تعرّف إلى 7 استخدامات ومعانٍ للوشم والرسم على الجسد عبر التاريخ

الوشم

تعرّف إلى 7 استخدامات ومعانٍ للوشم والرسم على الجسد عبر التاريخ


16/01/2019

لم يقتصر تفاعل الإنسان مع الطبيعة المحيطة به فحسب؛ بل اتّجه أيضاً للتفاعل مع جسده، فحاول السيطرة عليه والتعديل فيه، وسعى لتزيينه وتجميله بأساليب مختلفة. حتى وصل به الحال إلى حفر الجلد من أجل حقن الألوان ورسم الأشكال، فلماذا كان كل ذلك؟

في بولينيزيا: وسيلة مبتكرة للدلالة على مكانة الفرد داخل الجماعة

باستخدام أدوات بسيطة وأحبار من الطبيعة، عرف الإنسان الوشم منذ عهود سحيقة، تعود إلى نهاية العصر الحجري الحديث وبداية العصر النحاسي (حوالي 3300 ق.م)، ورغم أنّ صورته باتت مرتبطة اليوم بالمشاهير، إلّا أنه كان قد عُرف على نطاق واسع عند ما اصطلح على تسميتهم بالقبائل والشعوب "البدائية".

كان الأوروبيون يقومون باصطياد الماوري ويقومون بقطع رؤوسهم الموشومة ويقدمونها هدايا تذكارية

وتعتبر شعوب جزر "بولينيزيا"، وهي أكثر من ألف جزيرة مبعثرة على امتداد المحيط الهادئ، أكثر الشعوب شهرةً وارتباطاً منذ أزمان قديمة بالوشم، بحيث كان جزءاً أساسياً من صورتها وهويتها. وأشهر هذه الشعوب هم شعب "الماوري" في نيوزلندا، الذين اعتبروا الوشم عادة مقدسة لا يجوز انتهاكها.
وفي رحلاته الشهيرة التي قام بها إلى مناطق جنوب المحيط الهادئ، دوّن البحار والمستكشف الإنجليزي "جيمس كوك" مشاهداته، وكان من أبرز ما جاء فيها وصفه هيئة ومظهر الماوري، فوَصَف أهم ما يميزهم: تلك الوشوم اللافتة على وجوههم. وكانت هذه بداية تعرف أوروبا الحديثة على الوشم وبداية انتقاله إليها، في أواخر القرن الثامن عشر.

يعتبر وشم "الموكو" جزءاً أساسياً من وجه الرجل عند الماوري

كان الوشم عند الماوري يُرسم على الوجه باستخدام الإزميل، وهو شهير باسم "موكو"، وبسبب تميّزه وفرادته كان الأوروبيون يقومون بـ "اصطياد" السكان من الماوري، ويقومون بقطع رؤوسهم وتقديمها كهدايا تذكارية قادمة من "ما وراء البحار".
وكانت هذه الوشوم عند الشعوب البولينيزية لها دور أساسي داخل الجماعة والقبيلة؛ فهي تحدد وتدلّ على مستوى ورتبة الفرد ومكانته داخلها، والأشخاص الذين هم من دون وشم كانوا يعتبرون في القعر الأدنى.
يانترا: من عالم الأرواح والسحر
وفي جنوب آسيا، ظهر وشم من نوع خاصّ، عُرف باسم وشم "يانترا"، وهو مشهور بالتحديد عند شعوب الدول التي كانت تشكل سابقاً "إمبراطورية الخمير"، وبالتحديد في كل من: كمبوديا، ولاوس، وتايلاند، وبورما.

اقرأ أيضاً: 8 ألوان ارتبطت بمعانٍ ورموز دينية.. تعرّف عليها
يتم عمل اليانترا بواسطة عصا خاصّة مشحذة من الخيزران. وقد تأثرت رسومات اليانترا بالأشكال والرموز البوذية، وبحسب المعتقدات السائدة، فإن اليانترا، هو وشم سحري، يمنح قوة غامضة، ويعمل على دفع الشرور، ويقوم بحماية حامليه. وبالتالي فهو وشم ذو طبيعة روحانية وسحرية، ولا يقتصر عند حدود الزينة والأجسام.

مثال على وشم يانترا الشهير في عدد من دول جنوب آسيا

كيف جعل الرومان من كلمة "وصمة العار" مرادفاً للوشم؟
وعلى النقيض من ذلك، عرف التاريخ البشري استخدامات مغايرة تماماً للوشم، ومن ذلك ارتباطه بالحروب والاستعباد والاعتقال، بدايةً من الإغريق الذّين ظهر عندهم الوشم كوسيلة لتمييز العبيد عن سواهم من الأحرار، أما عند الرومان فوضع الوشم على الجنود ليصعب عليهم إخفاء هويتهم في حال الفرار. واستخدم الرومان الوشمَ أيضاً لوضع عبارة "الضريبة مدفوعة" على العبيد بعد تأدية الضريبة عنهم. وتجنباً لأي محاولة هرب كانت ترسم عبارة "أوقفوني.. أنا هارب!" على جباه العبيد. ولا تزال الكلمة اللاتينية للوشم (Stigma) تستخدم في اللغة الإنجليزية للدلالة على الصفة السيئة وتعني: "وصمة العار"!

اقرأ أيضاً: 7 حيوانات حظيت بمكانة خاصّة في الأديان والثقافات.. تعرّف عليها
وبعد دخول الإمبراطور قسطنطين في المسيحية مطلع القرن الميلادي الرابع، أصدر الأمر بحظر رسم الوشم على الوجه، باعتباره مخالفاً لتعاليم المسيحية.
وقد عاد هذا النوع من الاستخدام للوشم في التاريخ المعاصر، وذلك حين استخدم من قبل النازيين في معسكرات الاعتقال النازية، فكان يُوشم على كل سجين الرقم الخاص به.

لا تزال الأرقام التي وضعها النازيون على المعتقلين ظاهرة إلى اليوم

علامة على عبور أطوار الحياة!
وفي العالم العربي والإسلامي، ظهر استخدام مادة الحنّاء والرسم بها، كبديل عن الوشم، وذلك بسبب ما ورد في الحديث النبوي من نهي عن الوشم: "لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة"، وعلل الفقهاء سبب النهي بأنّ الوشم الذي فيه حفر للجلد يعتبر "تغييراً في خلق الله تعالى"، وهو ما توعّد به الشيطان عندما قال: "ولآمرنهم فليغيّرنَ خلق الله" (النساء: 119). ولذا، ظهرت الحنّاء كبديل؛ باعتبارها لا تخترق أدمة الجلد، ويشتهر في مختلف الدول العربية استخدام الحنّاء في مناسبات خاصّة، عند العبور من مرحلة حياتية  إلى أخرى، وبالتحديد عند الزواج، حيث تعقد حفلة خاصّة للفتاة المقبلة على الزواج، تسمى "حفلة الحِنّاء".

في العالم الإسلامي ظهر الرسم بالحنّاء بديلاً عن الوشم

ولادة من جديد: بحريّة وعصابات وفتوّات
من أشهر استخدامات الوشم ارتباطه بمجموعات وجماعات معيّنة، وهو ما ظهر مع بداية انتشاره خلال القرن التاسع عشر في أوروبا وأمريكا الشمالية، فاشتهر الوشم بارتباطه بالبحارة في المدن الساحليّة، وبشكل خاص وشم "المرساة" الذي اعتبر كرمز للبحريّة، ومن هنا جاء التصوّر للشخصية الخيالية الكارتونية الشهيرة "باباي.. رجل البحار" - التي ظهرت على يد الكاتب الأمريكي إيلزي سيغار عام 1919 - والذي يتم تصوير ذراعية دائماً وهي تحمل وشم المرساة.

وشم المرساة (رمز البحريّة) على ذراعيْ "باباي"

وفي مرحلة ما بعد الحرب الأهلية الأمريكية -بعد عام 1865- بدأ الوشم بالانتشار بين المراهقين في مدن الساحل الشرقي، ولم يعد محصوراً بالبحّارة والجنود، واشتهرت به بشكل خاصّ العصابات الإجرامية، بحيث ظهر وشم خاص لكل عصابة، يميّزها ويعبر عنها. ولم ينحصر ذلك على الولايات المتحدة، فقد ظهر استخدام الوشم عند عصابات المافيا في روسيا وأوروبا. ولكن وشم العصابات الأشهر كان في اليابان، وبالتحديد عند المنظمات الإجرامية المعروفة باسم "ياكوزا"، والتي اعتمدت وشماً على الطريقة اليابانية التقليدية، المعروف بـ "تيبوري".

اشتهرت عصابات الياكوزا اليابانية باعتماد وشم تيبوري التقليدي

وفي العالم العربي، اشتهر الوشم (أو الرسم) باعتباره عنصراً أساسياً من صورة وأيقونة الرجل الفتوة (القبضاي)، ولعل أشهر التجسيدات الدرامية لهذه الصورة، تلك التي ظهرت في شخصية "أبو عنتر" (ناجي جبر)، الذي كان يضع رسم القلب والسهم (رمز الحب) على ذراعه، في مسلسل "عودة غوار".

بين مشاهير الفن ولاعبي الرياضة

كانت لحظة وصول الكابتن جيمس كوك إلى نيوزيلندا ووصفه مشاهداته هناك، ومن ضمنها وشم الماوري (موكو)، هي لحظة استدخال الوشم وإعادة تعرّف العالم الغربي الحديث عليه. ولمدّة من الزمن، خلال القرن التاسع عشر، ظلّ الوشم مرتبطاً بطبقات وفئات معيّنة، بين الجنود والبحّارة والمجرمين والطبقات الدنيا.

بحسب المعتقدات فإن وشم اليانترا يمنح قوة غامضة ويعمل على دفع الشرور ويقوم بحماية حامليه

لكن تطور التقنيات المستخدمة جعلت الحال مختلفاً، وبالتحديد بعد استحداث آلة الوشم الكهربائية، والتي ساهمت في مضاعفة شهرة الوشم وانتشاره، بعد أن أصبح أسهل وأكثر أماناً، وبذلك تحوّل تدريجياً إلى جزء من الثقافة الشعبية في أرجاء واسعة من العالم الغربي، ولاحقاً -بفعل العولمة- في العامل كُلّه.

وكانت بداية الانتشار بين الفنانين عند لاعبي السيرك ولاعبي خفة اليد، ومن ثم وصل إلى مختلف أوساط الفنانين، وكانت اللحظة الفارقة في الستينيات، عندما وضعت مغنية البلوز الأمريكية "جانيس جوبلين" وشم قلب صغير على ثديها الأيسر، ليبدأ بعد ذلك بالانتشار بين مشاهير آخرين، وبين المعجبين.

اقرأ أيضاً: أشهر 7 رموز دينية.. تعرّف إلى معانيها ودلالاتها

ولم ينحصر الانتشار على الفنانين، فمع نهاية القرن العشرين أصبح رسم الوشم عادة شهيرة بين الرياضيين، من لاعبي كرة القدم، إلى لاعبي المصارعة الحرّة، ومن أبرز من اشتهر بالوشوم اللاعب الإنجليزي ديفيد بيكهام، الذي وشم بدايةً اسم ابنته، ثم اسم زوجته، ثم انتشرت الوشوم على مختلف أنحاء جسمه.

اشتهر ديفيد بيكهام بالوشوم العديدة على جسده

أسباب نفسية.. ما هي؟

وبالتزامن مع الانتشار الواسع بين المشاهير، انتشر الوشم بشكل واسع بين فئات الشباب والمراهقين، وبشكل خاصّ في أوروبا، وأمريكا الشمالية، واليابان، وهو ما فُسّر في جانب منه باعتباره من قبيل ميل هذه الفئات للولع بالمشاهير وتقليدهم، ولكن دراسات أكثر تعمقاً، كتلك التي أعدها الباحثين كارول وأندرسون عام 2002 -والمنشورة من قبل وكالة المعاهد الصحية الوطنية الأمريكية- ذهبت إلى اعتبار أنّ الوشم، وتعديل الجسد عموماً، عند المراهقين هو في حقيقته نوع من السعي والمحاولة لتحقيق السيطرة على الذات، ولتحقيق السيطرة على الجسد، في عصر تتسارع فيه وتيرة التحولات، وتزداد فيه ضغوط وضوابط المجتمعات على الفئات العمرية الأدنى.

تشير دراسة معمقة إلى أن المراهقين يضعون الوشم كمحاولة للسيطرة على أجسادهم

معانٍ عديدة ومتنوعة حملتها الوشوم، فهل من معانٍ جديدة محتملة لها في المستقبل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية