السودان وإرتريا... خسارة دبلوماسية أخرى بسبب الإخوان

السودان وإرتريا... خسارة دبلوماسية أخرى بسبب الإخوان

السودان وإرتريا... خسارة دبلوماسية أخرى بسبب الإخوان


30/07/2024

بشكل مفاجئ وغير متوقع أمهلت الحكومة الإرترية الأسبوع المنصرم القائم بأعمال السفارة السودانية في أسمرة، السفير خالد عباس المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، (72) ساعة لمغادرة البلاد. 

هذه الخطوة وضعت حكومة الأمر الواقع التي تدير السودان من العاصمة البديلة (بورتسودان) في مأزق دبلوماسي جديد، حيث ظلّ موقف الحكومة الإرترية ورئيسها أسياس أفورقي ثابتاً ومبدئياً تجاه الحرب الدائرة في السودان، إذ أعلن مُبكراً، ومنذ التئام قمة دول جوار السودان في تموز (يوليو) 2023 في العاصمة المصرية القاهرة بمبادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، دعمه للجيش السوداني باعتباره مؤسسة رسمية ونظامية، فأصبحت إرتريا من دول الجوار القليلة التي اتخذت موقفاً منحازاً للجيش السوداني لم يتغّر حتى الآن. 

مواقف مبدئية 

أعقبت أسمرة موقفها المبدئي هذا بقرار سياسي صادر عن الرئيس أفورقي باعتبار السودانيين الفارين إلى بلده مواطنين لا تُفرض عليهم إقامة ولا رسوم، ويحق لهم العمل والتنقل داخل الدولة وخارجها بحرية تامة دون قيود، رغم أنّ إرتريا عُرفت بأنّها دولة شديدة الانغلاق تدار بقبضة أمنية مُحكمة.  

 ورغم كل هذه المواقف تجاه قيادة الجيش السوداني، لم ترُق للحكومة الإرترية المشاركة الواسعة لجماعة الإخوان المسلمين في صناعة القرار السياسي لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان، وانخراط ميليشياتها في العمليات القتالية ضد قوات الدعم السريع، إذ تخشى أسمرة كغيرها من عواصم الدول المجاورة من عودة الإخوان مجدداً إلى الحكم على  ظهر قيادة الجيش السوداني، إلا أنّها ظلت متمسكة بموقفها المنحاز للجيش السوداني، إلى أن فاجأت بمطالبة السفير عباس بحزم حقائبه خلال (3) أيام استعداداً للمغادرة، الأمر الذي اعتبره مراقبون مؤشراً لانهيار وشيك للعلاقة مع آخر الدول المجاورة الداعمة لقيادة الجيش، فما السبب في ذلك؟. 

فتش عن الإخوان 

يقول مراقبون ومحللون سياسيون وفقاً لتسريبات من عدة مصادر: إنّ القائم بأعمال السفارة السودانية في العاصمة الإرترية استغل العلاقة الجيدة مع أسمرة، وشرع بتكليف من جماعة الإخوان بإدارة عمليات تجنيد واستقطاب لعناصر إرهابية من دول مختلفة في منطقة القرن الأفريقي، إضافة إلى أشخاص إرتريين وصوماليين، توطئة لإرسالهم إلى السودان، إمّا للتدريب توطئة للمشاركة في القتال، وإمّا للمشاركة المباشرة بالنسبة إلى العناصر المدربة مسبقاً التي شاركت في عمليات إرهابية في دول عديدة تحت مظلات الحركات الجهادية كداعش وشباب المجاهدين الصومالية وغيرها. 

وتُعتبر الحكومة الإرترية (يسارية التوجه) من أكثر الحكومات الأفريقية حساسية تجاه الإسلام السياسي والأنظمة ذات التوجه الغربي الليبرالي الذي تعتبره نوعاً من التماهي مع الاستعمار الجديد، فلم تتوانَ في طرد السفير السوداني باعتبار أنّ تصرفاته - وفقاً للتسريبات - تُعدُّ انتهاكاً صارخاً للأعراف الدبلوماسية واستغلالاً فجّاً للعلاقات المستقرة بين البلدين واستفزازاً للنظام الحاكم في أسمرة وتهديداً للأمن القومي للدول المجاورة وانتهاكاً سافراً لسيادتها. 

 حسم الكيزان  

الخطوة الإرترية تعكس مدى الرفض الإقليمي والدولي لعودة الجماعة إلى الحكم في السودان مرة أخرى، كما تعكس مدى تورط قيادة الجيش السوداني مع جماعة الإخوان، وإلى أيّ مدى بلغت سيطرة الجماعة على القرار السياسي والدبلوماسي وقرار الحرب والسلام خصماً على الجيش نفسه. 

قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان

حادثة طرد السفير من إرتريا أثارت الكثير من الجدل في الأوساط السياسية السودانية؛ وقد دعا مؤيدون لقيادة الجيش إلى تحجيم الإخوان وتقليص دورهم في عملية اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية والحيلولة دون استغلالهم للعلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى للحصول على مكاسب لصالح الحركة الإسلامية وحزبها المؤتمر الوطني. 

وأرجع مراقبون الخسارة العسكرية والدبلوماسية التي لحقت بقيادة الجيش خلال هذه الحرب، وأداءها الضعيف على جميع المستويات، إلى وقوعها أسيرة لأفكار الجماعة المعادية للجميع والمرفوضة من قبل الجميع داخلياً وخارجياً، ممّا أضاف عبئاً كبيراً على الجيش، خصوصاً على المستوى الدبلوماسي. 

مرض الإيديولوجيا 

ويشير مراقبون في هذا الصدد إلى دور الجماعة منذ اشتعال الحرب في تخريب العلاقات مع دول مجاورة وإقليمية مهمة في المنطقة، ومع الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية (إيغاد)، وأنّ الجماعة اعتادت منذ انقلابها على النظام الديمقراطي في السودان عام 1989 على إدارة علاقاتها الخارجية من خلال الخطابات النارية والشتائم وإرسال الاتهامات دون أدلة أو مستندات؛ الأمر الذي أوقع السودان في حالة من العزلة الدولية على مدى (30) عاماً متتالية. 

ويخشى السودانيون من أنّ وجود الجماعة بكثافة في مفاصل السلطة منذ انقلاب البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وتسيدها المشهد وهيمنتها المطلقة على القرار السياسي والعسكري منذ اندلاع الحرب في 15 نيسان (أبريل) 2023، سيؤدي إلى انهيار البلاد وتقسيمها إلى دويلات ضعيفة ومفككة، بسبب عقيدة الجماعة التي لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا بالجيش النظامي القومي، ولا بالعلاقات الدولية القائمة على المصالح المشتركة.    




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية