طبيبة مصرية تكشف لـ"حفريات" كيف عالجت مصابي كورونا بدون علم أهلها

كورونا

طبيبة مصرية تكشف لـ"حفريات" كيف عالجت مصابي كورونا بدون علم أهلها


21/04/2020

صرخ المريض في طرقات المستشفى: "أنا مش مصاب بكورونا". حاولت مسؤولة قسم العزل في مستشفى صدر العباسية بالقاهرة احتواء الموقف، أخبرته أنّ التحاليل أثبتت الإصابة، غير أنّ ذهول المصاب واستنكاره للإصابة كان موقفاً لا تستطيع الطبيبة نسيانه، تقول: "الطبيب يجب أن يكون قوياً في التعامل مع أوجاع المرضى، لا يجب أن يظهر الطبيب ألمه، هنا ينكسر المريض هو الآخر، غير أنّ ذلك الموقف تألمت له بشدة".
مسؤولة قسم العزل
أخفت الطبيبة أسماء النمر على أسرتها خبر اختيارها مسؤولاً لقسم العزل بالمستشفى، أخبرتهم أنها تعمل مساعد أخصائي بقسم الصدر والدرن، ولا علاقة لها بمصابي كورونا. وفي تصريحها لـ"حفريات" تفسر النمر: "أختي الصغرى إسراء النمر صحفية بجريدة أخبار الأدب، تربطنا علاقة استثنائية منذ طفولتنا، لم تستطع أختي تقبل أنني معرضه للموت في أي لحظة، أنني أعيش في قلب الوباء، أداوي مرضاه، حاولت التخفيف على أسرتي فأخفيت عليهم المسألة في البداية".

تشير الأرقام المعلنة من الجهات الحكومية أنّ معدل الإصابات في مصر بفيروس كورونا بين الأطباء 10%

وأفادت وزارة الصحة والإسكان المصرية، أمس الإثنين، أنّ إجمالي العدد الذي تم تسجيله في مصر بفيروس كورونا المستجد، هو 3333 حالة من ضمنهم 821 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفيات العزل، و250 حالة وفاة.
وتزداد بشكل كبير إصابات الأطقم الطبية في مصر بفيروس كورونا، تشير الأرقام المعلنة من الجهات الحكومية أنّ معدل الإصابات بالفيروس بين الأطباء في مصر 10%، والرقم معرض للزيادة، بيد أنّ الأطباء في مصر لم يفزعوا من تلك النسبة: "طبيعة عملنا في العموم تعرضنا للعدوى بشكل دائم، حتى قبل كورونا"، تشرح النمر: "الطبيعي أن نحتاط عندما نتعامل مع المرضى، تلك مسألة بديهية، غير أننا وفي أحيان كثيرة ننسى تلك الاحتياطات؛ عندما تكون حياة المريض في خطر، ربما يفصله عن الموت دقائق معدودة، إنقاذ المرضى هنا تكون أولوية قصوى، حتى وإن كان ذلك فيه خطر علينا".

أخفت الطبيبة أسماء النمر على أسرتها خبر اختيارها مسؤولاً لقسم العزل بالمستشفى
عبارات قد يظنها البعض رومانسية، غير أنّ إسراء النمر تملك جميع الأسباب التي تدفعها لترك مكانها والجلوس في المنزل دون أدنى مسؤولية عليها، لديها طفلان، اضطرت لفطام أحدهما قبل شهر تخوفاً من نقل العدوى إليه، رغم أنه لا يزال في الشهر الرابع بعد العام الأول من عمره، تعاني النمر أيضاً من إصابة في القدم نتيجة حادث سير في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، تعجزها عن الوقوف لفترات طويلة، إصابة لم تشفَ منها بعد، غير أنها تحاملت على كل ظروفها حتى تكون بين زملائها الأطباء تساعد في إنقاذ ألاف المرضى، من وباء أرعب الجميع.
تعودنا العمل بأبسط الإمكانات
"أنا مش خايفة، ودا واجبي العادي"، عبارة رددتها النمر أكثر من مرة في حديثها لـ"حفريات"؛ ما يخشاه العامة الآن من الإصابة بفيروس كورونا بالنسبة لهم مسألة عابرة تنتهي باكتشاف الدواء، غير أنها بالنسبة للنمر مسألة متجددة، فهي تعمل في واحدة من أشهر المستشفيات في القاهرة المتعاملة مع مرضى الصدر، والتي أصبحت في لحظات مستشفى لعزل مصابي كورونا، والنمر مسؤولة العزل في المكان، رغم أنها بدأت العمل فقط منذ بضع سنوات، حيث باشرت مهنة الطب بعد عام 2013.

اقرأ أيضاً: منى الشيمي من العزل الصحي: الكتابة من وحي الألم
تفسر النمر سر صمود الأطباء في مستشفيات القاهرة حتى اللحظة: "اضطربت المؤسسات الصحية في دول العالم المتحضر لأنهم غير معتادين على العمل في ظروف وإمكانات ضعيفة، أو العمل تحت ضغط مرض الآلاف دون وجود أماكن كافية، أما نحن في دول العالم الثالث فنعمل مع أبسط الإمكانات، مسألة معتادة لدينا ألا نجد غرف عناية مركزة كافية للمرضى، أو تجهيزات طبيبة متاحة، أو أدوية كافية، وبالممارسة أصبحت لدينا القدرة على التكيف مع كل تلك الأوضاع، لكن ذلك لا يمنع أننا نعاني لأسباب أخرى، نحن مطالبون بتقديرات وبيانات كل لحظة في منتهى الدقة، العالم أجمع ينظر إلى الأطباء، وينتظر المعلومات، في مصر وزارة الصحة تنتظر منك بيانات وإحصاءات دقيقة كل لحظة، مع العلم أنّ فيروس كورونا نفسه غير واضح، وبروتوكولات العلاج المعتمدة تتغير أكثر من مرة نتيجة المعلومات المكتشفة بشكل يومي عن الفيروس، مثلاً كنا نشترط ظروفاً معينة لاعتبار الحالة المشتبه فيها مصابة بكورونا في البداية، مثل اختلاطه بأجانب، أما اليوم قد تأتينا إصابة بكورونا لم تخرج من البيت نهائياً، ولم تختلط بأحد، كيف أصابها الفيروس إذاً؟".
 الطبيبة أسماء النمر وأختها الصحفية إسراء النمر

مخاوف الأخت الصغرى
رغم إصرار الطبيبة أسماء النمر على تجنيب مخاوفها، والتصريح الدائم أنها في عملها الطبيعي، إلا أنّ كتابات أختها الصغرى، الصحفية إسراء النمر، على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" تشير إلى عكس ذلك: "لن تعلن أختي عن مخاوفها، حتى لا تؤثر بالسلب على أسرتها، ثباتنا من ثباتها، مؤكد لن تفصح عن إصابة في القدم تؤلمها من كثرة الوقوف، إصابة حديثة لم تشف منها بعد، لم تفصح أنّ سبب فطامها لطفلها قبل موعده هو الخوف من انتقال العدوى إليه، ولن تفصح، أشعر أحياناً أنّ تلك المهنة عندما يعتاد عليها الأطباء تصبح قلوبهم أقسى، حتى يستطيعوا تحمل ذلك القدر من الألم الذي يشاهدونه كل لحظة".

إسراء النمر لـ"حفريات": لم أتعلق بأحدٍ مثلما تعلقت بأسماء أختي. فكنتُ ظلها الدائم؛ أذهب وراءها وأنام بجوارها

تضيف الصحفية إسراء النمر في تصريح لـ"حفريات":" لم أتعلق بأحدٍ مثلما تعلقت بأسماء أختي. فكنتُ ظلها الدائم؛ أذهب وراءها وأنام بجوارها وأضحك على أي شيء تقوله. وكانت أسماء تزيد من تعلقي بها بلطفها وقبولها غير المشروط. فمنذ صغري ولي شخصية مغايرة عن الذين في البيت. لي مثلاً أكلات مفضلة، وزي مفضل، ومكان مفضل. لي أفكاري المتهورة، وصمتي غير المتوقع. لي شطحاتي وأحلامي التي تخالف أحلامهم. وكانت أسماء الأذن الوحيدة التي تسمعني، والحضن الذي أرتمي فيه".
على العكس من الأخبار الشائعة عن مخاوف الأسر والعائلات من جيرانهم وأهلهم العاملين في الأطقم الطبية المتعاملة مع فيروس كورونا، تعطي عائلة النمر صورة مغايرة، هم على اتصال دائم، ويجمعهم خوف واحد، ليس انتقال العدوى إليهم، بل إصابة ابنتهم الطبيبة: "لو انتشر الوباء وهي مسألة متوقعة سوف أطلب التطوع في المستشفى حتى أظل بجوار أختي الكبرى". تضيف الصحفية إسراء النمر في تحدٍ: "لا أخشى من الإصابة بالفيروس، خوفي الأكبر هو إصابة أختي، أستطيع تحمل ألمي وليس ألمها".

اقرأ أيضاً: الخوف من الموت والخوف من الضحك والخوف من كورونا
تشرح إسراء: "أنا مثلاً لم أكن أبكي وأنا طفلة حين كانت تتركني أمي، لكنني كنت أبكي حين تتركني أسماء. ولقد دخلت في نوبات اكتئابية حادة، لأنّ أسماء دائما كانت تتركني، فهي تكبرني بعامين، بالتالي تسبقني في الدراسة بعامين، وحين كانت تنتقل من مرحلة تعليمية لأخرى، كنت لا أستطيع استيعاب ذلك وأظل أبكي يومياً الآن لم أعد أبكي على أسماء حين تأتي إلى البيت وتغادر مع طفليها. لم أعد أبكي، لكنّ شيئاً ما فيّ يذهب وراءها. يذهب ولا يعود إلا حين أراها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية