أي إرث للخميني بعد ثلاثين عاماً على رحيله؟

إيران

أي إرث للخميني بعد ثلاثين عاماً على رحيله؟


05/06/2019

بعد عشرة أعوام من عودته إلى بلاده، في أعقاب إطاحة نظام الشاه، محمد رضا بهلوي، عام 1979، وقيادته البلاد في الحرب مع العراق، رحل آية الله الخميني في مثل هذه الأيام، قبل ثلاثين عاماً، تاركاً إرثاً سياسياً ما يزال يطبع الشرق الأوسط، بل يمتد إلى مناطق واسعة من العالم.
ولا يختلف الباحثون والدارسون الإيرانيون والغربيون حول أنّ الخميني، المولود عام 1902، في قرية (خمين)، الواقعة جنوب مدينة قم (مركز المدارس الدينية الشيعية)، يمثّل مساراً دينياً رافضاً بشدة لـ "الحداثة الغربية والإمبريالية الأمريكية"، مثلما وضع الأسس لحكم ديني يجعل الدولة خاضعة بالمطلق لـ "زعيم الثورة" عبر "ولاية الفقيه".

الكاتب الإيراني باقر معين: الحرب ضدّ العراق من دون الخميني ما كانت لتحدث أبداً، أو كان يمكن إنهاؤها مبكراً

في السياق السياسي لجهة بناء التحالفات، وصولاً إلى السيطرة المطلقة على السلطة، تمكّن الخميني، من منفاه العراقي أولاً، ثم الفرنسي، من إدارة عمل جبهة واسعة من القوى التي "مزجت رجال الدين الشيعة مع القوميين العلمانيين والماركسيين"، لكنّه بعد انتصار "الثورة" انقلب على حلفائه، وعدّ العلمانيين، والماركسيين خاصة، خصومه. وهنا يقول السفير الفرنسي السابق في طهران، فرانسوا نيكولود: إنّ "الخميني جمع بين البراغماتية التي استلزمها الحصول على السلطة والحفاظ عليها والسلوك القاسي تجاه أعداء الثورة الإسلامية".
ويعتقد مؤيدو الخميني بأنّ الرجل "غيّر إيران كلياً، ونقلها من بلد خاضع للمصالح الأجنبية إلى تأمين احتياجات السكان الأصليين وكرامتهم ومعتقداتهم وثقافتهم ومصالحهم".

السياسة الأمريكية لإيران ما بعد الخميني
بعد رحيل الخميني، كان ثمة رأي في أمريكا بأنّ ذلك الحدث قد يغرق إيران في الفوضى، ولن يكون له تأثير يذكر على السياسة الخارجية "الثورية" الإيرانية، بل قد يزداد عداء إيران للولايات المتحدة والغرب بسبب الصراع المستمر على الخلافة الإيرانية.
ويقول الباحث الأمريكي، جيمس فيليبس: "كان الخميني هو الغراء الذي جمع أطراف النظام الإسلامي الثوري الإيراني معاً، لقد كان الحكم النهائي للنزاعات السياسية بين الفصائل الإيرانية المتصارعة"، وهكذا؛ فإنّ موته قد يخلق فراغاً في القيادة قد يؤدي في النهاية إلى زعزعة استقرار الحكومة الإسلامية في إيران.

اقرأ أيضاً: "ولاية الفقيه".. حين انقلب الخميني على الفقه السياسي الشيعي
هذا التصور الأمريكي لإيران ما بعد الخميني، ما لبث أن أثبت فشله، حين تم تعيين حجة الإسلام، علي خامنئي، خلفاً للخميني، وبدأ باتباع نهج جذري في قضايا السياسة الخارجية، وتعميق مبدأ "تصدير الثورة"، وتوسيع العلاقات مع الجماعات الإرهابية في المنطقة والعالم (سفير إيران في سوريا يكون دائماً مكلفاً بالإشراف على الجماعات الإرهابية اللبنانية الموالية لإيران)؛ بل هو من ظلّ وفياً لـ "فتوى الخميني" القائلة بضرورة قتل الكاتب البريطاني، سلمان رشدي، عقاباً له على كتابه "آيات شيطانية".

اقرأ أيضاً: ما بعد الخمينية... ما الذي يفعله الإصلاحيون في إيران؟
وفيما ظلّ يسود رأي أمريكي مفاده "يجب على الولايات المتحدة التركيز على عرقلة طموحات المتطرفين الإيرانيين، ويجب على واشنطن الضغط على حلفائها، لحظر التجارة وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، حتى تتوقف طهران عن دعم الإرهاب، لا ينبغي تقديم تنازلات حتى لو كان الثمن حرية الأمريكيين المحتجزين، بل يجب أن يكون إطلاق سراحهم شرطاً مسبقاً، وليس هدفاً لتحسين العلاقات مع إيران"، جاء غزو أمريكا لأفغانستان (2001)، والعراق (2003)، لينهي أكبر عدوَّين لنظام آية الله؛ الأول شرق إيران، والثاني في غربها، وهو ما هدم فعلياً أسيجة طويلة كانت تمنع تحرك النظام الإيراني لجهة تنفيذ مخططات تصدير الثورة، ناهيك عن أنّ الغزو الأمريكي، للعراق على نحو خاص، أوصل قوى للسلطة تابعةٌ، بل هي وكيلة لطهران.
بعد انتصار "الثورة" انقلب على حلفائه، وعدّ العلمانيين، والماركسيين خاصة، خصومه

آية الله ملهم الأصوليات
يلاحظ الكاتب الإيراني، باقر معين، وهو مؤلف سيرة تعتبرها أوساط غربية "ممتازة" للخميني، كيف "خفف الزمن بالفعل من التقديرات الأولية لتأثير الخميني الثوري، وعزز الرأي القائل: إنّ الأحداث قد تسير في اتجاه مختلف تماماً بالنسبة إليه".
وفي هذا الباب؛ يعتقد بأنّ "الحرب ضدّ العراق من دون الخميني ما كانت لتحدث أبداً، أو كان يمكن إنهاؤها في مرحلة مبكرة، وبالتالي كان يمكن أن يكون الصراع أقل صدمة لكلا البلدين".

كان ثمة رأي في واشنطن بأنّ رحيل الخميني قد يغرق إيران في الفوضى ويزيد العداء لأمريكا والغرب

وهكذا كان سيكون وضع صدام أقل يأساً، ولم يكن غزو الكويت، وبالتالي حرب الخليج الثانية (1991)، قد حدثت، ولكنه يستدرك: "ما لا يمكن إنكاره حقاً؛ هو أنّ نجاح الخميني في إسقاط نظام عزيز على واشنطن (الشاه)، وتحدي الولايات المتحدة بعد ذلك، كان جزءاً من عملية شجعت قادة مختلف الأصوليات السياسية والدينية، لمواجهة الغرب، والأمل ليس فقط للبقاء على قيد الحياة ولكن لتحقيق النجاح".
في عهد الرئيس محمد خاتمي (1997- 2005)؛ ازداد الصراعُ بين حكومةٍ ذات ميول ليبرالية وبين الهيكل السياسي الراسخ، الذي يترأسه آية الله علي خامنئي، وهو الممثلُ الحقيقي لإرث الخميني الذي بالغ في درجة العداوة ضمن لعبةٍ خطيرة جرّت كثيراً من المخالفين لذلك الإرث إلى الاعتقال والسجن وأشكال الاضطهاد والموت في بعض الحالات، وهو ما أنهى فعلياً أيّة إمكانية لخروج إيران من "ظل الخميني الثقيل"، بحسب القوى الغربية، التي تؤكد أنّ الخميني نفسه كان وراء احتجاز رهائن السفارة الأمريكية في طهران، بعد وقت قصير من وصوله إلى السلطة، وهو من كان وراء إعدام السجناء السياسيين، بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وقبوله بسلام وصفه بكونه: "مثل تجرع كأس من السمّ"، كذلك اعتقال مجموعة من اليهود الإيرانيين بتهمة التجسس، ثم القمع المنظم للأقليات من عرب وكرد، ناهيك عن التمييز الطائفي الذي طال السنّة في إيران، ومطاردة ناشطيهم بلا هوادة بتهمة الإرهاب.

الصورة الحقيقية
الصورة التي تقدمها بعض القراءات الغربية للخميني بأنّه "مع تقدمه في العمر، أصبح أكثر تسامحاً" تكاد تسقط فعلياً حيال صورة حقيقية للرجل الذي ظلّ متشدداً حتى في آخر أيامه، حين كتب إلى خليفته المعين، آية الله حسين علي منتظري: "بما أنّه أصبح من الواضح لي أنك سوف تسلم هذا البلد، ثورتنا الإسلامية العزيزة، وشعب إيران المسلم إلى الليبراليين، فأنت لم تعد مؤهلاً لخلافتي كزعيم شرعي للدولة".

اقرأ أيضاً: كيف كان الخميني وريثاً لعبد الناصر وحسن البنا؟
في المقابل؛ يتفق كتّابٌ ومحللون، عراقيون وعرب، على أنّ "الإسلام السياسي"، بشقّيه؛ الشيعي والسنّي، وبالتالي عصر الطائفية القاتلة انتعش بقوة بعد وصول الخميني إلى السلطة، وبهذا فهم يلتقون مع ترجيح الكاتب الإيراني باقر معين، من أنّ "الحرب ضدّ العراق من دون الخميني ما كانت لتحدث أبداً، أو كان يمكن إنهاؤها في مرحلة مبكرة، وبالتالي كان يمكن أن يكون الصراع أقل صدمة لكلا البلدين"، وبالتالي فالمنطقة كان يمكن لها أن تمضي بعيداً عن المسار الدموي والتدميري الرهيب الذي صارت إليه، منذ عام 1980 حتى اليوم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية