منشقات عن الإخوان يروين تجربتهن مع الجماعة

 منشقات عن الإخوان يروين تجربتهن مع الجماعة
النسوية الإسلامية

منشقات عن الإخوان يروين تجربتهن مع الجماعة


11/09/2023

النظام الأبوي هو النظام الذي يمتلك فيه الرجال السلطة على النساء، مما ينتج عنه منح الذكور امتيازات عديدة، ويضع الرجال في مكان أعلى من النساء. في ضوء هذا التعريف؛ إلى أيّ مدى يتقاطع أو يتعارض النظام الإخواني في نظرته للأخوات؟ فهل يعامل الأخت المسلمة كعضو مكتمل المواطنة أم ككائن مهمَّش لا يحقّ له الاقتراب من مواقع صنع القرار ولا أحقية له في البيعة واختيار المرشد؟ أي يعزز التمييز الجندري، أم يضع النساء في مرتبة متساوية مع الرجال ويمنحهنّ الحقّ في الاختيار وتقلّد المناصب القيادية وطرح رؤيتهن ووجهات نظرهن؟ لنصل في النهاية إلى التساؤل الأهم: هل يمثل تيار الإخوان المسلمين النّسويّة الإسلاميّة، أم يهدم ذلك المفهوم ويناهضه؟

اقرأ أيضاً: النسوية الإسلامية: حضور متزايد يُقيّد أفق المرأة
كي نستطيع الإجابة عن التساؤلات السابقة؛ لا بدّ من العودة 87 عاماً إلى الخلف، إلى عام تشكيل فرقة الأخوات المسلمات، بأمر من الأب المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا (1906- 1949)؛ لرصد آليات تعامل الجماعة مع المرأة عبر المراحل المختلفة.

 

حسن البنا.. الأب الروحي لذكورية النظام الإخواني
أمر حسن البنا بإنشاء فرقة الأخوات المسلمات، العام 1933، وأوكل للسيدة "لبيبة أحمد" مسؤولية تلك الفرقة، ليس إيماناً بأهلية المرأة لتولّي المناصب، لكن كي تصبح حلقة الوصل بين أوامر المرشد وتنفيذها من قبل الأخوات، وحين أصدر اللائحة التنفيذية لـقسم الأخوات أصبحت أحقية قيادة الفرقة من حقّ المرشد العام للجماعة، وذلك يقودنا لنظرة الجماعة للمرأة، وكأنّها كائن ثانوي لا تحقّ له القيادة؛ إذ حصر المرشد الأول دور المرأة في المهام المنزلية وإنجاب الأطفال ورعايتهم، وفي حالة السماح لها بالتعليم فلا تنهل منه سوى ما يفيد الهدف السابق ذكره، فجاء في رسائل التعاليم: "ترقية تعليم المرأة عندنا، وتزويدها في المدارس بالقدر الوافر من الدين والخلق، وإفساح المجال في مناهج دراسة البنات للبحوث البيتية، أما أن تستمر مناهج تعليم البنات عندنا كما هي عليه الآن؛ فتعنى بالكمالي والضار وتترك الضروري والنافع، فهذا مما لا يبشر بحياة طيبة للنشء الإسلامي".

عندما أسّس حسن البنا فرقة الأخوات نصّب نفسه مسؤولاً عنها ولم يثق بأيّ منهنّ للقيام بهذا الدور

واستكمل البنا: "تدرس البنت في مدارسنا الموسيقى واللغة الأجنبية والهندسة الفراغية والقانون الآن، ثم هي لا تعلم شيئاً عن تربية الطفل، ولا تدبير الصحة، ولا عالم النفس، ولا الدين والخلق، ولا التدبير المنزلي!! فأي منهج هذا وإلى أيّة غاية يوصل"، وخلال الأزمة الأولى التي تعرّض لها قسم الأخوات، صُنعت الحلول بعقل ذكوري، لا تسعى لرفع شأن المرأة؛ بل تكرّر تهميشها، فعندما استقالت "لبيبة" من منصبها كوكيلة لفرقة الأخوات، دبّ الخلاف حول أحقية من تخلفها، في هذا الصدد أشار عمرو فاروق، الباحث المتخصص في الإسلام السياسي،  إلى أنّ "البنا" عندما أسّس فرقة الأخوات، نصّب نفسه مسؤولاً عنها، ولم يثق في أيّة واحدة منهنّ للقيام بهذا الدور، ثم أوكل مسؤوليته إلى كلّ من صالح عشماوي، وحلمي نور الدين، ومحمد الحلوجي، الذين قاموا بوضع القواعد المنظمة للقسم، ثم استقرّوا على إسناد رئاسته مؤقتاً إلى حلمي نور الدين، ووكالة صالح عشماوي، لحين وضع لائحة تنفيذية للكيان الجديد، العام 1944، تتشكل من 12 عضوة.

 

 

خلال الاطلاع على "العضوات" الاثنتي عشرة، وجد أنّ المرأة لا تحصل على امتيازات داخل الجماعة سوى أنّها زوجة قيادي أو تنتمي لطبقة غنية؛ فسّر فاروق ذلك بأنّ البنا حاول أنّ يستفيد من الطبقة الأرستقراطية داخل المجتمع، فضمّ عدداً من النساء، مثل: لبيبة أحمد، وآمال العشماوي، زوجة المستشار منير دلة، بهدف استقطاب الفئات المميزة، والاستفادة المادية؛ باعتبار أنهنّ يمثلن مورد دعم مالي واجتماعي للتنظيم، وهذا ما أكّده أيضاً الدكتور أحمد ربيع غزالي لـ "حفريات"، الإخواني السابق، الذي كان عضواً في الجماعة لـ26 عاماً، وشغل منصب الأمانة العامة لقسم المهنيين على مستوى الجمهورية فيها لمدة 14 عاماً، مبيناً أنّ الجماعة لا تسعى لنصرة مساواة المرأة بالرجل، بل تستخدمها لخدمة أهداف الجماعة، والمرأة ما هي إلا أداة لخدمة الزوج (الأخ).

 

 

العمل السياسي للمرأة وفق الجماعة ليس إيماناً بأهمية مشاركتها بل لتحقيق أهداف الجماعة

وعقب زيادة فروع قسم الأخوات داخل المناطق، تطورت اللائحة التنفيذية للقسم على أن تشمل بشكل صريح عدم السماح بالاختلاط بين الرجال والنساء، كما يسند الإشراف العام للقسم للمرشد، كما هو الحال عليه في اللائحة السابقة، وينتدب من الإخوان سكرتير اتصال لتنظيم الأعمال الإدارية للقسم، ووقع الاختيار على محمود الجوهري، أول مسؤول يتولى المهام التنفيذية لشؤون الأخوات، وأصبح حلقة الوصل بينهن وبين المرشد، ومن هنا تثبت نظرة حسن البنا للمرأة ككائن ناقص غير مؤهَّل للإدارة، لا بدّ من أن يُقاد من قبل الرجال.
الأخوات دمى لتحقيق الأهداف
لم يؤسس حسن البنا قسم الأخوات لإعلاء شأن المرأة، كما جاء في رسائل التعاليم "النهوض بالرجل والمرأة جميعاً وإعلان التكافل والمساواة بينهما"، بل لاستخدامهن كورقة رابحة لحصد مكاسب للجماعة، ولإثبات أو نفي الطرح السابق.
"حفريات" تواصلت مع الأخت السابقة، عزة عفيفي، التي تم استقطابها من قبل الجماعة في عمر الـ19 عاماً، العام 1989؛ عندما انبهرت بالكيان الذي يلبّي احتياجات الطلاب، فزاد فضولها للتعرّف إلى الكيان المنظَّم والمنغلق على أعضائه، ونظراً إلى توفّر الشروط اللازمة لديها للانضام للأخوات، مثل الزيّ المحافظ والهدوء والالتزام، زادت فرصة التحاقها للتنظيم، وسرعان ما تمّ ترفيعها في الجماعة؛ عندما خُطبت لشاب إخواني بارز، وهو القيادي المنشقّ "سامح عيد".

اقرأ أيضاً: فاطمة حافظ: ما يقدمه السلفيون من نسوية يسيء للإسلام
وقبل أن تنهي الحديث حول هذه النقطة؛ بيّنت أنّ الجماعة تتعامل مع المرأة كأنّها سلعة؛ "فكلما زاد جمالها حصلت على أخ غني وذي منصب عالٍ داخل الجماعة"، وهذا يؤكد ما صرّح به القيادي الإخواني البارز، صبحي صالح، في 20 أيار (مايو) 2011: "ميجيش أخ فلوطة يقوللي اتجوز من خارج الجماعة، طيب والأخت الإخوانية اللي إحنا عاملينها دي نعمل بيها أيه؟ نشحّتها؟ "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير".

 

 

وفيما يتعلق بأدوارها داخل الجماعة، بينت عفيفي؛ أنّ مهامها بدأت بتجنيد الطالبات خلال فترة دراستها الجامعية، وعقب التخرج أوكلت لها مسؤولية قسم الزهرات "الفتيات الصغيرات"، موضحة أنّ الاستقطاب يتمّ عبر عدة مراحل؛ حيث يبدأ باللقاء العام بالمسجد، ومن ثم اللقاء في الجامعة، بعدها مرحلة الأسرة، وأكدت أنّها استقطبت عدداً كبيراً من الفتيات، وكانت ترفع تقريراً تفصيلياً أسبوعياً عن ذلك، كما تولّت العمل على مستوى المنطقة، أي أصبحت مسؤولة عن فئة الأمهات.

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت النسوية المعاصرة ذراعاً خفياً للنظام الرأسمالي الذكوري؟
وفي هذا الصدد، أوضح فاروق؛ أنّ المرأة تمّ توظيفها في مختلف المحن التي مرّت بها الجماعة، فتنوّعت مهامها بين نقل الأموال وتوصيل الرسائل السرية، ودعم أسر سجناء الإخوان؛ بل وتمّ الدفع بها في مقدمة الصفوف في المظاهرات السياسية التي كان التنظيم يستفز بها النظام السياسي، لعلمهم أنّ الأجهزة الأمنية تحظر الاقتراب من المرأة.

طمس الهوية
وصلت النظرة الدونية والهيمنة الذكورية الممارسة ضدّ النساء داخل النظام الإخواني إلى تجريد النساء من هويتهنّ؛ فلا يصحّ أن تُنادى المرأة باسمها الأول؛ بل تنسَب إلى زوجها أو والدها أو ابنها، وهذا ما أكدته صفحة "الأخوات المسلمات"، إحدى صفحات ويكيبيديا الإخوان المسلمين (ikhwan wiki)، فعرّفت الأخوات المسلمات بالقول: "زوجة أحمد عليوة، زوجة يوسف قتة، زوجة خيرت الشاطر، أم معاذ... إلخ".

وصلت النظرة الدونية الإخوانية إلى تجريد المرأة من هويتها فلا يصحّ أن تُنادى باسمها الأول

وفي هذا الصدد لفتت الأخت السابقة، عفيفي، إلى أنّ اسمها المتداول داخل الجماعة قبل الزواج والإنجاب كان "أم عمر" وليس "عزة"، "فدائماً يستبدل النظام الإخواني اسم المرأة وصورتها برموز وألقاب، وكأنّها عار لا بدّ من أن يُخفى عن المجال العام، وانطلاقاً من أنّ المعرفة تساعد على بناء وتشكيل الشخصية ومن ثم تنمّي القدرة على النقاش والاعتراض؛ لذلك حرمت الأخوات من التطرق إلى أية معارف خارج الأدبيات المفروضة عليهن من قبل الجماعة".
في هذا الصدد؛ علقت خريجة قسم اللغة الفرنسية، بأنهنّ حُصرن بمجموعة من الأدبيات الثابتة، فتشربنَ منهج الجماعة وتعاليمها، وفي مقدمة هذه الكتب؛ كتاب "أيام من حياتي" للأم الروحية للأخوات زينب الغزالي (1917-2005)، وتمجيد دورها البطولي، وكُتب الإمام حسن البنا، وكتاب "القيادة والجندية" لـمصطفى مشهور، إلى جانب ذلك كتاب "المنهج الحركي للسيرة النبوية" لمؤلفه منير الغضبان.

اقرأ أيضاً: "النسوية".. المرأة الغربية ماتزال تعاني التمييز
تقول عفيفي إنّها عندما غرّدت خارج سرب أدبيات الجماعة، وذهبت إلى عالم الروايات الفرنسية هُدِّدت من قبل الأخت المسؤولة عنها، مبررة لها ذلك بأنّه "لهو" وغير مسموح به.
وتعليقاً على ذلك، تؤكد الباحثة في الدراسات الإسلامية الدكتورة حُسن عبّود، لـ"حفريات" أنّ "الإخوان لا يدرسون من النصوص الدينية إلا ما هو مؤدلج سياسياً، ويخدم أغراضهم السياسية، ولا تهمّهم إعادة قراءة النصوص الدينية من قرآن وحديث وتفاسير لأجل تحرير هذه النصوص من تاريخ طويل من تفاسير تأثرت بمصفوفات ثقافية أساءت لتاريخ المرأة المسلمة، ولا يهتمون بقضية تحرير النساء".
وتتفق مع "عبّود" الباحثة في النسوية الإسلامية، سوسن الشريف، بقولها لـ"حفريات" إنّ "زينب الغزالي من هؤلاء السيدات، المنضويات تحت النسويّة الإسلامية؛ لأنّ محاولاتها للخوض في التفسير القرآني، لا يعدّ عملاً علميّاً أو منهجيّاً أو موضوعيّاً؛ فهي داعية وليست عالمة، بالإضافة إلى تفسيرها لبعض الآيات القرآنية التي تنصف الرجل على المرأة".

 

المشاركة السياسية للأخوات مناصرة أم انتهازية؟
أدرك قادة الإخوان أنّ حصر دور المرأة في العمل الدعوي والمجتمعي لم يعد في مصلحة الجماعة؛ بل لا بدّ من الدفع بها إلى العمل السياسي، وكان أول استخدام سياسي للأخوات عقب القرار الأول لحلّ الجماعة، 8 كانون الأول (ديسمبر) 1948، وفق محمود الجوهري، أول مسؤول فعلي عن قسم الأخوات: "قامت مجموعة من الأخوات سلمهم الإمام الشهيد مذكرة تفند مبررات حلّ الإخوان للطواف بها على مكاتب الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والقصر الملكي".

أول استخدام سياسي للأخوات كان عقب القرار الأول لحلّ الجماعة العام 1948

سادت حالة من الركود داخل الجماعة بشكل عام وقسم الأخوات خلال فترة الصدام مع نظام الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، وتطور الدور السياسي لنساء الإخوان، للمشاركة في المظاهرات، التي بدأت داخل أسوار الجامعة ومن ثم انتقلت إلى الشارع، وفي هذا السياق توضح عزة عفيفي، من واقع اشتراكها في عدد كبير من المظاهرات الإخوانية، سواء داخل الجامعات، خلال فترة انتخابات اتحاد الطلبة، أو المظاهرات التي تسبق الانتخابات المحلية والتشريعية؛ أنّ "الأخوات يستخدَمن كدروع لحماية الرجال من رجال الأمن، ولا ينسحبن إلا بأمر القيادة العليا، مهما بلغ الضرر والإيذاء الواقع عليهن؛ بل كن يتلقين تعليمات باستفزاز رجال الأمن لتصدير صورة إلى الرأي العام عن الانتهاكات التي يتعرضن إليها".

وبالانتقال إلى رؤية الأب المؤسس لجماعة الإخوان في حقّ الأخوات في الترشّح؛ ذكر حسن البنا، في مجلة "الإخوان المسلمون": "يعتبر منح المرأة حقّ الانتخاب ثورة على الإسلام وثورة على الإنسانية، وكذلك يعتبر انتخاب المرأة ثورة على الإنسانية بنوعيها، لمناقضته لما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها، فانتخاب المرأة سبة في النساء ونقص ترمى به الأنوثة"، وهنا أكّد عمرو فاروق؛ أنّ الجماعة تعدّ المرأة كائناً ثانوياً، فلم يكن للمرأة حقّ "بيعة المرشد"، ولم يكن لها الحقّ في القيادة المنفردة لقسم الأخوات، ولم يكن لها الحقّ في التصعيد داخل المستويات التربوية، والتصعيد الإداري داخل التنظيم، إذ إنّها، من وجهة نظر العقيدة الإخوانية، "كائن ناقص"، ليس له حقّ الولاية، أو المشاركة في مختلف الأنشطة السياسية.

اقرأ أيضاً: شيرين عبادي: نعم أنا نسوية ومسلمة.. أين التعارض؟
ويقودنا الطرح السابق لثنائية تناقض القول والفعل؛ ففي العام 2000، دفع الإخوان جيهان الحلفاوي لتكون أول سيدة إخوانية تشارك في انتخابات مجلس النواب عن دائرة الرمل بالإسكندرية.
ومن هنا يتبين تناقضات الجماعة حيال العمل السياسي للمرأة، ليس إيماناً منهم بأهمية المشاركة السياسية للمرأة؛ بل لتحقيق أهداف الجماعة، وهذا ما أكّدته الدكتورة سوسن الشريف، الباحثة في النسوية الإسلامية، لـ "حفريات"؛ فخلال عملها على دراسة بعنوان "مسارات المرأة للوصول إلى المناصب السياسية"، وقد كانت من ضمنها دراسة حالة سيدة تمثل جماعة الإخوان في الانتخابات التشريعية لعام 2010، وجدت، كما تقول، مدى التحكم الذكوري داخل تيار الإخوان، حتى إن وصلت نساء الإخوان إلى الترشّح في الانتخابات، فهنّ محرومات من اتخاذ أيّ قرار، مستشهدة بالمرشحة الإخوانية التي أجرت معها المقابلة فكانت ترتجف رعباً عندما يدخل عليها أخ مسؤول، بل تمتنع عن الحديث، وتتلقى أوامر من القيادات بما تقوله وما تخفيه.

اقرأ أيضاً: عاملات لا يصرخن عبر "هاشتاغات" .. نسويات بلا نسوية
واستمراراً لانتهازية النظام الإخواني؛ كثّف مكتب الإرشاد المشاركة السياسية للمرأة بعد ثورة يناير 2011، ليس إيماناً بولاية المرأة؛ بل لما تضمنه قانون الانتخابات فاشترط ضرورة تمثيل المرأة ضمن كلّ قائمة حزبية، وبالفعل فازت ستّ أخوات في السباق الانتخابي البرلماني (تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، كما وصلت أربع سيدات في برلمان 2012، ويضعنا هذا أمام تساؤل مهم: هل مثّل وصول المرأة الإخوانية إلى مكان صنع القرار نصرة لحقوق المرأة؟

الوقائع تفيد بالنفي قطعاً؛ فتواجد الأخوات في البرلمان مثّل خطراً حقيقياً على حقوق المرأة؛ إذ طالبن بإلغاء قانون منع ختان الإناث، وإلغاء قانون منع التحرش الجنسي، وتغيير قانون حضانة الطفل والرؤية، وتخفيض سنّ الزواج للفتيات، كما رفضت النائبة عزة الجرف، ممثلة حزب الحرية والعدالة، في لقاء تلفزيوني، ترشّح المرأة للرئاسة، قائلة: "الولاية العظمى لا تجوز لامرأة وهذا ثابت في الدين"، كما اعترضت النائبة هدى غنية، الممثلة عن الحزب أيضاً، على مادة تمنع الاتّجار بالنساء بحجة أنّها ترى المادة خادشة للحياء.

اقرأ أيضاً: بخصوص النسوية العربية العابسة
وفي سياق متصل؛ علّقت الباحثة النسوية، فاطمة إمام، في دراسة بعنوان "رؤية نقدية لتصريحات منال أبو الحسن عن مسيرة الحرائر ومنظورها لقضايا النساء"، على برنامج حزب الحرية والعدالة الانتخابي مع قضية المرأة "الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين"، وتمّ تأسيسه بعد ثورة يناير، ومدى افتقاره إلى باب أو فصل يتناول رؤية الحزب لقضية المرأة، واقتصر على ذكر بعض المواد تحت مسمى الأسرة في الباب الخامس، المتعلق بالشأن الاقتصادي، رغم إنشائه أمانة المرأة.
التمرد.. النهاية الحتمية
"أتقدم أنا لمياء خالد قريطم، بكل أسف وألم، باستقالتي من جماعة الإخوان المسلمين، بعد انتماء دام ثلاثة وعشرين عاماً، كان دعائي فيها أن ألقى الله وأنا فرد من أفرادها، لكن نظراً لما لمسته من بعد عن منهج الجماعة ومبادئها التي تربينا عليها، أتقدم بهذه الاستقالة"؛ كانت تلك مقدمة الاستقالة التي تقدمت بها السيدة لمياء قريطم، الأخت السابقة، في جماعة الإخوان المسلمين، ولم تكن الوحيدة التي قررت التمرد والخروج عن عباءة النظام الإخواني، بل انتهجته كثيرات من الأخوات اللواتي أصبحن يحملن لقب "منشقّات"، أو "منفصلات".

اقرأ أيضاً: هكذا تقف الحركة النسوية في إيران بوجه نظام الملالي
التقت "حفريات" بلمياء المنتمية إلى عائلة إخوانية، والتي انضمت إلى الجماعة في سن الـ16، في مستهلّ حديثها أوضحت أنّ انضمامها للجماعة لم يأتِ صدفة؛ بل رغبة وحبّاً في الجماعة، وبداية نشاطها الفعلي خلال فترة الجامعة، ومن ثم استقطبت عدداً لا حصر له من الأخوات، "كان لي دور في أن يحبّهم الناس، فيجب أن يكون لي دور في أن يعرف الناس حقيقتهم". مثلت ثورة 25 يناير، وفق لمياء، النقطة الفاصلة في هزّ صورة الجماعة لديها؛ إذ وجدت نفسها، كما تقول، أمام حزمة تساؤلات: لماذا لم تشارك الأخوات منذ بداية الدعوة في مظاهرات 25 يناير؟ لماذا هُمّشت الأخوات عن دوائر اتخاذ القرار المتعلقة بالثورة؟ إلى أيّ مدى سنظلّ ننفّذ قرارات دون أن نتخذها؟ ومن ثم بدأت في طرح مثل هذه الأسئلة داخل الجماعة، دون الوصول إلى إجابات واضحة، إضافة إلى استقالة زوجها، القياديّ السابق في الجماعة، المهندس حازم قريطم، عقب ثورة 25 يناير، ونتج عن ذلك تهميشها وتشويه سمعة الزوج.

تقدّمت لمياء باستقالة مُسبَّبة لقيادات الجماعة، تضمّنت: "تهميش دور المرأة، وعدم تمثيلها في مؤسسات الجماعة، بُعد قيادات الجماعة عن منهج الإمام الشهيد المؤسس: "غياب المصداقية والشفافية داخل مؤسسات الجماعة، حملات التشويه لرموز الجماعة وكوادرها التاريخية، غياب الحرية وتهميش الشورى والاستغلال السّيّئ لمبدأ السمع والطاعة"، وبقي لها طلب وحيد، منعاً لإثارة البلبة والشائعات حول استقالتها، تمثّل في إعلان استقالتها المبرَّرة أمام الجماعة، وقوبل الطلب بالرفض التام، بحجة "الوقت غير المناسب"، فلم تخضع، ونشرتها عبر الإنترنت، وكانت النتجية حملة تشويه موسعة مورست ضدّها.

منشقة عن الجماعة: لما تركت الإخوان بدأت أتنفس الحرية، الإخوان مثل أهل الكهف يعزلوننا عن العالم كلّه

أما في حالة الأخت السابقة، عزة عفيفي، عندما خرج زوجها على الجماعة، فتقول إنّه طُلب منها الانفصال عن الزوج، وبالفعل دخلت في موجة صدام ضارية مع الزوج، وكانت تصفه بالعدو، وفي حالة الاستمرار في زواجها بدأت تهمَّش وتُسلب منها كافة الأدوار المنوطة بها، فتغيرت نظرتها إلى الجماعة، وقررت هي الأخرى الانشقاق عن التنظيم، واختتمت حديثها: "لما تركت الإخوان بدأت أتنفس الحرية، الإخوان مثل أهل الكهف يعزلوننا عن العالم كلّه".
في هذا الصدد، علّق فاروق، صاحب كتاب "بنات المرشد"؛ بأنّه "عقب ثورة يناير، أصبح قسم الأخوات داخل التنظيم بمثابة جماعة موازية في الحجم، ومن ثم حاولن التمرد على الأوضاع القائمة داخل الجماعة، التي تهمّش من قدرهنّ ومكانتهن، فطرحن العديد من المطالب في مقدمتها تمثيلهنّ في مكتب الإرشاد، ومكتب شورى الجماعة، والمكاتب الإدارية، ومنحهنّ حقّ إدارة قسم الأخوات، بعيداً عن السلطة الذكورية المتحكمة بالمشهد داخل التنظيم".
وعن تعامل قيادات مكتب الإرشاد مع ذلك التمرد؛ بيّن فاروق، في حديثه لـ"حفريات" أنّ "محاولة القيادات مواجهة هذه الموجات التمردية تمثلت بعقد مجموعة من المحاضرات، تحت مسمى "تصحيح الرؤية"، بهدف كبت وإجهاض مساعي التمرد من قبل قسم الإخوات، والتركيز على أنهنّ مجندات في حقل الدعوة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية