برنارد لويس: وفاة مؤرخ جذور صراع الحضارات ومهندس التقسيم

فلسطين

برنارد لويس: وفاة مؤرخ جذور صراع الحضارات ومهندس التقسيم


21/05/2018

توفي المؤرخ والمستشرق البريطاني الأمريكي "برنارد لويس" أول من أمس عن عمرٍ ناهز مئة وعام، بعد رحلة "استشراقية" بدأها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وترافقت مع جدلٍ كبيرٍ أثارته أفكاره حول العالم العربي والإسلامي.
لويس، المولود في 31 أيار (مايو) 1916، ترك خلفه عدة كتب ومقالاتٍ وأفكار عن العالم العربي منذ خوضه فيه قبل سبعين عاماً، تركز معظمها حول علاقة الإسلام بالغرب، والإسلام السياسي، وتمزق الشرق الأوسط بالتحديد، ليموت مؤخراً، وسط تنبؤاته  وآرائه التي تحقق بعضها، حول شرقٍ تصبغه الدماء.
إعادة إنتاج الصِدام
يُوصف لويس، من قبل صحفٍ وأوساط أكاديمية غربية، قبل العربية، أنه أحد المساهمين الكبار في تشكيل رؤية غربية محددة عن المنطقة العربية، تقوم على "صدام الحضارات"، كما أنه انشغل بوضع حدودٍ دموية لما يوصف بـ "صعود تيارات التعصب والتشدد الإسلامي"، عدا عن اختصاصه بتقسيمات المنطقة العربية الجغرافياً وسياسياً.

يُوصف لويس كأحد المساهمين الكبار في تشكيل رؤية غربية محددة عن المنطقة العربية تقوم على صدام الحضارات

ويمكن الانطلاق في الحديث حول لويس الشخص، مما نشرته عنه صحيفة "واشنطن بوست" ناعية إياه يوم 20 أيار (مايو) الجاري بعد وفاته، بوصفه "الرجل الذي تناول الشاي خلال الحرب العالمية الثانية في مطبخ غولدا مائير، كونه داعماً متحمساً لإسرائيل".
غير أنّ هذه الزاوية الشخصية، لا تكفي حول مؤرخٍ تعمق في العالم العربي وثقافته وتاريخه ودينه؛ إذ تتجلى رؤية لويس الحديثة فيما كتبه خلال مقال مشهور عام 1990 بعنوان "جذور الغضب الإسلامي"، حيث يقول فيه:
"الإسلام جلب السلام والأمان لعقول ملايين لا تحصى من الرجال والنساء، والإسلام أعطى الكرامة والمعنى لأناس كانت حياتهم رتيبة وفقيرة، وعلّم العيش بإخاء لأناسٍ من أعراق مختلفة، وعلّم أناساً، من عقائد مختلفة، التعايش جنباً إلى جنب وبتسامح نسبي؛ كما أنه ألهم حضارة عظيمة عاش فيها آخرون، إلى جانب المسلمين".

سعيد: لويس بائع متجول يعرض رأياً سطحياً حول الحاجة الملحة إلى قبضة قوية في التعامل مع المنطقة العربية

لكن هذا لم يمنع لويس، الذي عمل أستاذاً للدراسات الشرقية في جامعة برنستون الأمريكية منذ عام 1974، ووصف بأنه أحد ملهمي السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي، من القول خلال مقالته المطولة ذاتها أنّ "العالم الإسلامي ليس مجمعاً على العداء للغرب... ومنه أمريكا، بل به دول صديقة وأناس يتمتعون بأفكار مشتركة معه، إلا أن العداء نظرياً موجود منذ قرون، والإسلام الذي غزا الغرب طويلاً، هو اليوم في حالة دفاعية، وفي لحظة ما، قرر رجال الصحوة أن أمريكا عدوة ودار كفر وهي المنافس الشيطاني لكل خير".
ابن العائلة اليهودية المتوسطة الثراء، الذي حصل على شهادة فى التاريخ من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن ثم أكمل الدكتوراة فيها عام 1936، عمل خلال الحرب العالمية الثانية مع الاستخبارات البريطانية كما تذكر "بي بي سي" في تقرير نشر عنه يوم 20 أيار (مايو) الجاري، كما أنه دخل في تناقضاتٍ عديدة، حين نصح أمريكا وقادتها باستخدام "القسوة أو الخروج"، في إشارةٍ منه إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث اعتبر المنطقة العربية "مؤهلة لتصبح مفجراً انتحارياً" بحسب "بي بي سي".

أثار كتاب سعيد الجدل غربياً وعربياً لكنه حمل رداً على أفكار لويس

خبير مناطق استعمارية
وبخصوص مبدأ "القسوة أو الخروج"، يمكن تناول رأي الباحث السوري وعميد كلية الآداب في جامعة جرش الدكتور فؤاد عبد المطلب حول لويس؛ حيث يشير إلى أنّ "برنارد لويس عمل في الخارجية البريطانية وجهات سياسية أعمق في جهاز الحكم البريطاني، لكنه أبدع كمستشار للإدارة الأمريكية وأجهزتها المتعددة التي لا مجال لذكرها الآن".
ويقول عبد المطلب، الذي قام بترجمة كتاب "الإسلام والغرب" للمستشرق الراحل، أنّ "تعاطف لويس مع اليهود والصهيونية يمكن رؤيته في الكثير من أعماله وليس كلها. ومؤخراً قامت الإدارة الأمريكية بالاستفادة من خبراته في العراق وفلسطين وسوريا وأصقاع أخرى من الوطن العربي".
ويكشف عبد المطلب في حديثه لـ"حفريات" أنّ "كثيرين هاجموا لويس لآرائه، وفي مقدمتهم إدوارد سعيد. وربما نخلص من هذا إلى أن لويس باحث عارف وضليع في المنطقة لكنه ربما يخدم بصورة واضحةٍ الاستشراق الاستعماري والإدارة الأمريكية على نحوٍ مباشر".
وكان إدوارد سعيد، عالم الإنسانيات الشهير في جامعة كولومبيا الأمريكية حتى وفاته عام 2003، وصاحب كتاب "الاستشراق" الشهير بجدله الكبير حول دور المستشرقين في تشكيل رؤية استعمارية من عدمها عن العالم العربي، وصف لويس أنّه "بائع متجول يعرض رأياً سطحياً من مدرسة قديمة حول الحاجة الملحة إلى قبضة قوية في التعامل مع المنطقة العربية".

اعتبر لويس دوافع الصراع مع الغرب تاريخية وبعض آثارها قائمة إلى اليوم فبدا خطابه أحياناً تجذيراً للصراع

وكان لويس رد على سعيد في حينه متهماً إياه "بالتبجح والبغض". مبرراً آراءه بالحاجة إلى زرع الديموقراطية في العالم العربي.
برنارد لويس، حاول إيضاح فكرته حول الشرق بالقول إنّ "دوافع الصراع مع الغرب تاريخية وآثارها قائمة إلى اليوم"، وبدا خطابه أحياناً تجذيراً للصراع، كما بدا في أحيانٍ أخرى محاولة لفهم هذه الجذور، وتعددت مواقفه وربما تناقضت؛ لأنه خاض وحل السياسة؛ حيث دافع عن أمريكا منذ 11 سبتمبر، واعتبر "أنّ هنالك كرهاً تجاهها من العرب أو المسلمين بفضل قوتها وثروتها"، مهملاً علاقتها بإسرائيل مثلاً.
ومن الجدير بالذكر أنّ باحثين عرباً دفعتهم أفكار لويس لوصفه "بمهندس سايكس بيكو الجديد الداعي لإعادة تقسيم المنطقة"، لكن يبقى القول إنّ الاستشراق كعلم، وما تزخر به المكتبات العالمية من إنتاجات المستشرقين التي زادت عن 60 ألف كتاب ومقال ومخطوط، أصبحت كلها اليوم ملحقةً كفرع من فروع العلوم الإنسانية، أما لويس الذي التحق بالعالم الآخر، فهو يطوي صفحةً أخرى من الانحياز، ومن عدم اليقين، تاركاً خلفه مؤلفاتٍ عديدة، ربما لم تثمر، في خلق محاولةٍ  لعلاقاتٍ أفضل بين البشر، في أي جهة كانوا، سواء في شرقي هذا العالم أو غربيه.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية