
يُعتبر *فهمي جدعان* أحد أبرز المفكرين الأردنيين والعرب المعاصرين الذين سعوا إلى تحقيق توازن بين *التراث الإسلامي* ومتطلبات العصر الحديث. ولد في *فلسطين* عام 1939، وبرز بصفته مفكرًا وفيلسوفًا يدعو إلى الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي مع الحفاظ على الأصالة. عُرف بكتاباته العميقة التي تجمع بين النقد البناء والتحليل الدقيق لأزمات العالم العربي، وتناوله لقضايا الحرية، العقلانية، والتحديث في الإسلام.
اتسم فهمي جدعان بقدرته على المزج بين *الفكر التراثي والحداثي* في مقاربة تهدف إلى تقديم رؤية متجددة للإسلام تلبي تطلعات المجتمعات المعاصرة. كان يعتقد أن *الجمود الفكري* الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية هو السبب الرئيسي في تخلفها، ودعا إلى ضرورة تجاوز التفسيرات التقليدية للنصوص الدينية وإعادة قراءتها من منظور عقلاني.
في كتابه الشهير *"أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث"، ركز جدعان على البحث في جذور التقدم وأسباب التخلف، محاولًا فهم كيف يمكن للمجتمعات العربية تحقيق نهضة فكرية دون التخلي عن الهوية الإسلامية. يرى جدعان أن الاستفادة من القيم العقلانية الموجودة في التراث الإسلامي وتطبيقها في السياق الحديث هو الحل الأمثل لتحقيق **التقدم* والازدهار.
كانت *قضايا الحرية والعدالة* محورًا أساسيًا في فكر فهمي جدعان، حيث اعتبر أن تحقيق الحرية هو شرط أساسي لنهضة المجتمعات. يرى جدعان أن الإسلام يحمل في جوهره دعوة إلى *الحرية* واحترام حقوق الإنسان، لكنه يؤكد أن هذه القيم يجب أن تُفهم وتُطبق بطرق تتناسب مع التغيرات الاجتماعية والسياسية المعاصرة.
في مقالاته ومحاضراته، دعا جدعان إلى *تجاوز السلطوية* التي تمارسها بعض الأنظمة العربية باسم الدين، مشيرًا إلى أن الفكر الإسلامي لا يتعارض مع قيم الحرية والديمقراطية. بل على العكس، يُفترض أن يكون الإسلام قوة دافعة لتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الأفراد.
لم يتردد فهمي جدعان في نقد *الفكر الأصولي* والتوجهات المتطرفة التي أدت إلى تراجع صورة الإسلام في العالم. رأى أن الحركات الأصولية تسعى إلى تقديم صورة مشوهة عن الدين، تعتمد على التفسيرات الحرفية والمتحجرة للنصوص. من وجهة نظره، أدى هذا التشدد إلى خلق بيئة معادية للحوار والتسامح، وجعل المجتمعات الإسلامية عرضة للتطرف والصراعات الداخلية.
كان جدعان يؤكد أن الإسلام يجب أن يُفهم كدين *تسامح وتعايش، وأن الفكر المتطرف هو نتاج الأزمات الاجتماعية والسياسية، وليس انعكاسًا حقيقيًا لتعاليم الإسلام. وقد شدد على أهمية مواجهة هذا الفكر من خلال **التعليم* والتوعية الفكرية، وتقديم تفسيرات إسلامية تدعو إلى العقلانية والاعتدال.
ترك فهمي جدعان بصمة مميزة من خلال مؤلفاته التي تناولت مواضيع متعددة مثل الحرية، الحداثة، الإصلاح، والعقلانية. من أبرز أعماله:
- *"المحنة: بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام"*، الذي تناول فيه العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة في الفكر الإسلامي وكيف يمكن تحقيق توازن بينهما.
- *"الطريق إلى الحرية: من العقلانية النقدية إلى العقلانية العملية"*، حيث قدم رؤيته حول كيفية تحقيق الحرية عبر منهج عقلاني يستند إلى الحوار والتفاهم.
هذه الأعمال وغيرها جعلت جدعان أحد أبرز الأصوات الإصلاحية في العالم العربي، حيث تُرجمت بعض كتبه إلى لغات مختلفة، وساهمت في إشعال النقاشات الفكرية حول كيفية تحقيق نهضة حقيقية في العالم العربي والإسلامي.
لم تكن رحلة فهمي جدعان في الدعوة للإصلاح سهلة، فقد واجه انتقادات من بعض التيارات التقليدية التي رأت في أفكاره خروجًا عن المألوف. لكن رغم ذلك، ظل متمسكًا برؤيته الإصلاحية، معتبرًا أن التغيير يبدأ من *الفكر والتربية* قبل أن ينتقل إلى المجال السياسي والاجتماعي.
كان جدعان يعتقد أن الإصلاح الحقيقي يتطلب *إعادة بناء العقل العربي*، وتحريره من الجمود والتقليد. دعا إلى أن تكون المؤسسات التعليمية هي اللبنة الأولى في هذا الإصلاح، وأن تكون مناهج التعليم موجهة نحو التفكير النقدي والإبداع، بدلاً من التلقين الأعمى.
يظل *فهمي جدعان* من أبرز المفكرين الذين سعوا إلى تقديم فكر إسلامي عقلاني ومعتدل، يسعى إلى التوفيق بين القيم الدينية ومتطلبات العصر الحديث. إرثه الفكري يشكل دعوة مستمرة للتفكير والنقد، ويمثل نموذجًا للمثقف الذي يجرؤ على طرح الأسئلة الصعبة في سبيل التغيير.
في زمن يعاني فيه العالم العربي من الأزمات الفكرية والسياسية، تظل أفكار فهمي جدعان مرجعًا مهمًا لكل من يسعى إلى تحقيق *الإصلاح* و*التجديد، بعيدًا عن التطرف والتعصب. رؤيته تدعونا لإعادة التفكير في مقومات النهوض بالإنسان والمجتمع، وتذكرنا بأن النهضة الحقيقية تبدأ من **العقل* وتنتهي بالحرية.