
انتقد موقع (IL Corriere Nazionale) الإيطالي للدراسات الاستراتيجية تعاطي الاتحاد الأوروبي مع التهديدات الإقليمية المستمرة والمخاوف المتزايدة بشأن الأنشطة المتطرفة لجماعات الإسلام السياسي، متسائلاً عن مدى فعالية سياسات الاتحاد الأوروبي واستجاباته للإرهاب الذي ترعاه جماعة الإخوان.
التقرير الذي أعدته هيئة التحرير، ونشر بالإيطالية، اشتبك مع تحذيرات ريكاردو باريتسكي، رئيس المركز الأوروبي لسياسة وأمن المعلومات (ECIPS)، الذي أكد أنّ تقاعس الاتحاد الأوروبي تجاه تورط إيران في تمويل الإرهاب، وخاصة من خلال وكلاء مثل حزب الله، والتغاضي عن الغطاء الإخواني لهذه الأنشطة، يشكل آثاراً خطيرة على أمن القارة الأوروبية، في ظل الفشل في الحد من تدفق الأموال الإيرانية والإخوانية عبر كيانات مرتبطة بالإرهاب.
ويأتي تحذير باريتسكي في أعقاب تزايد الانزعاج بشأن الدعم الإيراني المعقد والمتعدد الطبقات للجماعات المتطرفة، والتي ترتبط ببعضها البعض من خلال شبكة من الإيديولوجيات القائمة على الفكر الإخواني، في ظل وجود شبكات التمويل، والهياكل شبه العسكرية.
واستعرض التقرير الدور التاريخي لإيران في تمويل الإرهاب، حيث أظهرت طهران نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ممّا أدى إلى تعزيز عدم الاستقرار الذي كانت له آثار مضاعفة وصلت إلى أوروبا.
وبحسب التقرير، تراقب وكالة الأمن الأوروبية عن كثب التهديدات الأمنية في جميع أنحاء أوروبا، وتشير إلى استراتيجية إيران المتمثلة في "الحرب بالوكالة"، بالتعاون مع الأذرع الإخوانية، حيث تعمل طهران على تمكين الجماعة المتوافقة مع أهدافها الجيوسياسية. وتعود جذور هذا النهج إلى الثمانينيات، لكنّه اكتسب زخماً بعد الغزو الذي قامت به الولايات المتحدة للعراق في العام 2003، والذي أوجد فراغاً ملأته إيران برعاية الميليشيات والمنظمات الإرهابية، بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين.
ويشكل التلاقح بين الجماعات المدعومة من إيران وجماعة الإخوان المسلمين تهديداً كبيراً واجهته وكالات الاستخبارات الأوروبية منذ فترة طويلة، بعد أن أصبح الاتحاد الأوروبي، بحدوده المفتوحة، مجالاً يسهل اختراقه، وملاذاً آمناً لنمو هذه الشبكات؛ ونتيجة لذلك، يواجه الاتحاد الأوروبي تحدياً أمنياً غير مسبوق، وفقاً لباريتسكي، وهو تحدٍّ كانت بروكسل بطيئة في الاعتراف به، ويرجع ذلك في الأغلب إلى الفساد في القطاع المالي، بحسب رأيه.
الخدمات المصرفية السويسرية تفتح ثغرة للتمويل
أصبحت سويسرا، المعروفة بقوانينها الصارمة المتعلقة بالخصوصية المصرفية، نقطة رئيسية للأموال التي تستخدم لدعم الجماعات المدعومة الإسلاموية. ويقول المنتقدون إنّ القطاع المصرفي السويسري يمكّن الشبكات المالية التي تسمح للبنوك الإيرانية والأوعية المالية الإخوانية من تحويل الأموال إلى المنظمات المرتبطة بالإرهاب دون تدقيق. تنبع هذه المخاوف من معلومات استخباراتية تشير إلى أنّ بنك (سرمايه)، من بين مؤسسات إيرانية أخرى، مرتبط بقنوات تمويل تدعم جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الفصائل المتطرفة، التي لها موطئ قدم في أوروبا. ووفقاً لباريتسكي، الذي يؤكد أنّ البنوك الإيرانية استغلت الثغرات في النظام المالي الأوروبي، ممّا مكن من القيام بعمليات سرقة واسعة النطاق، قد تدعم في نهاية المطاف الأنشطة الإخوانية.
وقد تعرضت أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة للاتحاد الأوروبي لانتقادات؛ بسبب فشلها في التصرف بشكل حاسم في تقليص الشبكات المالية الإيرانية. وعلى الرغم من الأدلة التي تشير إلى أنّ مخالب إيران المالية تمتد عبر أوروبا، إلا أنّ بروكسل لم تتمكن من تنفيذ ضوابط أو عقوبات صارمة ضد الكيانات المدعومة من إيران والتي تعمل داخل حدود الاتحاد الأوروبي.
إنّ الأسباب وراء هذا التقاعس معقدة، ولكنّها ترجع إلى حد كبير إلى الأولويات السياسية المتنافسة داخل الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الحساسيات الدبلوماسية.
ومع ذلك، فإنّ صعود الإخوان، وانتشار الإيديولوجيات الموالية لهم، يجعل من المستحيل، بحسب التقرير، تجاهل الخطر المتزايد. ويرى باريتسكي أنّ الافتقار إلى التدابير الوقائية يعكس "نقطة استراتيجية عمياء"، سمحت بدعم إيران للإخوان بالازدهار، دون رادع، إلى حد كبير في أوروبا.
وقال باريتسكي: "لقد قرعنا أجراس الإنذار لأعوام، إلا أنّ بروكسل وسويسرا ما تزالان مترددتين في معالجة قضايا التمويل هذه بشكل مباشر". "لقد حان وقت التحرك الآن، وإلا فستجد أوروبا نفسها قريباً في مواجهة أزمة أمنية على نطاق لم نشهده من قبل".
تمدد النفوذ الإيراني من خلال جماعة الإخوان المسلمين
أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في النفوذ الإيراني، بحسب التقرير، هو ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين، وبحسب تقارير أمنية، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من تنوعها في إيديولوجيتها وبنيتها، كانت مدعومة بأموال إيرانية، تمّ ضخها عبر شبكات مالية معقدة. ويشكل وجود هذه الشبكات تحدياً فريداً للأمن الأوروبي، نظراً للوضع القانوني لجماعة الإخوان المسلمين في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، واستخدامها للمنظمات الخيرية لجمع الأموال.
ويقول الخبراء: إنّ إيران استغلت هذه الهياكل التنظيمية، فقامت بتوجيه الموارد تحت ستار الأنشطة المشروعة، وبناء تحالفات توسع نفوذها. وبالنسبة إلى أوروبا، فإنّ هذا يعني التسلل المستمر للإيديولوجيات المتطرفة التي تعمل بهدوء على تنمية التطرف. وتجعل هذه الديناميكيات جهود مكافحة الإرهاب أكثر تعقيداً، كما أنّ وكالات الاستخبارات الأوروبية مقيدة إلى حد كبير بالقيود البيروقراطية وتحديات التعاون بين الوكالات.
الحاجة الملحة إلى استجابة أوروبية موحدة
وبينما يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطاً متصاعدة للتصدي لتمويل الإخوان، فإنّ تحذير باريتسكي يشير إلى دعوة عاجلة للعمل الموحد. ويرى أنّ الخطوة الأولى يجب أن تتمثل في إغلاق الثغرات التي تسمح للبنوك الإيرانية وغيرها من المؤسسات المالية بالعمل داخل أوروبا دون رادع.
ويقول التقرير: إنّ فرض عقوبات على كيانات مثل بنك (سرمايه)، وتنفيذ مراقبة أكثر صرامة للمعاملات المشبوهة، هي خطوات حاسمة يجب على الاتحاد الأوروبي منحها الأولوية على الفور.
إنّ مكافحة الإرهاب بفعالية تتطلب ما هو أكثر من العقوبات. فالأمر يتطلب آليات معززة لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومع الحلفاء الدوليين. ومن شأن نظام استخباراتي متكامل يتتبع أنشطة التمويل والتجنيد والدعاية عبر الحدود، أن يوفر رؤية شاملة لمدى وصول هذه الشبكات ونواياها. ويؤكد باريتسكي أنّه بدون تعاون استخباراتي قوي، ستظل أوروبا "متخلفة بخطوة" في تحديد التهديدات وتحييدها قبل أن تتحقق.
وفيما يتعلق بالرقابة المالية، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يفكر في تنفيذ تدابير مماثلة لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، والذي يحتفظ بقائمة شاملة للكيانات الخاضعة للعقوبات والمرتبطة بتمويل الإرهاب. ومن الممكن أن يساعد المعادل الأوروبي في تحديد وتقييد المعاملات المالية التي تدعم الإرهاب بشكل مباشر، وبالتالي إضعاف نفوذ الإخوان المالي.
وبينما تواجه أوروبا تهديداً أمنياً غير مسبوق، فإنّ الحاجة لاتخاذ إجراءات حازمة ضد الشبكات المدعومة من إيران لم تكن أكثر وضوحاً من أيّ وقت مضى. ويجب على بروكسل وجنيف الاختيار بين اتخاذ موقف سلبي -السماح لهذه الشبكات بالازدهار- أو اتباع تدابير حازمة لمواجهة نفوذ إيران. ورغم أنّ هذا الاختيار قد يأتي مصحوباً بتحديات دبلوماسية، فإنّ الفشل في التحرك من شأنه أن يجعل أوروبا عرضة لمزيد من زعزعة الاستقرار، وقد يشير إلى هزيمة سياسية في مواجهة الإرهاب.