3 ميليشيات جديدة في العراق تكشف إستراتيجية إيران بعد سليماني

إيران والعراق

3 ميليشيات جديدة في العراق تكشف إستراتيجية إيران بعد سليماني


05/05/2020

تمثل الميليشيات العراقية الجديدة التي ظهرت، مؤخراً، بأسماء "أصحاب الكهف" و"عصبة الثائرين" و"قبضة المهدي"، أحد تداعيات المشهد السياسي في العراق، في الفترة التي تلت مقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، بعد تنفيذ ضربة جوية بالقرب من مطار بغداد، مطلع العام الجاري؛ حيث مثلت ذروة التوتر بين طهران وواشنطن، وقد تحولت بغداد إلى ساحة للحروب بالوكالة، في ظل التدخلات الخارجية والإقليمية، لا سيما مع التواجد الأمريكي، من جهة، وكذا، سعي إيران عبر وكلائها إلى مد نفوذها السياسي والعسكري، من جهة أخرى، كما يمكن اعتبار تلك الميليشيات الثلاث مرحلة تأسيس جديدة، تختلف فيها على مستوى التكتيك والعمل السياسي والميداني عما سبقها من الميليشيات العسكرية الطائفية، إبان العام 2003.

اقرأ أيضاً: الجمود الفكري لنموذج الإسلام السياسي الشيعي في العراق
منذ شهر شباط (فبراير) الماضي، بدأت تظهر هذه الميليشيات الجديدة بواسطة إصدارات مرئية، وبيانات مكتوبة، دون أن تعلن كعادة الميليشيات والتنظيمات المسلحة عن قائد لها أو مرجعية تنتسب لأدبياتها وأفكارها، بينما حملت تسجيلاتها وبياناتها المنشورة تهديدات مباشرة إلى القوات الأمريكية في العراق، وهاجمت كتلاً سياسية عراقية متنوعة، على خلفية الأزمة القائمة حول تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء.

قصة "أصحاب الكهف" وأخواتهم
وفي منتصف شهر شباط (فبراير)، دشنت ميلشيا "عصبة الثائرين" ظهورها الفعلي من خلال أول نشاط لها، عبر تبنيها هجوماً عسكرياً بثته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وظهر فيه الهجوم الذي نفذوه على معسكر التاجي، شمال بغداد، وقد نجم عنه مقتل جنديين أمريكيين، ومجندة بريطانية، فضلاً عن إصابة آخرين من عناصر قوات التحالف الدولي.

اقرأ أيضاً: خبراء: إيران حولت العراق لمركز تجسس وتبدد السلام

وجاء في بيانها الأول، الذي أعقب العملية العسكرية، أنّها رد على اغتيال قيادات الحشد الشعبي، ومن أبرزهم أبو مهدي المهندس، الذي قتل في غارة أمريكية برفقة قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني.
لم تعلن الميليشيات الثلاث منذ ظهورها، عن تبعيتها لأي من المجموعات التي ظهرت إبان العام 2003، ومثلت في أغلبها تبعية إلى طهران ونظام الولي الفقيه، من الناحيتين؛ السياسية والأيديولوجية، فضلاً عن الدعم العسكري واللوجيستي، إلا أنّ شعاراتها وخطابها السياسي وأهدافها تعكس تماساً مع الميليشيات المنتمية إلى الحرس الثوري، وأبرزها: "فاطميون" و"الحشد الشعبي" و"حزب الله"، كما أنّ العملية التي قاموا بها بالقاعدة الموجودة في شمال بغداد، جاءت كرد فعل مباشر على مقتل القيادي في ميليشيا كتائب حزب الله، أبو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني، بحسب ما أعلنوا.

تزامن ظهور التنظيمات مع الزيارة التي قام بها إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس، إلى العراق لإعادة ترتيب الأوضاع

وفي أحد الإصدارات المرئية التي قام ببثها تنظيم "عصبة الثائرين"، جاء الفيديو عبارة عن فيلم تسجيلي وتوثيقي للقائد السابق لفيلق القدس، قاسم سليماني، كما رافق التسجيل مجموعة من الأناشيد الحماسية التي تذكر سليماني بعبارات بلاغية وتمجيدية.
بينما يظهر في إصدار مرئي آخر لنفس الميليشيا تصوير سري، تمت الاستعانة فيه بطائرة مسيّرة، قامت بالتقاط مقاطع مصورة للسفارة الأمريكية ببغداد، مع تهديد بقصفها، بالإضافة إلى فيلم آخر لقاعدة عين الأسد الجوية في الأنبار، مع تهديد باستهدافها وتفجيرها هي الأخرى، خاصة، وأنّ الأخيرة، سبق ونشرت عنها مقطع فيديو توثق لحظات طائرة مسيرة تقوم بالتجسس عليها، في الأول من نيسان (أبريل) الماضي.

فتش عن إيران
ويرجح مراقبون أنّ تلك الميليشيات المسلحة التي ظهرت في العراق، بينما تعتمد على بث مقاطع مصورة بطائرات مسيّرة، تظهر أحياناً مواقع عسكرية للقوات الأمريكية أو أجزاء من مبنى السفارة الأمريكية ببغداد، وقد تم التقاطها لأغراض التهديد والتجسس، هي إحدى "فرق الموت"، التي ظهرت في العام 2007، بحسب التسمية الرائجة في وسائل الإعلام حينها، وكانت عبارة عن جماعات مسلحة تعتمد النشاط المسلح، وإستراتيجية حرب العصابات، بهدف التصدي للمصالح الأمريكية، ومناطق تمركز القوات الأمريكية.

اقرأ أيضاً: كيف أعاد فيروس كورونا تشكيل العلاقة الإيرانية العراقية؟
بيد أنّ هناك من يربط هذه التنظيمات على نحو مباشر بالحرس الثوري الإيراني، ويرى ثمة صلات عديدة تدرجها ضمن الميليشيات التي تعمل تحت لوائه، خاصة، في ظل الأهداف المشتركة بينهما، وتشابه الشعار المقتبس في تلك الفصائل، والذي يعتمد على عبارة "المقاومة الإسلامية"؛ حيث يتماثل مع شعارات حزب الله اللبناني، وكتائب النجباء وسيد الشهداء، الموجودتين في العراق؛ إذ لا تختلف مقولاتهم في صورتها ومضمونها عن الموجودة لدى الجماعات التابعة لطهران.

اقرأ أيضاً: إيران وعبء الفصائل العراقية
وبحسب الخبير الأمني العراقي، أحمد الأبيض، في تصريحه لموقع "الحرة" فإنّ ميليشيا "عصبة الثائرين" ما هي إلا حركة عصائب أهل الحق، وقد أسسها علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وربطها به شخصياً، كما تمول الحركة من إيران من أجل استهداف القوات الأميركية في العراق، إلا أنها اضطرت إلى تغيير لونها والعمل تحت اسم وغطاء جديد وهو عصبة الثائرين، بعد اختفاء قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، عن المشهد، إبان العملية العسكرية التي استهدفت أبو المهدي المهندس وقاسم سليماني.

الطرف الثالث.. ذراع إيران الجديدة في بغداد
وبحسب الباحث والصحفي العراقي، قيس حميد، فإنّ ميليشيا أصحاب الكهف، تبدو الأكثر وضوحاً في تبعيتها لطهران، وإن كانت لا تعلن عن ذلك في أدبياتها وبياناتها وإصداراتها، غير أنّها ظهرت تحمل حول شعارها "المقاومة الإسلامية في العراق"، وهو الشعار القريب من حزب الله اللبناني، صورتين للإمام الخميني، والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، كما أنّ توقيت ظهور التنظيمات الثلاث ووحدة الأهداف المشتركة بينهم، إنما يكشف عن خيط تنظيمي يربطهم ببعض، ويؤكد على وجود رغبة في التخفي والتمويه على إثر التحولات التي جرت بعد مقتل سليماني والمهندس اللذين شكلا خسارة فادحة لإيران في المنطقة، بوجه عام، والعراق، بوجه خاص.
كما أنّ تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، وحدة الاحتجاجات في العراق ضد الطبقة السياسية الحاكمة، ونفوذ إيران، ترتب عليه، بحسب حميد، ظهور هذا الشكل من العمل "الشبحي" المسلح، بحسب توصيفه، والذي تقوم به تلك الفصائل، لافتاً إلى قتل المتظاهرين في الاحتجاجات بواسطة قناصين متخفين، واستهداف المحتجين بواسطة طرف غير معلن أو جهة غير معروفة.

اقرأ أيضاً: هل تنهي لعنة كورونا السطوة الإيرانية في العراق؟
ويضيف لـ"حفريات": "تزامن ظهور تلك التنظيمات مع الزيارة التي قام بها إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس، إلى العراق، والتي كانت تستهدف إعادة ترتيب الأوضاع من جديد وسط المتغيرات العنيفة التي جرت، خاصة، وأنّ العراق في تلك الفترة شهد تشكيل حكومة جديدة، بينما طهران تسعى إلى وضع بصمتها، فضلاً عن وضع إستراتيجية جديدة للعمل السياسي والميداني، وعليه، فإنّ تلك الميليشيات الجديدة لا يمكن فصلها عن تلك السياقات الكاشفة والأحداث اللافتة، والتي ترتكز في نشاطها على الدور التقليدي الذي تعمل عليه طهران، منذ عقود، عبر ميليشياتها الطائفية، لجهة تفتيت الدولة الوطنية، واستئناف مشروع اللادولة".

خسارة طهران ولملمة الشتات
ومن جانبه، يشير الباحث العراقي، رانج علاء الدين، في معهد كارنيغي، إلى أنه بعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، تزايد عدم اليقين السياسي لدى إيران والجهات العراقية الموالية لها، حيث باتت تشعر بالقلق إزاء ما كانت تحظى به من هالة الحصانة التي بفضلها أحكمت قبضتها على المجال السياسي العراقي لأعوام، خاصة، وأنّ سليماني والمهندس كانا ركناً أساسياً في الشبكة العراقية الواسعة من الميليشيات الإيرانية، والجهات الوكيلة لإيران، بيد أنّ مصرعهما وضع شبكة الجهات العراقية الوكيلة لإيران في حالة بلبلة محتملة، مما يفتح الباب على معارك جديدة في السياسات العراقية الشيعية يمكنها أن تفضي إلى اتجاهات مختلفة.

جسّد أحد الإصدارات المرئية التي قام ببثها تنظيم "عصبة الثائرين"، فيلماً تسجيلياً وتوثيقياً للقائد السابق لفيلق القد، قاسم سليماني

ويضيف في دراسته المنشورة: "يحضر العراق نفسه لانعكاسين: الأول، سيشهد منازلة عنيفة محتملة بين الميليشيات الشيعية المتنافسة التي تريد أن ترسم معالم مشهد ما بعد سليماني واستغلاله، والثاني، سيتمثل في ظهور بيئة سياسية متقلبة، قد تدخل فيها طهران وواشنطن في صراع مباشر على إثر تداعيات اغتيال سليماني".
بيد أنّ الميليشيات الشيعية العراقية غارقة في منافسة محتدمة، بهدف كسب القوة والموارد، منذ عقود، وهي في مسار يتجه نحو مواجهة مهمة منذ فترة، بحسب الباحث العراقي، حيث يمكن أن تشهد خلال الفترة المقبلة، مواجهة محتملة بين قوتين سياسيتين كبيرتين؛ سواء المجموعات الموالية لإيران التي تقود قوات الحشد الشعبي، من جهة، أو مجموعة مقتدى الصدر، من جهة أخرى، والأخير، رجل دين شيعي في العراق، ويرأس ميليشيات تضم عشرات الآلاف من العناصر تحت مسمى "جيش المهدي"، وقد تقدم في الانتخابات العراقية، قبل عامين، وحل في المرتبة الأولى، وهو ما جعله في مواجهة مباشرة ومنافسة محتدمة أمام خصمه في الحشد الشعبي، والذي احتل المرتبة الثانية في أول انتخابات شارك فيها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية