سيف "ازدراء الأديان" يشهر في وجه حجّاج: حرية التعبير في القفص

الأديان

سيف "ازدراء الأديان" يشهر في وجه حجّاج: حرية التعبير في القفص


31/10/2017

قدّمت الفنون إلى الكنيسة خدماتٍ جليلة خلال العصور الوسطى، كعمارة الكنائس ورسم لوحاتها ونحت تماثيلها، أما الكنيسة في تلك العصور، فدعمت الفن باعتباره هادفاً، وله دورٌ في نشر الفضيلة. اليوم، أصبح الإنسان مؤسسة مستقلة بحد ذاتها، ومن حق الفنان التعبير عن الذات والجمال وحرية الرأي، في حين تواجهه أحياناً تهم كـ"ازدراء الأديان"، أو "إثارة النعرات"، التي تظهر على السطح بين حينٍ وآخر، وآخرها، التهمة الموجهة لفنان الكاريكاتير الأردني عماد حجاج.

ففي يوم الإثنين 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، استدعى الأمن الأردني فنان الكاريكاتير عماد حجاج للتحقيق معه بشأن شكوى من مواطنٍ أردني على الفنان لنشره رسماً كاريكاتورياً على صفحته الشخصية اعتبره المواطن "مسيئاً".
وقال حجاج في تصريحٍ خاصٍ بـ"حفريات": "أخلي سبيلي اليوم دون كفالة، وأسندت لي تهمتان؛ واحدة وفق قانون الجرائم الإلكترونية، وأخرى وفق قانون العقوبات الأردني، ولا أعرف بعد إن كان سوف يتم تحويلي للمحكمة أم لا".

أخلي سبيلي اليوم دون كفالة، وأسندت لي تهمتان؛ واحدة وفق قانون الجرائم الإلكترونية، وأخرى وفق قانون العقوبات الأردني

حجاج، الذي يعد أحد فناني الكاريكاتير المعروفين محلياً وعربياً، وبدأ مسيرته في الرسم منذ عام 1989، حيث عمل في صحفٍ محلية وعربية عديدة، وله رسومات ساخرة وهادفة تطال الاجتماعي والسياسي والثقافي في الحياة اليومية، أكد لـ"حفريات" من خلال اتصال هاتفي معه أنّه "يحترم الأديان كلها وينبذ التطرف، ويسعى كفنانٍ إلى الحصول على مساحته الطبيعية من حرية التعبير وممارسة الفن".

وبسؤاله عن وضعه الخاص في الوقت الحالي، قال حجاج: "لست قادراً كفنانٍ على الرسم الآن، الشكوى تسببت بضياع الوقت وبعض القلق، أنا ضد التضييق على الإنسان وعلى الفنان، وأرفض أي شيء يدعو إلى ازدراء الأديان، ولم أفكر به يوماً".

من جهتها، أثارت مواقع التواصل الاجتماعي الجدل بشأن قضية استدعاء الفنان من قبل السلطات الأمنية، وتعددت الآراء على موقعي فيسبوك وتويتر؛ حيث برز رأي فنان الكاريكاتير الأردني أمجد رسمي، الذي أعلن تضامنه مع حجاج وكتب على صفحته على فيسبوك: "أتضامن مع أخي وزميلي عماد حجاج في هذه المحنة التي باتت تهدد جميع رسامي الكاريكاتير العرب والتضييق على حرية الرأي والتعبير نتيجة القراءة الخاطئة وغير الموضوعية لفن الكاريكاتير".

وشكل "ازدراء الأديان"، المفهوم الأكثر نقاشاً في قضية حجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، فذهب البعض إلى القول إنّ ازدراء الأديان مصطلح غير واضح، تعززه الأديان نفسها، بحسب رأي الأكاديمي الأردني الدكتور نارت قاخون الذي كتب على صفحته بفيسبوك: "جلّ الأديان وأتباعها" تقوم على قدرٍ من "ازدراء الأديان الأخرى"؛ إمّا أن تراها "أدياناً محرّفة"، أو "منسوخة" أو "باطلة"، أو ... تراها "غير صحيحة". لذلك لو أُريد أخذ قانون "منع ازدراء الأديان" على عمومه لكان أغلب أتباع الأديان على اختلافها واقعين في هذا "الجرم؛ ظاهراً أو باطناً".


من جهته اعتبر الناشط أمجد فيومي، من خلال منشورٍ على صفحته بفيسبوك أنّ ازدراء الأديان "مفهوم فضفاض، يذكّر بمحاكم التفتيش في القرون الوسطى ويسعى إلى احتكار الحقيقة ومحاسبة الناس على آرائهم، وهو مفهوم يتعارض مع الدولة المدنية".
السيد غريب، وهو مواطن أردني مسيحي، قال في اتصال مع "حفريات" إنّ "الكاريكاتير الذي يحاول الدفاع عن قضية فلسطين ويتحدث عن بيع أراض من قبل الكنيسة الأرثوذكسية للاحتلال، هو قضية إنسانية، لكنه ورغم أنّ المسيح صُوّر كثيراً من قبل، لا يعني كتابة كلامٍ باسمه ليبدو أن المسيح قاله". وأضاف غريب أنّ هذا لا يعني أيضاً "تضخيم القضايا"؛ لأنّ الحوار يعد الحل الأفضل "بشأن فهم الرسالة التي قدمها الرسم الكاريكاتوري أو في أي موضوع آخر".
وتحت هاشتاغ "#عماد_حجاج" على موقع تويتر، ذهبت الآراء تجاه رفض التضييق على حرية الرأي، وعدم التسرع بالفهم الخاطئ لرسم حجاج، واستذكر بعضهم التسامح الاجتماعي الذي تتمتع به الأردن بين الطوائف الدينية، وأنّ ازدراء الأديان لا يجب أن يكون تهمةً مجانية.

ربط الفنون برموز دينية مؤثرة يقصد منه ربما إظهار اهتمام الأديان بهذه القضايا ودعمها لحقوق الإنسان

ويذكر أنّ قضية الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين، انتشرت في وسائل الإعلام العربية مؤخراً، ونشرت صحف ومواقع مختلفة ما اعتبرته "إهمالا من الكنيسة الأرثوذكسية بشأن أوقافها وأراضيها في فلسطين المحتلة".

ويبدو أن ربط الفنون، بهذه القضية أو غيرها، وبرموزٍ دينية مؤثرة، يقصد منه ربما إظهار اهتمام الأديان بهذه القضايا ودعمها لحقوق الإنسان وليس ازدراء الأديان، ويواجه هذا أحياناً بتهمة الازدراء لدين معين، ويؤدي إلى التضييق على الحريات باسم الدفاع عن الدين، وهي حالة تكررت  كثيراً في الثقافة العربية المعاصرة، ففي عام 1926 اتهم "عميد المسرح العربي" الفنان يوسف وهبي بازدراء الأديان على خلفية فيلم سينمائي كان ينوي تقديمه، وتعرّض للمحنة ذاتها المخرج السوري مصطفى العقاد بعد تقديمه لفيلم "الرسالة" في سبعينيات القرن الماضي، والفنان التونسي "وجدي ماسكوت" الذي حاول نبذ التطرف من خلال أغنية قدمها عام 2011، وفنانون وأدباء آخرون، ما زال مفهوم "ازدراء الأديان" سيفاً مسلطاً على عقولهم ومخيلاتهم.

 

 

الصفحة الرئيسية