مخيمات اللاجئين: متى يضغط كورونا زر الكارثة؟

مخيمات اللاجئين: متى يضغط كورونا زر الكارثة؟


18/04/2020

محمد طاهر

مع استمرار تمدد جائحة كورونا المستجد في أصقاع الأرض، تحث المزيد من الحكومات رعاياها على التزام سياسة "التباعد الاجتماعي" والمكوث في المنازل، قطعاً للطريق أمام زحف الفيروس المدمِّر. لكن ثمة من يستحيل عليه الالتزام بهذه النصيحة، حتى لو كان يرغب في ذلك: إنهم اللاجئون الذين لا وطن لهم ولا منزل. وتُقدِّر "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" أن ثمة أكثر من 70 مليون نازح قسري في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك زهاء 30 مليون لاجئ غادروا بلادهم وأكثر من 40 مليون نازح هُجِّروا داخل حدود وطنهم. وغني عن القول إنّ مخيمات اللاجئين ومدن الصفيح العشوائية حيث يستقر عددٌ كبيرٌ منهم غير مجهزة لتلبية حاجاتهم الأساسية... حتى قبل تفشّي فيروس كورونا المستجد.

تُعدُّ الظروف الإنسانية والصحية البائسة داخل مخيمات اللاجئين، أكثر من مثالية لانتشار فيروس كورونا المستجد، إذ يكتظ فيها البشر لدرجة التزاحم فوق بقعة أرض شديدة الضيق. وأبرز مثال على ذلك، هو مستوطنة اللاجئين في كوكس بازار، قرب الحدود البنغالية المحاذية لميانمار، التي تتكوّن من 34 مخيماً متلاصقاً. تضم هذه المخيمات أكثر من 855 ألفاً من لاجئي "الروهينغا" المسلمين الذين فروا من بطش النظام الحاكم في ميانمار المجاورة. وتحيط بهذه المخيمات قرى تضم زهاء 400 ألف بنغالي من المعدمين. ويصل متوسط الكثافة السكانية هنا إلى 40 ألف شخص في الكيلومتر المربع الواحد، حسب تقديرات مجلة "ذي إيكونوميست"، وتزداد هذه الكثافة لتصل إلى 70 ألف شخص في الكيلومتر المربع داخل الأحياء الأكثر ازدحاماً في المخيمات. وللمقارنة، فإنّ الكثافة السكانية الإجمالية في ووهان الصينية، مركز تفشي فيروس "كورونا المستجد"، تبلغ 6000 شخص في الكيلومتر المربع.

بيئة خصبة للانتشار

وثمة مخيمات أكثر ازدحاماً من كوكس بازار، مثل مخيم موريا في جزيرة ليسبوس اليونانية، حيث يتجمع لاجئون من الشرق الأوسط وأفريقيا، إذ تبلغ الكثافة السكانية هنا خمسة أضعاف مثيلتها لدى مخيمات كوكس بازار. وفي واقعة تشكّل جرس إنذار مبكر، فرضت الحكومة اليونانية أخيراً حظراً على اثنين من مخيمات اللاجئين، أحدهما في جزيرة يوبويا والآخر قرب أثينا، بعد أن أثبتت اختبارات أولية إصابة بعض ساكنيهما بالفيروس. ويُخشى، في ما لو وصلت الجائحة إلى مخيمات أخرى، أن تجد بيئة خصبة في صفوف اللاجئين؛ إذ يستحيل تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي، فغالباً ما تكون مناطق غسل الملابس والمراحيض العامة مزدحمة، كما تقف النساء هنا ساعات طويلة ضمن طوابير توزيع المساعدات.

ومع تواتر اكتشاف إصابات بالفيروس في كوكس بازار، فرض مكتب مفوضية اللاجئين في بنغلادش إجراءات جديدة داخل المخيمات، إذ أغلق المسؤولون مراكز التعليم والمدارس، ومتاجر الشاي والمحال غير الأساسية، وحصروا الوصول إلى المخيمات بالخدمات الحيوية فقط. لكن البقاء في الخيم ليس خياراً قابلاً للتطبيق على المدى الطويل، ذلك أن القيود تمنع الأشخاص من العمل وكسب المال، ما يتركهم يعانون في سبيل الحصول على وجبة تقيهم مرّ الجوع. ومع تسرّب الأنباء عن تصاعد أعداد القتلى في دول كبرى تمتلك أنظمة رعاية صحية متقدمة مثل إيطاليا والولايات المتحدة ووصول مستشفياتها إلى حافة الانهيار، بدأ عددٌ كبيرٌ من مسؤولي الإغاثة في كوكس بازار بالتساؤل: إذا كانت هذه الدول غير قادرة على احتواء كورونا المستجد، فما الذي يمكن أن يحدث هنا؟

سبعة أضعاف قتلى هيروشيما

تُقدّر خطة استجابة أعدّتها "منظمة الصحة العالمية" وحصلت عليها "نيترا نيوز"، وهي وكالة أنباء بنغالية، أنه من دون خطط طبية طارئة يمكن أن يحصد كورونا ما بين نصف مليون إلى مليوني شخص في بنغلادش وحدها، أي سبعة أضعاف قتلى قنبلة هيروشيما النووية التي حصدت 70 ألف قتيل قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية. وجاء في خطة الاستجابة: "هذه الأرقام ليست مفاجِئة لدى مقارنتها مع بيانات من دول أخرى. لكنها خطيرة ويجب أن تمثل دعوة إلى العمل". ويقول يان إيغلاند، أمين عام مجلس اللاجئين النرويجي في تصريحات لصحيفة "ذي أتلانتيك"، حول هشاشة وضع سكان المخيمات: "لقد فقدوا كل ما هو مطلوب للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الفيروس. فقدوا منازلهم ومجتمعاتهم ومستشفياتهم". وكان إيغلاند قد حذّر في مارس (آذار) الماضي، من إمكانية أن "يُهلك كورونا المستجد مجموعات بأكملها من اللاجئين إذا لم تُتخذ تدابير وقائية". وأضاف المسؤول النرويجي: "لقد احتشد اللاجئون في هذه الأماكن بعدما اعتقدوا أنها آمنة. لكنها تحوّلت الآن إلى أكثر الأماكن المكشوفة أمام الجائحة".
أدّت سياسة التباعد الاجتماعي إلى إثارة القلق لدى عددٍ كبيرٍ من المجتمعات، ما استتبع حدوث حالات ذعر وعمليات شراء وتكديس للمواد الغذائية. لكنّ الوضع بالنسبة للاجئين مختلف، ذلك أن معظمهم يعتمد في تأمين الجزء الأكبر من قوته على المنظمات غير الحكومية. وعلى سبيل المثال، فإنّ ما يقرب من نصف اللاجئين الروهينغا في كوكس بازار لا يتحصَّلون على ما يكفي من طعام، فيما يشكو سكان مخيم نياروغوسو شمال غربي تنزانيا، الذي يضم لاجئين من بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، من شحّ حصصهم الغذائية. يقول أحد اللاجئين، شاكياً: "نتلقى في بعض الأحيان دقيقاً ممزوجاً بالتراب، أو حبوباً قديمة جداً ينبغي طهيها مدة يومين لنتمكّن من تناولها".

كما يُعدُّ الحصول على مياه نظيفة أو خدمات صرف صحي، أمراً عسيراً أيضاً. فللذهاب إلى مرحاض أو لغسل اليدين، يتوجب على قاطني مخيمات كوكس بازار الانتظار متلاصقين في طوابير طويلة. يقول ديمبمالا ماهلا، المدير الإقليمي لآسيا في "كير إنترناشيونال" وهي مؤسسة خيرية، "نشعر بالقلق من أن يتحوّل الحصول على حصة المياه إلى بؤرة لتفشّي كورونا المستجد". إضافةً إلى ذلك، فإنه غالباً ما يكون ثمة نقص في الصابون ومنتجات العناية الصحية الأخرى. فقبل تفشّي الجائحة، درج سكان مخيم نياروغوسو على تلقي قطعة صابون مجانية صغيرة كل شهر لغرض النظافة الشخصية وتنظيف الملابس، وغالباً ما كانت عملية توزيع الصابون غير منتظمة. وتُبرّر رئيسة مؤسسة مجتمع مدني الأمر بأنه "عليك في بعض الأحيان، أن تختار بين شراء طعام أو شراء صابون".

غياب الرعاية الطبية
وتبقى أكثر الأمور إثارة للقلق، مع انتظار اللاجئين حول العالم لنبأ اقتحام الجائحة مخيماتهم، انعدام وجود أي شكل من أشكال الرعاية الطبية. صحيح أنه يمكن للاجئين السوريين الذين دخلوا تركيا الاعتماد على نظام للرعاية الصحية وتقديمات دولية، لكن أولئك الذين لم يحالفهم الحظ على الجانب الآخر، وتحديداً في محافظة إدلب حيث يحتشد مئات الآلاف داخل خيم أو منازل مهجورة، لا تتوفر لديهم مثل هذه الحماية. فمستشفيات هذه المحافظة غير مؤهلة للتعامل مع فيروس كورونا المستجد، إذ تعرض عددٌ كبيرٌ منها لغارات جوية سوّتها بالأرض. ويقول عبد الحكيم رمضان، منسق الصحة العامة في محافظة إدلب، إن المستشفيات القليلة التي لا تزال قيد العمل وتخدم ما لا يقل عن 3 ملايين شخص، تمتلك في المجمل أقل من 100 جهاز تنفس صناعي، كما يفتقر عاملوها الصحيون المنهكون إلى أبسط الإمكانيات. ويقول وسيم زكريا، أحد أطباء مدينة إدلب، إن عدداً كبيراً من المستشفيات لا يمتلك حتى الأقنعة اللازمة لإجراء عمليات جراحية، ويُقدِّر زكريا أنه في حال تفشّى الفيروس، فإنّ ما يصل إلى 100 ألف شخص سيكونون في حاجة إلى سرير في العناية المركزة، فيما المتوفر 200 فقط.

ويبدو أن الظروف السيئة في مخيمات اللاجئين تتجه نحو وضع أكثر سوءاً. ففي كوكس بازار، وبهدف وقف تنظيم الروهينغا الاحتجاجات، منعت السلطات البنغالية استخدام الهواتف النقالة وعلّقت خدمات الإنترنت داخل المخيمات. ويمنع هذا الإجراء المنظمات غير الحكومية، التي قُيّد وصولها إلى المخيمات أصلاً، من نشر معلومات مهمة حول الفيروس عن طريق تطبيق "واتساب" ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى (وهي تقنية أثبتت فعاليتها مع اللاجئين في كينيا والفيليبين على سبيل المثال). ومن دون الإنترنت، يتوجب على المنظمات غير الحكومية نشر المعلومات من خلال كتيّبات ومكبرات صوت وأجهزة الراديو. لكن هذه الأساليب ليست منتشرة بشكل كاف، ما يترك فراغاً تملؤه الشائعات بسهولة، إذ يدّعي بعض اللاجئين من الروهينغا أنه يمكن وقف الفيروس عن طريق استهلاك خليط من الملح والسكر، وهو علاج شائع للإسهال.

محنة إدلب

على الرغم من ذلك، تستمر المنظمات الإنسانية في بذل جهود لإعداد مخيمات اللاجئين حول العالم لتدارك حصول الكارثة، إذ يتم على عجل تسريع إقامة مراكز رعاية صحية ومحطات غسل اليدين ومرافق عزل طبي. في نياروغوسو، ضاعفت مفوضية اللاجئين حصص الصابون، وعمدت إلى توزيع المواد الغذائية على مدار أيام عدّة للتخفيف من كثافة الطوابير الجماعية. الوقت كالسيف في المخيمات، أي تأخير ستكون عواقبه كارثية وأشبه بمذبحة جماعية.
مهما قدمت المنظمات غير الحكومية من مساعدات، فمن غير المحتمل أن تصل إلى إدلب حيث تتشارك عائلات عدّة خيمة واحدة، وحيث لا يزال الوصول إلى المياه الجارية والغذاء والكهرباء نادراً، وحيث لا توجد سلطة لفرض أي شكل من أشكال الحجر. "إنّ مطالبة الناس بغسل أيديهم جيداً بالماء الدافئ، تبدو بمثابة نكتة قاسية هنا"، يقول منسق الصحة العامة في إدلب الذي يضيف أن تفشّي كورونا في مخيمات اللاجئين سيكون بمثابة ضربة قاضية. وفي الوقت الحالي، يبدو أن وقف إطلاق النار الذي اتُّفق عليه بين تركيا وروسيا أوائل مارس الماضي، ما زال سارياً. لكن إذا استؤنف القتال، فهذا سيعني مزيداً من النزوح، وبالتالي مزيداً من مخاطر انتشار الفيروس. خط وقف إطلاق النار بين المتحاربين على الجبهة، هو خندق دفاع إدلب الأخير ضد كورونا.

لو اقتحم فيروس كورونا المستجد مخيمات اللاجئين في أي بقعة بالعالم، فستنهار حتماً وبسرعة، التحصينات الهشة التي أقامتها المنظمات غير الحكومية. يقول ماهلا، عضو منظمة كير الدولية: "المجتمع الإنساني غير مستعد لمواجهة هذه المحنة بالتأكيد". عمال الإغاثة محقّون في مخاوفهم من التأثير الكارثي المحتمل للفيروس، لكن في زمن الذعر العالمي، سيكون سهلاً على بقية العالم غض النظر والتغافل عن سماع نداءاتهم.

عن "اندبندنت عربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية