القومي. أمّا الدول العربية، فتتجه نحو استعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، ممّا قد يؤدي إلى تحجيم دور الجماعات المسلحة وتدعيم استقرار النظام الجديد.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية