الديمقراطية في إفريقيا.. في انتظار حفلة "التيس" القادمة

إفريقيا

الديمقراطية في إفريقيا.. في انتظار حفلة "التيس" القادمة


24/04/2018

في رواية "حفلة التيس" للبيروفي، ماريو بارغاس يوسا، الحائز على نوبل للآداب (2010)، تحاور "أورانيا كابرال"، المُعارِضة السياسية لنظام الديكتاتور الدومينيكاني "ترخيو" والدها الذي كان مؤيداً وداعماً لترخيو، قائلة: "إنّكم في الحقيقة كنتم تستلذون التلوث في القذارة، وإنّ "ترخيو" قد أخرج من أعماق أرواحكم ميلاً – مازوشيا – كي يهينها ككائنات تحتاج إلى من يبصق عليها لأنّها بالتحقير تجد ذواتها"، فأجاب: "بقيت البلاد على قيد الحياة بفضل العناية الإلهية، وكانت مُهمة بقاء البلاد موكلة آنذاك إلى الخالق مباشرة، وابتداء من 1930، حلّ رافائيل ليونيداس تروخيو محلّ الربّ في هذه المهمة الشاقة".

رواية "حفلة التيس" للبيروفي، ماريو بارغاس يوسا، الحائز على نوبل للآداب (2010)

ظلمة حالكة

إنّ الحالة الإلهية التي تتلبس الحكّام  الديكتاتوريين بإيحاء ودعم ممّن هم حولهم، ليست حِكراً، ولن تكون، على الرئيس الدومينيكاني الأسبق (رافائيل ليونيداس تروخيو) التي خلّدها يوسا في روايته، لا سيما في إفريقيا، حتى أنّ بعضهم فاقه في تأليه ذاته، فلا أحد ينسى (بوكاسا) إفريقيا الوسطى، ولا (هيلي سلاسي) أثيوبيا، ولا (قذافي) ليبيا، ولا حتى بعض القائمين على العروش الراهنة، وعلى رأسهم، بعد ذهاب موغابي (زيمبابوي)، (أفورقي) إريتريا.

لكن، وفي الجانب الآخر، من هذه الظلمة الإفريقية الحالكة، يمكننا أن نرى نقاطاً من الضوء، في غرب القارة وجنوبها؛ حيث ظلّ مؤشّر الديمقراطية والتنمية في ارتفاع مُطّرد، عاماً إثر آخر، فيما ما يزال يراوح مكانه أحياناً، ويتقهقر أحايين، في شمال وشرق ووسط القارة المنهكة بالحروب والفقر والهجرة.

20% من دول القارة، حققت تقدّماً نوعيّاً في صدد التعددية الحزبية المستقرة

استثناءات محدودة

ثمة دولتان إفريقيتان فقط، أسّستا بعد استقلالهما ديمقراطية تعددية حقيقية ماتزال قائمة وراسخة، وهما (بوتسوانا وموريشيوس)، لكن المفارقة أيضاً أنّ جلّ الدول الإفريقية الأخرى تبنّت بُعيد توقّف الحرب الباردة، نمطاً ما من الانتخابات التعددية؛ باستثناءات محدودة مثل: أريتريا، والصومال، وليبيا خلال عهد معمر القذافي، فقد شهدت الفترة من 1989 حتى 1997، انتخابات تعددية في نحو 75% من الدول الإفريقية، وإن كانت جلّها تتبنى أنماطاً من الديمقراطية الصورية، إما رضوخاً لشروط المانحين، أو خشية من تصاعد الاحتجاجات الشعبية؛ في حين تستبطن في حقيقة أمرها ملامح النُّظُم الأوتوقراطية المهجّنة.

في الجانب الآخر من الظلمة الإفريقية يمكننا أن نرى نقاطاً من الضوء في غرب القارة وجنوبها

بيد أنّ 20% من دول القارة، حققت تقدّماً نوعيّاً في صدد التعددية الحزبية المستقرة والقابلة للمساءلة، وأبرزها: بنين، الرأس الأخضر، غانا، وناميبيا، السنغال، وجنوب إفريقيا. ويُرجّح مراقبون استمرار هذه الدول في تحقيق مكاسب ديمقراطية جديدة، ومع ذلك؛ فإنّ بعضها مايزال هشاً من الناحية المؤسسية، ومن ثم يتوقع انزلاقها إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، كذاك الذي حدث في مالي العام 2014.

نحو الديمقراطية والحكم الرشيد

وباستثناء الدول الإفريقية "الفاشلة" مثل: جنوب السودان والصومال، يمكننا وبحسب معايير الحكم الرشيد، تقسيم دول القارة إلى ثلاث مجموعات من حيث القرب أو البعد من الديمقراطية التعددية، وتأتي في المقدمة كلٌّ من: بوتسوانا، وبنين، وغانا، وموريشيوس، والسنغال، وجنوب إفريقيا، والرأس الأخضر، وتونس، وفي الطريق نيجيريا، والغابون، وبوركينا فاسو وغيرها؛ حيثُ عزّزت هذه الدول ثقافة الانتخابات الدورية، ونجحت في تكريس عملية التحول الديمقراطي، وتحويلها إلى واقع يومي مَعيش.

دولتان إفريقيتان فقط أسّستا بعد استقلالهما ديمقراطية تعددية حقيقية ماتزال قائمة وراسخة وهما بوتسوانا وموريشيوس

فيما أتاحت دول أخرى نوعاً من الحرية والتعددية المحدودتين؛ بحيث لا تطالان رئيس الجمهورية والجيش والقوى الأمنية الأخرى، ومثال ذلك: السودان، الكاميرون، تشاد، ورواندا.

في الطريق

على العكس تماماً، وكما تمت الإشارة سابقاً، فإنّه فيما عدا (تونس) وبعض الإشراقات (الباهتة) في أثيوبيا وزيمبابوي، لم تحدث أيّ تحولات ديمقراطية فارقة، في دول شمال وشرق ووسط القارة الإفريقية.

لكنّ الراصد لحركة التحول الديمقراطي في غرب القارة وجنوبها، يلحظ تقدماً كبيراً في هذا الخصوص، خاصة في الدول ذات الثقل  الديموغرافي والاقتصادي والسياسي والعسكري، مثل: نيجيريا، السنغال، غانا، وساحل العاج في الغرب، وجنوب إفريقيا في الجنوب الأقصى، الأمر الذي أجبر بعض الدول الصغيرة في الجوار إلى الرضوخ للإرادات الكبرى، كما حدث في غامبيا العام الماضي؛ حيث تدخل الجيش السنغالي لإرغام الرئيس المنتهية ولايته، يحيى جامع، على التخلّي عن السلطة لصالح منافسه أداما بارو، الفائز في الانتخابات الديمقراطية، وقد حقّق مهمته بنجاح بعد أن حظي بدعم إفريقي كبير.  

بعضهم يطالبون بالعودة إلى ما يُعرف بتقاليد (اجتماعات الشجرة) على المستوى القروي والقبلي

حجج واهية

أكثر من ذلك، فإنّ التوجه الإفريقي المتنامي نحو الديمقراطية التعددية والليبرالية الجديدة، يواجه مصاعب جمّة، بعضها ذو صلة بالثقافة الإفريقية نفسها، وأخرى تتلبس تأويلات دينية متشددة، كما في السودان والصومال، فالنخبة الحاكمة في إرتيريا، على سبيل المثال، تحتج دائماً بأنّ الديمقراطية الغربية تتعارض مع التقاليد الثقافية للشعب.

وهذه هي الحجة ذاتها التي تذهب إليها كثير من الحكومات الإفريقية المستبدة بدعم فكري من المثقفين الموالين لها، الذين ظلوا ينادون بالابتعاد عن (التقاليد الغربية) في العمل السياسي، ويطالبون بالعودة إلى ما يُعرف بتقاليد (اجتماعات الشجرة) على المستوى القروي والقبلي، التي تتخذ أسماء عديدة بحسب اللغات الإفريقية المختلفة، مثل: (الأوغاما، والبونغي، والكغوتلا، والمحبر).

الحكومات الإفريقية المستبدة تحظى بدعم من مثقفين موالين ينادون بالابتعاد عن (التقاليد الغربية) في العمل السياسي

ويتبنّى المحافظون الإفريقيون نظرية محدودية  تقبل الديمقراطية الليبرالية في المجتمعات المحلية التقليدية في بلدانهم؛ حيث يُحاط الشأن الثقافي والديني بسياجٍ منيعٍ يصعب اختراقه، خاصة من نظام لا يراعي الخصوصيات الحضارية للشعوب ولا يأبه لها، الأمر الذي يسهم في إبطاء التحول الديمقراطي أو عرقلته على أقل تقدير. بل يعطي للحكام المستبدين، ليس مساحة شاسعة للمناورة على إيقاف هذا المدّ الجارف فحسب؛ بل اعتبار أنفسهم مخلِّصين مُرسلين من السماء لإنقاذ بني جلدتهم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية