
رصد (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات) في دراسة حديثة له أوجه العلاقة بين الحروب والتطرف والإرهاب، التي تنطوي على العديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وأظهرت الدراسة التي نشرها المركز عبر موقعه الإلكتروني أنّ الصراعات الإقليمية والدولية لها آثار عميقة على الأمن الدولي، وتشكل الديناميكيات العالمية بطرق مختلفة. ويمكن أن تكون واسعة النطاق، وتؤثر على الاستقرار السياسي، والأنظمة الاقتصادية، والأحوال الإنسانية، والبيئة الأمنية العامة.
وأكد المركز أنّه غالباً ما تخلق الحروب فراغاً في السلطة وعدم استقرار سياسي كبير، وهو ما يمكن استغلاله من قبل الجماعات المتطرفة. فعندما تنهار مؤسسات الدولة أو تضعف، يمكن للإيديولوجيات المتطرفة أن تكتسب زخماً باعتبارها أشكالاً بديلة للحكم أو المقاومة.
الصراعات الإقليمية والدولية تؤثر على الاستقرار السياسي، والأنظمة الاقتصادية، والأحوال الإنسانية، والبيئة الأمنية العامة.
وأوضحت الدراسة أنّ الحروب والصراعات تولد مظالم، مثل الخسارة والصدمات والظلم، ممّا قد يؤدي إلى تأجيج التطرف. وقد يكون الأفراد المتأثرون بالحرب أكثر عرضة للإيديولوجيات المتطرفة التي تعد بالانتقام أو إيجاد حلول لمعاناتهم.
أمّا عن الصعوبات الاقتصادية، فقد بينت الدراسة أنّ الحروب تدمر الاقتصادات، ممّا يؤدي إلى البطالة والفقر، ويمكن أن تدفع الأفراد نحو التطرف أثناء سعيهم للحصول على الدعم المالي أو بسبب اليأس.
وأضاف المركز أنّ الحروب توفر بيئة مواتية للجماعات الإرهابية للعمل، حيث تسمح الفوضى وانعدام السيطرة في مناطق الحرب للمنظمات الإرهابية بالتدريب والتخطيط وتنفيذ الهجمات بتدخل أقل، هذا إلى جانب انتشار السلاح الذي يمكن أن يقع في أيدي الجماعات الإرهابية، ممّا يعزز قدرتها على شن الهجمات، لافتاً إلى أنّ الحروب يمكن أن تزعزع استقرار مناطق بأكملها، فالصراع في بلد ما يمكن أن يمتد إلى البلدان المجاورة، وينشر الإرهاب والعنف.
الحروب تخلق فراغاً في السلطة وعدم استقرار سياسي كبير، وهو ما يمكن استغلاله من قبل الجماعات المتطرفة.
وحول التجنيد والتطرف أظهرت الدراسة أنّ الجماعات المتطرفة تقوم بتجنيد الأفراد في مناطق الصراعات للانضمام إلى قضيتها، وغالباً ما يكون ذلك من خلال الدعاية والتلاعب بالمظالم، ويتم بعد ذلك استخدام هؤلاء المجندين للقيام بأنشطة إرهابية.
وبينت الدراسة أنّ الهجمات الإرهابية يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الصراعات، ممّا يؤدي إلى حروب أكثر كثافة وطويلة الأمد، ومن شأن هذا التصعيد أن يزيد من ترسيخ الإيديولوجيات المتطرفة، ويخلق دائرة من العنف.
وأورد المركز عدة أمثلة على نظرياته حول العلاقة بين الحروب والتطرف والإرهاب؛ ففي حالة أفغانستان أدت الحرب السوفييتية الأفغانية (1979-1989) إلى ظهور الجماعات المتطرفة مثل حركة طالبان وتنظيم القاعدة. وقد وفر الصراع الطويل الأمد والفراغ اللاحق في السلطة أرضاً خصبة للتطرف والإرهاب.
وفي حالة العراق، أدى الغزو الأمريكي عام 2003 والتمرد اللاحق إلى خلق ظروف لظهور الجماعات المتطرفة مثل تنظيم (داعش)، وكان عدم الاستقرار والعنف الطائفي فيها من العوامل الرئيسية في صعود الإرهاب في المنطقة.
الحروب والصراعات تولد مظالم، مثل الخسارة والصدمات والظلم، ممّا قد يؤدي إلى تأجيج التطرف.
وتابع المركز: "وفي حالة سوريا، خلقت الحرب الأهلية بيئة معقدة ازدهر فيها العديد من الجماعات المتطرفة والإرهابية، بما في ذلك (تنظيم داعش وجبهة النصرة)، واتسمت الحرب بتطرف واسع النطاق وأنشطة إرهابية.
وأكدت الدراسة أنّه يمكن أن تؤدي الصراعات في بلد ما إلى انتشار حركات التمرد والعنف التي تمتد إلى البلدان المجاورة، وهذا يمكن أن يزعزع استقرار مناطق بأكملها، حيث تستغل الجماعات المسلحة الحدود التي يسهل اختراقها لتوسيع عملياتها.
أمّا عن الأزمات الإنسانية، فإنّ الصراعات تتسبب في عمليات نزوح كبيرة، ممّا يخلق أزمات لاجئين في البلدان المجاورة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى استنزاف الموارد، وزعزعة استقرار المجتمعات المضيفة، وخلق تحديات أمنية، بما في ذلك احتمال أن تصبح مخيمات اللاجئين أرضاً لتجنيد الجماعات المسلحة الإرهابية.
وتابعت الدراسة: إنّ الصراعات الإقليمية تؤدي إلى تعطيل طرق التجارة وتدفقات الاستثمار، ممّا يؤدي إلى خسائر اقتصادية للدول المجاورة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض النمو الاقتصادي وزيادة الفقر؛ الأمر الذي يمكن أن يزيد من عدم الاستقرار وانتشار الجماعات الإرهابية.
الحروب تدمر الاقتصادات، ممّا يؤدي إلى البطالة والفقر، ويمكن أن تدفع الأفراد نحو التطرف أثناء سعيهم للحصول على الدعم المالي.
وذكرت الدراسة أنّ الصراعات الدولية تتضمن بشكل متزايد الحرب السيبرانية، التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، والأنظمة المالية، والشبكات الحكومية. ويمكن أن يكون للهجمات السيبرانية تداعيات عالمية، ممّا يؤدي إلى تقويض الثقة والأمن الدوليين، وهذا أيضاً يضاعف فرصة تواجد جماعات مسلحة على الأرض.
وأوضح المركز في دراسته أنّه غالباً ما تتضمن الصراعات السيبرانية جهود التجسس والتخريب التي يمكن أن تزعزع استقرار العلاقات الدولية وتؤدي إلى صراعات أوسع نطاقاً، مشيراً إلى أنّه غالباً ما تنطوي النزاعات على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب، ممّا يقوض الأعراف والاتفاقيات الدولية، وهذا التآكل في المعايير يمكن أن يؤدي إلى نظام دولي أكثر فوضوية، حيث يتم انتهاك القواعد في كثير من الأحيان.
وقالت الدراسة: "إنّ الفشل في محاسبة الجناة يمكن أن يشجع الجهات الفاعلة الأخرى على ارتكاب انتهاكات مماثلة، ممّا يزيد من تآكل أطر الحوكمة العالمية"، كما يمكن للصراعات المستمرة أن تقوض فعالية المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، وإذا نُظر إلى هذه المؤسسات على أنّها غير فعالة، فقد يؤدي ذلك إلى الحدّ من التعاون الدولي، وجعل حل الصراعات أكثر صعوبة.
الجماعات المتطرفة تقوم بتجنيد الأفراد في مناطق الصراعات للانضمام إلى قضيتها، وغالباً ما يكون ذلك من خلال الدعاية والتلاعب بالمظالم.
وبيّن المركز في دراسته أنّه غالباً ما تنطوي الصراعات الدولية على المنافسة بين القوى العظمى أو تتفاقم بسببها، ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى عودة ديناميكيات أشبه بالحرب الباردة، حيث يتضاءل التعاون العالمي لصالح المنافسات الاستراتيجية.
وختم المركز دراسته بالقول: "إنّ التفاعل بين الحروب والتطرف والإرهاب معقد، حيث يؤثر كل عامل على العوامل الأخرى ويؤدي إلى تفاقمها. وتتطلب معالجة هذه القضايا نهجاً متعدد الأوجه، بما في ذلك حلّ الصراعات، والتنمية الاقتصادية، وبذل الجهود لمكافحة التطرف والإيديولوجيات المتطرفة.
المركز يورد عدة أمثلة على نظرياته حول العلاقة بين الحروب والتطرف والإرهاب كحالة أفغانستان والعراق وسوريا.
إنّ الصراعات الإقليمية والدولية لها آثار بعيدة المدى على الأمن الدولي، فهي تؤثر على كل شيء؛ بدءاً من الاستقرار الإقليمي والظروف الاقتصادية والأحوال الإنسانية، والبيئة الأمنية العامة، إلى الحوكمة العالمية والأعراف الدولية. وتتطلب معالجة هذه التأثيرات استراتيجيات شاملة تشمل منع الصراعات، والتعاون الفعال المتعدد الأطراف، واتخاذ تدابير قوية لمكافحة الإرهاب، والالتزام القوي بالقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان.