الأسرى الفلسطينيون من دون أمهم فيليتسيا لانغر: غابت شمس الحق

فلسطين

الأسرى الفلسطينيون من دون أمهم فيليتسيا لانغر: غابت شمس الحق


24/06/2018

برحيلها في برلين عن 88 عاماً، تخسر الحركة الوطنية الفلسطينية، كما يخسر السجناء والأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني، ألمع مدافعة عن حقوقهم، وأكثر من نافح وجهر بصوت الحق في سبيل حريتهم.

رحلت فيليتسيا لانغر. رحل الصوت الشجاع النزيه الذي تكرس لفضح عيوب الاحتلال ومثالب أحفاد المحرقة الذي مارسوا أبشع محرقة في التاريخ في فلسطين، وبحق أبناء الأرض الأصليين.

غابت شمس الحق التي كان المعتقلون الفلسطينيون يلقبونها (الحاجة فولا) بعد أن ترافعت عن المئات من الأسرى الفلسطينيين، وأعلنت أنها ترفض إجراءات القضاء الإسرائيلي غير العادلة، وظلت تردد: أنا مع العدالة وضد كل من يعتقد أن ما يترتب على المحرقة هو الكراهية والقسوة وعدم الحساسية.

نعى نادي الأسير الفلسطيني المحامية لانغر باعتبارها من أبرز المناصرين للحقوق الفلسطينية

ونعى نادي الأسير الفلسطيني المحامية لانغر باعتبارها من "أبرز المناصرين للحقوق الفلسطينية، ومن أوائل المحامين الذين دافعوا عن حقوق الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، وأمام محاكمه العسكرية، كما ساهمت في فضح انتهاكاته وجرائمه".

جائزة الحق في الحياة

ولدت فيليتسيا لانغر عام 1930 في بولونيا، وحصلت على شهادة القانون من الجامعة العبرية عام 1965 وقضت عمرها مدافعة عن حقوق الإنسان ودفاعها عن الأسرى الفلسطينيين الذين يعانون من قمع الاحتلال في الضفة وقطاع غزة، ونالت عام 1990 جائزة الحق في الحياة للشجاعة المثالية في نضالها من أجل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. وحصلت عام 1991 على جائزة (برونو كرايسكي) للإنجازات المتميزة في مجال حقوق الإنسان.

بعد حرب 1967 دشنت لانغر معارضتها للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك بإنشاء مكتب خاص في القدس للدفاع عن المعتقلين السياسيين الفلسطينيين.

غابت شمس الحق التي كان المعتقلون الفلسطينيون يلقبونها (الحاجة فولا) بعد أن ترافعت عن المئات منهم

وطوال سنوات، قطع مئات الفلسطينيين من الذين اعتقلت قوات الاحتلال أبناءهم وهُدّمت بيوتهم، هذا الشارع، للوصول إلى مكتب لانغر، الذي يوجد في شقة صغيرة في شارع كورش.

ويفصل بين القدس الشرقية التي احتلت عام 1967، وشارع كورش، في القدس الغربية، شارع واحد، يكاد يكون فرعياً، لكنه مزدحم وفوار بالحركة، ربما لكونه، في الواقع، يفصل بين عالمين مختلفين كل الاختلاف.

ومن بين الذين ترافعت عنهم خلال عملها رئيس بلدية نابلس بسام الشكعة عام 1979 الذي صدر أمر عسكري بطرده، والذي تعرض لمحاولة اغتيال بزرع قنبلة في سيارته من قبل عصابات إسرائيلية أدت إلى بتر مزدوج للساقين.

ألفت لانغر العديد من الكتب عن تجربتها في الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين

أولئك إخواني

ألفت لانغر العديد من الكتب عن تجربتها في الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، ومن أشهرها كتاب (بأم عيني) وكتاب (أولئك إخواني) اللذان يعتبران وثائق وشهادات دامغة تدين الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الوحشية بحق الشعب الفلسطيني.

وكتب الشاعر الراحل توفيق زيّاد في مقدمة كتابها (بأم عيني) أن لانغر وقفت في مواجهة المحاكم العسكرية الإسرائيلية الصورية التي كانت مهمتها تكريس الاحتلال وقمع مقاومته، وفضحت السياسات الاحتلالية من خلال دفاعها عن الأسرى وكشفت الوجه البشع واللاإنساني واللاأخلاقي لدولة الاحتلال.

اقرأ أيضاً: مئة عامٍ على وعد بلفور: ما تزال تسمى فلسطين

يقول زيّاد: "عندما يسجل التاريخ رواية الشعب الفلسطيني في نضاله سيكون اسم وعمل المحامية القديرة فيليتسيا لانغر جزءاً أصيلاً منه".

تقول فيليتسيا للعالم: عايشت بأم عيني سنوات الحكم العسكري للأراضي المحتلة، وهناك من يدعون أنّ الاحتلال إنساني وليبرالي، وما رأيته يختلف تماماً. هناك قمع، وسيطرة وسحق لإنسانية الإنسان.

قررت ألا أكون ورقة التين

في عام 1990، أنهت لانغر ممارسة المحاماة وغادرت إسرائيل، ملبية عرضاً تعليمياً في إحدى الجامعات الألمانية. وفي مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست"، قالت لانغر: "قررت ألا أكون ورقة التين لهذا النظام بعد الآن، أريد ترك بلدي ليكون نوعاً من التظاهر والتعبير عن اليأس والاشمئزاز من النظام، لأننا لسوء الحظ لا نستطيع الحصول على العدالة للفلسطينيين".

وجاء رحيل لانغر عن إسرائيل في سياق موجة من اليأس أصابت المثقفين الإسرائيليين، كما يقول تقرير نشرته "الشرق الأوسط" فبالإضافة إلى لانغر كان هناك ايلان بابيه، أحد أكثر المؤرخين الجدد راديكالية، في إسرائيل، يستعد لمغادرة البلاد بعد التحريض والتضييق اللذين تعرض لهما، هذا غير الاتهامات بالعمالة والخيانة. وبهذا لا يكون إيلان هو آخر الهاربين من سيطرة الاتجاه الواحد على الرأي العام الإسرائيلي ولا أولهم. وإن كانت لائحة الأسماء يتوقع أن تطول من الآن فصاعداً، فهي قد ضمت سابقاً المحامية الشهيرة فيليتسيا لانغر، والأديب اليهودي العراقي سمير نقاش، وعالمة اللغويات تانيا راينهارت.

اقرأ أيضاً: هل باع الفلسطينيون أرضهم حقاً؟

ولم تقتصر أهمية لانغر على الدفاع عن مئات المناضلين الفلسطينيين، لكنها أيضاً برزت ككاتبة وباحثة، فكتابها (بأم عيني) يعتبر أهم كتاب أرخ لحركة المقاومة الفلسطينية المبكرة، بعد حزيران (يونيو) 1967. وهي صاحبة الفضل في نقل معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب إلى العالم، وتعرضهم للتعذيب الذي لا يوصف، من خلال التقرير الشهير الذي نشرته صحيفة "الصاندي تايمز" اللندنية، عام 1977.

وتوالت كتب لانغر، ومن أهمها (أولئك إخواني) و(من مفكرتي)، والتي لا يوجد غيرها مراجع لأي باحث في الوضع الفلسطيني بعد الاحتلال، خصوصاً الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال.

أنهت لانغر ممارسة المحاماة وغادرت إسرائيل قائلة: قررت ألا أكون ورقة التين لهذا النظام

مغادرة إسرائيل

وفي عام 1990، عندما حسمت لانغر قرارها بمغادرة البلاد، استقبلت في مكتبها المتواضع، في 14 شارع كورش الذي لم تغيره، شاباً، كانت تولت الدفاع عنه في المحاكم العسكرية عندما اعتقل وهو قاصر، وجاء ليودعها. كانت تصرفات المحاكم العسكرية الإسرائيلية تجاه المعتقلين الفلسطينيين، حيث الأحكام جاهزة في جوارير القضاة، خلقت قناعة لدى لانغر بأنه لم يعد هناك ما تفعله في هذه المحاكم، التي تفتقر كما قالت لأية عدالة، وأنه لا يوجد أي أمل بإحداث تغيير، ولو كان متواضعاً.

في ذلك اللقاء بدت فليتسيا لانغر، متحررة من كل أعباء وجودها السابق في إسرائيل، وتستعد للمغادرة بشكل نهائي إلى موطنها الأصلي ألمانيا، كان لديها قدر كبير من راحة الضمير، ومشاعر تقدير عالية تجاه "أولاد الفلسطينيين"-حسب تعبيرها- الذي طالما تولت الدفاع عنهم في محاكم الاحتلال، الذين، برأيها لم يستكينوا، برغم كل شيء، وكان يعزّ عليها وهي تغادر أن تفارق هؤلاء الأولاد، الذين كل بضعة سنوات يفاجئون العالم بانتفاضات متلاحقة.

سيرة حياة المحامية فيليتسيا لانغر هي سيرة يهودية من أصولٍ أوروبية (أشكنازية) معادية للحركة الصهيونية

ويلاحظ الكاتب الفلسطيني علي بدوان أنّ الدور الكبير الذي أدته لانغر يتمثل في نقدها الشديد لحالة الإنكار التي اتسمت بها سياسات "إسرائيل" تجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهي السياسة ذاتها التي اشتقتها عموم الأحزاب في الخريطة السياسية "الإسرائيلية" باستثناء حزب راكاح الذي تطور موقفه بعد عام 1974 تطوراً كبيراً باتجاه الاقتراب من الدعوة لحولٍ تنسجم مع الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، وما كان لهذا الأمر أن يتم داخل صفوف حزب راكاح لولا نضال الغالبية العربية من أعضائه بعد أن تراجعت عضوية الأعضاء اليهود في صفوف الحزب لمصلحة غالبية عربية واضحة باتت مُكرّسة الآن.

اقرأ أيضاً: عبد المحسن القطان يرحل تاركاً أرض البرتقال الحزين ومعانقاً الخلود

ويرى بدوان في مقال نشرته جريدة "الحياة" أنّ سيرة حياة المحامية فيليتسيا لانغر، هي سيرة يهودية من أصولٍ أوروبية (أشكنازية)، معادية للحركة الصهيونية، لم تدفعها "رواية المحرقة الأوروبية" لاضطهادِ شعبٍ آخر والتنكيل به ووضعه تحت محرقة جديدة. كما تُلخِصُ سيرتها ما جرى من اعتمالاتٍ وتطوراتٍ في صفوف الحركة الشيوعية في فلسطين قبل النكبة وبعد النكبة في شأن الموقف من القضية والمسألة الوطنية الفلسطينية، وصولاً لخروجها من إطارات الحزب، واضطرارها في نهاية المطاف للخروج من كل "إسرائيل"، في صرخةِ احتجاجٍ عاليةٍ، والهجرة إلى ألمانيا مع زوجها، حيث واصلت نشاطها السياسي والأدبي الداعم للحركة الوطنية التحررية للشعب الفلسطيني، إلى حين وفاتها يوم الجمعة 22 حزيران (يونيو) 2018


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية