ما الذي يحدث في سوريا؟ هل غادر قطار الفوضى إلى محطة جديدة؟

ما الذي يحدث في سوريا؟ هل غادر قطار الفوضى إلى محطة جديدة؟

ما الذي يحدث في سوريا؟ هل غادر قطار الفوضى إلى محطة جديدة؟


01/12/2024

في تحول مفاجئ على الصعيد الميداني في سوريا، وصل مسلحون إسلاميون إلى حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، يوم الجمعة الفائت، بعد هجوم خاطف ضدّ قوات بشار الأسد المدعومة من حلفائه الروس والإيرانيين.

وتُعدّ هذه المعارك هي الأعنف منذ أعوام، إذ أسفرت عن مقتل (255) شخصاً، معظمهم من المقاتلين، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وقالت الأمم المتحدة إنّ (27) مدنياً على الأقل قتلوا، بالإضافة إلى نزوح أكثر من (14) ألف شخص خلال الأيام الـ (3) الماضية.

قوات النظام تراجعت بصورة مباغتة، وقد قُتل رئيس الفرع العسكري لمدينة حلب، اللواء أحمد خضر العلي، وفرّ محافظ حلب من المدينة، كما انسحبت عناصر الشرطة وقوات الأمن من وسط حلب، وسيطر مسلحو هيئة تحرير الشام على غالبية المدينة، وفرت القوات الحكومية، باتجاه الجنوب الشرقي إلى منطقة السفيرة.

وانطلقت المعارك يوم الأربعاء الفائت من مناطق تسيطر عليها جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية، وانضمت إليها فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، تطلق على نفسها اسم الجيش الوطني السوري.

جدير بالذكر أنّه منذ العام 2020 ظلّ الصراع في سوريا ثابتاً إلى حد كبير، مع وجود اشتباكات منخفضة المستوى فقط بين المتمردين وقوات الأسد، حيث توصلت تركيا وروسيا إلى هدنة في العام 2020. وبناء عليه، أوقفت الحكومة السورية حملتها لاستعادة الأجزاء التي يسيطر عليها المتمردون في إدلب.

خريطة ميدانية معقدة

لا يهيمن نظام الأسد بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية على كامل التراب السوري، فهناك نحو 30% من مساحة البلاد تسيطر عليها مجموعة من قوات المعارضة والقوات الأجنبية.

وما تزال إيران هي الدولة صاحبة الوجود العسكري الأكبر في الأراضي السورية، مقارنة مع بقية القوى الأجنبية، بنحو (529) موقعاً عسكرياً. وتحتفظ الولايات المتحدة بنحو (900) جندي في شمال شرق سوريا بعيداً عن حلب، تحسباً لعودة تنظيم الدولة الإسلامية. وما تزال القوات الروسية موجودة على الأرض في سوريا، خاصة في الشمال الغربي، وتشمل المواقع الروسية في سوريا (21) قاعدة، و(93) نقطة عسكرية، بينها (12) في حلب. كما أنّ لتركيا قوات تنتشر في سوريا أيضاً، ولها نفوذ على التحالف الواسع من قوات المعارضة التي تقتحم حلب الآن. وتشمل المواقع العسكرية التركية في سوريا (12) قاعدة و(114) نقطة، غالبيتها في محافظة حلب، بواقع (58) موقعاً عسكرياً، في حين يوجد (51) موقعاً في إدلب، و(10) في الرقة، و(4) في الحسكة، و(2) في اللاذقية، وموقع واحد في حماة.

وتوجد في حلب مناطق تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وينتشر الأكراد في تل رفعت في شمال حلب، وفور انسحاب الجيش السوري تحركت عناصر من قسد لتسيطر على بعض المناطق في حلب، دون حدوث مواجهات مع الفصائل المسلحة. كما نفذت روسيا منذ ساعات، لأول مرة، غارات جوية في حلب، ممّا أسفر عن مقتل العديد من المدنيين والمتمردين.

وتنتشر في حلب أيضاً ميليشيات قبائل العشائر العربية، التي يقودها إبراهيم الهفل، زعيم اتحاد عشائر العكيدات، المنحدر من قبيلة البوكمال، وهي قوات شبه نظامية، موالية للأسد، تشكل ممراً للعناصر المؤيدة للنظام، بين دير الزور وحلب، وهي فصائل مسلحة من المستوى الثالث، تشارك في عمليات عسكرية وشبه عسكرية حركية في سوريا، وخاصة في المنطقة الشرقية، للضغط على قوات قسد الكردية

زعيم اتحاد عشائر العكيدات: إبراهيم الهفل

هذه الخريطة المعقدة تنبئ بصعوبة التوافق بين الفرقاء حول تسوية سياسية، وتجعل ميدان المعركة هو الفيصل، إلّا إذا كان هناك توافق بين القوى الكبرى حول ضرورة إنهاء وجود نظام الأسد، وتغيير خريطة المنطقة بأكملها، بالتزامن مع ما يحدث في غزة ولبنان. فليس من السهل تغيير قواعد اللعبة بصورة مفاجئة، دون وجود تصور ما بين القوى الدولية اللاعبة في سوريا.
الجولاني يخلع عباءة الإرهابي

برز اسم زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني في الساعات الأخيرة، بوصفه قائد القوات الرئيسية التي تواجه النظام في حلب.

في العام 2011، في الأشهر الأولى من الحرب السورية، برز أبو محمد الجولاني كزعيم لفرع تنظيم القاعدة في سوريا، وقد أعلن الجولاني ومجموعته منذ البداية مسؤوليتهم عن عدد من التفجيرات القاتلة، وتعهدوا بمهاجمة القوات الغربية، وصادروا ممتلكات الأقليات الدينية، وكونوا الشرطة الدينية لفرض اللباس المحتشم على النساء. وبدورها صنفت الولايات المتحدة والأمم المتحدة هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية.

زعيم جبهة فتح الشام: أبو محمد الجولاني

الجولاني الذي أسّس جبهة النصرة كجماعة فرعية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، رفض في العام 2013 تعليمات البغدادي بحل جبهة النصرة كجماعة مستقلة وضمها إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وأعلن الولاء لتنظيم القاعدة وزعيمه في ذلك الوقت أيمن الظواهري. وفي عام 2016 أعلن الجولاني أنّ جبهة النصرة غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام، وقطعت علاقاتها مع تنظيم القاعدة. 

وفي أيار (مايو) 2017 عرض مكتب التحقيقات الفيدرالي مكافأة قدرها (10) ملايين دولار، مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد هويته أو مكانه. وفي العام نفسه أعلنت جبهة فتح الشام عن تشكيل هيئة تحرير الشام، وهو تحالف بينها وبين جماعات جهادية أخرى مثل جبهة أنصار الدين، وجيش السنة، ولواء الحق، وحركة نور الدين الزنكي. وضم التحالف فيما بعد المزيد من الفصائل والجماعات. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2017 تمّ قبول استقالة هاشم الشيخ (أبو جابر) كقائد عام لهيئة تحرير الشام، وتمّ تكليف الجولاني بإدارة شؤون التحالف.

وشنّ الجولاني حملة صارمة على بعض الجماعات المتطرفة في أراضيه، وبدأ يصور نفسه بشكل متزايد على أنّه يحمي الأقليات الدينية، بل سمح في العام الماضي بإقامة أول قداس مسيحي في مدينة إدلب منذ أعوام. وبحلول العام 2018 اعترفت إدارة ترامب بأنها لم تعد تستهدف الجولاني بشكل مباشر، لكنّ هيئة تحرير الشام سمحت لبعض الجماعات المسلحة المطلوبة  بمواصلة العمل على أراضيها، وأطلقت النار على القوات الخاصة الأمريكية، قبل أن تتوقف في النهاية عن مضايقة الأمريكان، واستمر الجولاني في التحول إلى رجل دولة، يرتدي ملابس عصرية، ويبدو أنّه طيلة تلك الفترة عمل مع الأمريكيين للترويج لنموذج الدولة الإسلامية العصرية في سوريا.

مغزى التحول العسكري السريع على الأرض

يمكن القول إنّ إدارة بايدن تريد إحداث تغيير جذري في المنطقة قبل رحيلها في كانون الثاني (يناير) المقبل، وربما تهدف إلى فتح جبهة جديدة للضغط على روسيا، واختبار نوايا النظام الإيراني، بعد تقليم أظافر جناحه العسكري في لبنان (حزب الله). وهو أمر ربما يشتت الآلة العسكرية الروسية التي تسابق الوقت من أجل طرد الجيش الأوكراني من كورسك، قبل مجيء ترامب، وتثبيت مواقعها على جبهتي دونيتسك وخاركيف.

الرغبة الأمريكية تتلاقى مع المخطط التركي الرامي إلى تقويض الوجود الكردي في حلب، والضغط على حلفاء حزب العمال الكردستاني بشن عملية كبيرة في سوريا، ربما تمتد إلى العراق.

ومع افتراض ما يروج له من وجود تفهم روسي لمخطط الإطاحة بالأسد، فإنّ ذلك لن يتم إلّا عن طريق تقديم امتيازات جديدة للروس في سوريا، على حساب الوجود الإيراني، وإدراج ذلك ضمن صفقة كبرى تتضمن التسوية في أوكرانيا. وإن كان الوضع الانتقالي للإدارة الأمريكية يجعل من ذلك أمراً شديد الصعوبة، لكن ربما تكون أنقرة ضلعاً في اتفاق جزئي مع موسكو في سوريا.

وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد نفى تورط بلاده في الصراعات الدائرة في حلب، وزعم أنّ أنقرة اتخذت الإجراءات اللازمة على الحدود السورية. وأضاف في تصريح لوسائل الإعلام الرسمية، خلال منتدى (تي آر تي وورلد): "لن نتخذ أيّ إجراء من شأنه إثارة موجة جديدة من الهجرة".

وقد تمكن المتمردون في الساعات القليلة الماضية من انتزاع السيطرة على أكثر من (50) بلدة وقرية من قوات الأسد، كما تمكنت جماعة هيئة تحرير الشام من السيطرة على عدة مدن وبلدات في شمال حماة، بالإضافة إلى مطار حلب الوطني، وتُعدّ هذه هي المرة الأولى التي تسيطر فيها هيئة تحرير الشام على مطار مدني.

وفي هذه الأثناء قال قائد إحدى الميليشيات الموالية للحكومة، ويدعى أبو محمود عمر: "الساعات المقبلة ستكون حاسمة للمعارك، بعد وصول تعزيزات عسكرية كبيرة من الجيش السوري والقوات الحليفة إلى حلب".

وبحسب آخر التطورات الميدانية، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان: إنّ (16) شخصاً على الأقل قتلوا، وأصيب نحو (20) آخرين، في غارات جوية، ربما روسية، استهدفت تجمعاً في دوار الباسل في حلب.

وكانت روسيا داعماً ثابتاً للرئيس السوري بشار الأسد، وقد قدمت له المساعدات العسكرية لتأمين مصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك القاعدة البحرية في طرطوس، والجوية في حميميم. وعلى نحو مماثل تدعم إيران الأسد لتعزيز موطئ قدمها في المنطقة، باستخدام سوريا كممر حيوي لإمداد حزب الله في لبنان.

الرئيس السوري: بشار الأسد

وتبدو احتمالات امتداد الصراع إلى العراق مقبولة بشكل كبير. وقال الجيش العراقي في بيان عاجل: إنّه أمّن حدوده مع سوريا، وتمّ تجهيز قوات الحدود بأسلحة متطورة، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار، وكاميرات حرارية، لصد محاولات تسلل المسلحين. وقال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، لشبكة (إن بي سي نيوز): إنّ القوات المسلحة وجميع التشكيلات الأمنية مستعدة لحماية حدود العراق وأجوائه من التهديدات المحتملة، مضيفاً أنّ عناصر الاستخبارات تراقب بشكل مستمر أيّ تحركات إرهابية.

ويعاني العراق بالفعل من تحديات أمنية كبيرة بسبب وجود خلايا نائمة لتنظيم داعش، ممّا يجعل أيّ تصعيد في سوريا مصدر قلق إضافي. وتتعالى الآن دعوات من بعض العراقيين لإرسال مقاتلين من الحشد الشعبي، المدعومة من إيران، إلى سوريا، وهو أمر ربما تنتظره الولايات المتحدة وإسرائيل للحصول على صيد ثمين.

بدوره، قال مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين دقيقي أمس السبت، بحسب وكالة (إيران إنترناشيونال): إنّ "العدو غير قادر على القيام بأيّ عمل مؤثر، لأنّ شبكات المقاومة منظمة بشكل منهجي، ومحاولاته للتدخل في سوريا ستؤدي إلى قطع يده بشكل حاسم، وستترك علامة في التاريخ لن تُنسى".

محاولات امتصاص الصدمة

أعلن الجيش السوري عن قيامه بعملية إعادة انتشار في حلب. وقال الجيش السوري إنّ الأعداد الكبيرة للإرهابيين، وتعدد جبهات القتال، دفعت قواته المسلحة إلى تنفيذ عملية إعادة انتشار، بهدف تعزيز خطوط الدفاع لامتصاص الهجوم، والحفاظ على أرواح المدنيين والعسكريين والاستعداد للهجوم المضاد.

وأفاد الجيش السوري بأنّ عشرات الرجال من قواته المسلحة قتلوا وأصيب آخرون؛ نتيجة تمكن التنظيمات الإرهابية خلال الساعات الماضية، من الدخول إلى أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب

يتزامن ذلك مع تقارير زعمت أنّ المتمردين استولوا على مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري، حيث يوجد برنامج الأسلحة الكيميائية، بين الأصول العسكرية الأخرى.

بدورها قالت وزارة الدفاع الروسية: إنّ قواتها الجوية نفذت ضربات على المتمردين السوريين  دعماً لجيش البلاد، حسبما ذكرت وكالات الأنباء الروسية، لكنّ الضربات ليس لها ذلك التأثير الذي اختبره الجميع في العام 2016.

وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد وصل إلى موسكو الخميس الفائت، في زيارة لم يُعلن عنها مسبقاً، لبحث ملفات استراتيجية تتعلق بمستقبل سوريا السياسي والعسكري، في ضوء الهجوم الشامل على حلب. وبحسب تشارلز ليستر، مدير معهد الشرق الأوسط، فإنّ الأسد ما يزال في موسكو، بينما زعمت تقارير محلية أنّ الرئيس عاد إلى دمشق.

وبحسب ما نشره الصحافي التركي راجيب صويلو على موقع (X)، نقلاً عن شبكة (شام)، فإنّ "ضابطاً عسكرياً سورياً رفيع المستوى ألمح إلى أنّ بعض الضباط ربما يخططون لانقلاب، للسيطرة على الحكم في سوريا، في محاولة لوقف التقدم السريع للقوات المتمردة خارج حماة".

وربما يكون ذلك هو أحد سيناريوهات الأزمة، وبمباركة روسية، تضمن التخلص من الأسد، ومنع المتطرفين من السيطرة على الحكم. وذلك ضمن جملة من السيناريوهات المحتملة، والتي تذهب تجاه التأكيد على أنّ قطار التغيير في سوريا تحرك صوب محطة جديدة.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية