أين وصلت تونس بعد 7 سنوات من "الثورة"؟

أين وصلت تونس بعد 7 سنوات من "الثورة"؟


كاتب ومترجم جزائري
21/02/2018

بعد مرور سبع سنوات من عمرِ الثورة التونسية، يتطلّع الشعب التونسي في الوقت الحالي إلى تحقيق مزيدٍ من السلطة، فيما النخبُ ترى في التحوّل الديمقراطي انحداراً وتقهرقراً.

لقد وصلت تونس اليوم إلى هذا الوضع المفارق الذي أضحى فيه الرئيسُ الباجي قائد السبسي، الملقَّب بـ "BCE"،  المسؤولَ الرئيسي عن مآزق المرحلة الانتقالية التونسية، وإنْ كان يظل أيضاً القفلَ الوحيد الذي يكبح القفزة الأمنية التي يطمح إليها جزءٌ كبير من الشعب التونسي. ومن هنا أضحى الوضع في البلاد غير مستقرٍّ بشكل خاص، وهو الوضع الذي لم تتمكن كلماتُ الرئيس إيمانويل ماكرون الطيّبة، أثناء زيارته الرسمية إلى تونس في الأسبوع الماضي، من تحسينِه، بسبب عدم توفّر وسائل مالية يقدّمها الرئيس الفرنسي للصديق التونسي.

التحوّل الديمقراطي ترك منذ 7 سنوات في أرجاء تونس شباباً مهزوماً ومهمَلاً ومحبطاً بات يتردّد اليوم بين الهجرة والجهاد

تعيش تونس وضعاً صعباً للغاية، وهو الوضع الشاق الذي لا أحد يجهله أو يُنكره، حتى وإنْ كانت الهالةُ المستحقّة التي حقّقها التحوّل الديمقراطي الناجح، وهو أوّل "ربيع" عربي يحدث في عام 2011، قد أتاحت لوقتٍ طويل إخفاءَ الواقع الذي تعيشه البلاد. فالبلدُ الحقيقي قلّما يؤمن اليوم بفضائل الديمقراطية البرلمانية. ومن المسلّم به أنّ النقاشات الطويلة التي تجريها وتثريها النخبُ السياسية في تونس قد أنجبت دستوراً جميلاً خالياَ من كلّ انجرافٍ سلفيٍّ، وأفضت إلى الحصول على جائزة نوبل رائعة، نالها باستحقاقٍ المجتمعُ المدني التونسي الأسطوري، ممثّلاً في اللجنة الرباعية الشهيرة. لكنْ للأسف، هذا التحوّل الديمقراطي ترك منذ سبع سنوات في أرجاء تونس، شباباً مهزوماً ومهمَلاً ومحبطاً بات يتردّد اليوم بين الهجرة والجهاد.

أضحى الرئيسُ الباجي قائد السبسي المسؤولَ الرئيسي عن مآزق المرحلة الانتقالية التونسية

بن علي وحريّة تعبير

الحقيقة الصعبة، يمكن طرحها على النحو التالي: إنّ معظم التونسيين يحلمون بالعودة إلى نظام قويٍّ، يحكمه شخصٌ مثل بن علي، على الرغم من احترامهم الكبير لحريّة التعبير التي اعتادوا عليها منذ ثورة 2011. التراجعُ الشديد في قيمة الدينار التونسي، والتضخم الرهيب قد فاقما فقرَ الطبقة الوسطى الأسطورية التونسية. (تقاعدُ عقيدٍ كبير في الجيش - أي أعلى رتبة) يصل إلى 1600 دينار – أي  530 يورو.

هذه الأزمة العميقة، التي شهدت انخفاضاً في عائدات السياحة، وهروبَ الشركات الأجنبية التي كانت قد نقلت مقرّاتها إلى تونس، هي التي ألقت بآلافِ التونسيين إلى الشوارع في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي. تونس المنسيّين هذه، وهُمْ الأغلبية، على استعدادٍ غداً لأن تنطلق نحو ثورات ريفية جديدة. ناهيك عن أنّ الجفاف الذي شهدته البلاد خلال هذا العام لم يُحسِّنْ دخلَ السكان الذين ما يزالون يعيشون على محاصيل الريف، ويمثلون ثلث السكان.

أظهر الرئيس باجي قائد السبسي عجزَه عن إصلاح المجتمع، وعن تقنين شهيّةِ وجشع المحيطين به

وفي مواجهة هذا الانحدار الاقتصادي المتفاقم أظهر الرئيس باجي قائد السبسي عجزَه عن إصلاح المجتمع، وعن تقنين شهيّةِ وجشع المحيطين به، ولا سيما أبناؤه الذين بلغوا، بمستوى فسادهم، كل ما يتمنّونه، على غرار ما حقّقته عشيرة ليلى طرابلسي، زوجة الرئيس السابق بن علي.

لا شك أنّ التحالف الذي عقده رئيس الدولة مع راشد الغنوشي، الزعيم الكاريزمي للحركة الإسلامية التونسية، يوفّر له مظهراً من السلام الاجتماعي، ويمنحه الوهمَ بأنه أبو الأمة، على نحو ما كان عليه نموذجُه الرئيسُ الراحل حبيب بورقيبة، ولكنْ مقابل ثمنِ الإدارة المشتركة لسلطةٍ مشلولة. لقد أضحت كلُّ محاولة للإصلاح معوّقَةً وبلا طائل، كما أشار إلى ذلك المستشارون البارزون في  "مجموعة الأزمات الدولية" "Crisis Group"، على الرغم من تأييد المجموعة لإدماج الإخوان المسلمين في اللعبة السياسية التونسية.

في قلبِ هذا الاتحاد الوطني، العقيم إلى حدّ كبير، توزَع الوظائفُ بالميزان، كجوائز مخصّصة لأصدقاء السلطة. حزبٌ أحاديٌّ ولكن بِرأسينِ اثنين، باجي والغنوشي، وهذا هو المكسب المُحزن الذي حقّقته الديمقراطية البرلمانية في تونس.

معظم التونسيين يحلمون بالعودة إلى نظام قويّ يحكمه شخصٌ مثل بن علي، على الرغم من احترامهم الكبير لحريّة التعبير

أين تقف تونس؟

تدهورُ صحّةِ رئيس الدولة، 92 عاماً، وغسيلُ الكلى يومياً تقريباً، لم يعد سرًّا يخفى على أحد في تونس. ولا سيما بالنسبة لأولئك الذين يعملون في قلبِ الدولة، ويحلمون بوقفةٍ في العملية الديمقراطية، التي عاشتها البلاد في النهاية كمرحلة تقهقرٍ على طريق تحديث البلاد.

ناهيك عن أنه، لخوض انقلابٍ طبيٍّ محتمَلٍ في البلاد، كذلك الانقلاب الذي حدث في عام  1987 على الرئيس الراحل بورقيبة، لا بد من أن يكون باجي قائد السبسي، غائباً تقريباً عن المشهد السياسي التونسي. والحال أنّ هذا الاحتمال ليس هو الحال القائم، بل ما يحدث هو العكس تماماً. حيث نرى رئيسَ الدولة، على الرغم من جدولٍ زمنيٍّ مرتَب بدقّة، وقدرات ذهنية خائرة، ما انفك السبسي يُعزِّز نظامه الرئاسي. فعلى هذا النحو تم إنشاءُ مجلسٍ عالٍ في قصر قرطاج، تحت ذريعة الأمن الداخلي، يُشرف عليه ضابطٌ رفيع المستوى، ويُجاوز في الواقع صلاحيات الحكومة في جميع المجالات تقريباً. مع ما يترتّب عن ذلك من خطرِ الخلط بين المسؤوليات، بين الرئيس ورئيس حكومتِه الشاب. ناهيك عن الخلاف بين الباجي قائد السبسي ووزير الدفاع.

يبقى أنّ الرئيس الباجي قائد السبسي لا يزال يملك العديد من الأوراق الرابحة التي كثيراً ما يلعب بها بمهارة

في ظل هذه الرغبة القويّة في تعزيز سلطته، لا يفلت الرئيس التونسي دائماً من بعض الأخطاء التي لا تعظِّمُه في النهاية. فعلى هذا النحو لم يحظَ معارضُو الرئيس التونسي بالدعوة إلى قصر قرطاج لحضور حفلِ الاستقبال الذي أقيم تكريماً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته لتونس يوم الأربعاء 29 والخميس 30 يناير 2018. غير أنّ مصالح قصر الأليزيه في باريس كانت قد أصرّت على عدم استبعادِ أيّ ممثلٍ من ممثّلي الشعب التونسي من هذه اللحظة الرمزية القوية التي يلتقي فيها رئيس الدولة الفرنسي بالقوى الحيّة في البلاد. لكنّ هذا لم يكن رغبة الرئيس الباجي قائد السبسي الذي لم يُرسِل بطاقات دعوة لممثّلي الحركات التي تُعارض سياسة الحكومة، حتى لو كانوا الأكثر تمثيلاً قانونياً في البرلمان التونسي.

يبقى أنّ الرئيس الباجي قائد السبسي لا يزال يملك العديد من الأوراق الرابحة التي كثيراً ما يلعب بها بمهارة. الانتخابات الديمقراطية التي استفاد منها في عام 2014، تُزيّنه بشرعية لا يملكها أيٌّ من قادة الـ 214 حزباً سياسياً في تونس. ثم إنّ الحسّ التكتيكي الحاد الذي يتمتّع به خلال الساعات القليلة من الصفاء الذهني اليومي يتيح له إحباطَ المؤامرات السياسية التي تحاك ضده، وإعادة تشكيل التحالفات من حوله. ناهيك عن أنّ هالته كوزيرٍ سابق للرئيس الراحل بورقيبة، والعلاقات الطيبة التي يزرعها مع دول الخليج والولايات المتحدة، تمنحه قامة دولية.

الرئيس باجي الذي فاق عشقُه للسلطة عشقَه للدولة، أضحى اليوم مصدراً رئيسياً للمآسي التي تؤرّق بلاده. ولكنه من المحتمل أيضاً أنه المغلاقُ (القفل) الذي يقف في وجه الإغراء السلطوي الذي بدأ يرتسم في البلاد. لكن مع ذلك يبقى السؤال: إلى متى؟

عن mondafrique

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية