
عاد الجدل من جديد داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، بسبب تمويل بعض المنظمات التابعة للإخوان، وفي هذا السياق تحدثت تقارير عن تمويل جامعة غازي عنتاب، في جنوب تركيا، والتي يُعدّ تمويلها جزءاً من برنامج "إيراسموس"، بعد انكشاف عدة دلائل تشير إلى ارتباط الجامعة بجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى تصريحات رئيس الجامعة المعيّن من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المثيرة للجدل، والتي تدعم جماعات الإسلام السياسي، وتخالف القيم الأوروبية بشكل صريح.
وانتقدت عدة تقارير أوروبية قيام الاتحاد الأوروبي بتمويل الجامعة، التي استفادت من برنامجي "إيراسموس" الأوروبي و"التضامن" الأوروبي؛ الأمر الذي أثار غضب عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي وخاصّة اليمينيين. وتحدث غيوم بلتييه في المجلس الأوروبي، وكذلك لوران كاستيلو، ضدّ استمرار هذا الوضع، واتهما الاتحاد الأوروبي بتمويل جامعة تدعم الإرهاب، وقال العضوان في رسالة إلى أورسولا فون دير لاين: إنّهما يعتقدان أنّ هذه الشراكة تمثل "كارثة للشباب الأوروبي".
وقد تمكنت مجموعة الجمهوريين (LR) في البرلمان الأوروبي من إدراج هذه القضية ضمن جدول أعمال الجلسة القادمة للبرلمان الأوروبي، معلنة أنّه "ينبغي ألّا يصل "سنت واحد" من الأوروبيين الذين يدفعون الضرائب إلى المنظمات التي تدعم الإخوان".
وبالفعل، وبعد عام من التحقيقات، قرر أعضاء البرلمان الأوروبي أخيراً قطع تمويل الجامعة التركية الشديدة الصلة بالإخوان. فبعد مرور عام على كشف موقع (فدسوش) عن تمويل أوروبي للجامعة الإخوانية التركية عبر برنامج "إيراسموس"، قرر أعضاء البرلمان الأوروبي أخيراً وضع حد لهذا التعاون في 23 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.
استمرار التمويل الأوروبي للهياكل الإخوانية ينذر بكارثة
يُعدّ هذا الجدل الدائر الآن انفجاراً للوضع الذي هو جزء من سياق أوسع للصراع حول التمويل الأوروبي للهياكل القريبة من الإسلام السياسي. ففي وقت مبكر من عام 2022 دقّ بيير شارون، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الليبرالي آنذاك، ناقوس الخطر بشأن تمويل المنظمات غير الحكومية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. ومن بينها منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا، المتهمة بأنّ لها علاقات مع حزب الله اللبناني، وكذلك منظمة FEMYSO، التي تعتبر واجهة لجماعة الإخوان المسلمين، والشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية، التي تمّت إدانتها لارتباطها بالإسلام السياسي، والتي تحصل على دعم يقدر بنحو (14) مليون يورو.
وتذكّرنا ميزانية هذه المنظمات بحدث آخر أحدث ضجة كبيرة، وهو المرتبط بحملة "الحرية في الحجاب". ففي عام 2021 أطلق مجلس أوروبا، بدعم مالي من المفوضية الأوروبية، حملة لتشجيع التنوع من خلال ارتداء الحجاب الإسلامي. وظهرت في هذه الحملة شابات يرتدين الحجاب مع شعارات، مثل: "الجمال في التنوع مثل الحرية في الحجاب"، وهو ما استفادت منه جماعة الإخوان جيداً، ونجحت في إدارته من أجل التمدد سياسياً، ممّا أثار غضب العديد من البلدان، بما في ذلك فرنسا. وتحت ضغط من باريس، بدعم من برلين، تمّ التخلي عن هذه الحملة أخيراً. ومع ذلك، فقد تركت بصماتها على الرأي العام، ممّا عزز تصور الخطط المالية الأوروبية التي لا تتماشى مع المصالح الاقتصادية والاجتماعية، بل تصبّ في خدمة الإخوان.
لقد دعمت تلك الحملة أهداف الإخوان اجتماعياً واقتصادياً، ومع الإقرار بحرية ارتداء الحجاب، إلّا أنّ تمويل تلك الحملة ضخ الحياة في شريان الأوعية المالية الإخوانية، التي تضررت كثيراً بعد الإغلاق الذي تزامن مع وباء كوفيد ـ 19.
تسلل كبير للإسلام السياسي
في مواجهة العديد من هذه التحديات، يطالب العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي اليوم بتفسير واضح من أورسولا فون دير لاين، معتقدين أنّ هذه الأموال تؤثر على المهام الرئيسية للاتحاد الأوروبي، وتخالف ميثاقه وقوانينه.
بدورها، قالت فلورنس بيرجود بلاكر، الباحثة في المركز الوطني للأبحاث العلمية: إنّ مليارات الدولارات من الأموال العامة الأوروبية ما تزال توزع على منظمات قريبة من جماعة الإخوان المسلمين، وهي ظاهرة وصفتها بأنّها "تسلل كبير" للإسلام السياسي في المؤسسات الأوروبية، وتهديد مباشر لاندماج المسلمين، ذلك أنّ جماعة الإخوان استخدمت هذه الأموال في تكريس الانعزالية، وبسط هيمنتها على المسلمين في أنحاء أوروبا.
ويظهر هذا الوضع مرة أخرى المخاطر التي يفرضها التمويل الأوروبي العشوائي، حيث تدعم الأموال العامة المنظمات التي تدافع عن أفكار معادية للقيم الأوروبية، وتساعد على تكريس عزلة المسلمين، وفرض جماعات الإسلام السياسي الوصاية عليهم.
وفي مواجهة صعود جماعات الإسلام السياسي ودخولهم ببطء إلى قلب معادلة اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، من المهم أن يتخذ الاتحاد الأوروبي التدابير اللازمة لضمان شفافية تمويله للأنشطة المختلفة، وأن يتخلى عن كل دعم للمنظمات التي تؤثر على أمن ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأوّلها مساعدة المسلمين على الاندماج.