تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي العراقية بالانتقادات الحادة تجاه الحكومة العراقية، والسخرية من قيادات النظام، ردّاً على مخرجات التظاهرات الشعبية الأخيرة، التي شهدتها مختلف مدن البلاد، وفيما تلقى ناشطون مدنيون تهديدات بـ "التصفية الجسدية"، غادر كثيرون منهم نحو إقليم كردستان، في حين تعرّض الآخرون للخطف والاغتيال الممنهج، لا سيما في محافظتَي؛ بغداد والبصرة.
قنّاصة تابعون لميليشيات مسلّحة يوقعون ضحايا من المتظاهرين والقوات الأمنية العراقية والموقف الرسمي يقرّ بوجودهم
ولقي 106 عراقيين مصرعهم، فيما أُصيب المئات، بعدما شهدت العاصمة بغداد، ومحافظات عدة، في وسط وجنوب العراق، تظاهرات شعبية عارمة، انطلقت في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، مطالبةً بتوفير فرص عمل للعاطلين، وتحسين الخدمات، والقضاء على "مافيات" الفساد التي تهيمن على مؤسسات الدولة العراقية.
وأمهلت المرجعية الدينية الشيعية العليا، حكومة عادل عبد المهدي، أسبوعين، للكشف عن ملابسات استهداف المتظاهرين، من قبل مسلّحين قيل إنّهم ينتمون لميليشيات موالية لطهران، ليعلن رئيس الوزراء العراقي استجابته لدعوة المرجعية، عبر تشكيل لجنة تحقيق في الحوادث الدموية التي شهدتها مدن العراق في الأيام الماضية.
اقرأ أيضاً: قمع التظاهرات العراقية.. هل تغير الوضع عن النظام السابق؟
قنّاصة يرصدون متظاهري التحرير
ما يزال الغموض يلفّ المشهد السياسي والأمني في العراق، حيال الجهات المنفذة لعمليات القنص التي طالت متظاهري ساحة التحرير، وسط العاصمة بغداد؛ حيث اعتلى بناية المطعم التركي قرب الساحة المحاطة بالأجهزة الأمنية، قناصون اصطادوا بعض المتظاهرين، كان أحدهم المصور الصحفي حسين الأعظمي.
نقد شعبي للقوات الأمنية لعدم ردّها على مطلقي العيارات النارية المجهولة صوب المتظاهرين
الناشط السياسي العراقي، حامد الحمامي، لم يستبعد ضلوع إيران في عمليات القنص، لكنّه رجّح حدوث ذلك عبر الميليشيات العراقية الموالية لها، وقال لـ "حفريات": إنّ "تشكيلات الشرطة العراقية هي مع الشعب باستثناء قوات مكافحة الشغب التابعة للأحزاب الإسلامية الموالية لإيران".
وأضاف: "القناصة تمركزوا في مواقع على أسطح المنازل، وأطلقوا أعيرة نارية على المتظاهرين، الذين امتلأت بهم ساحة التحرير البغدادية"، مشيراً إلى أنّ "الأجهزة الأمنية العراقية لا تتحرك إزاء مطلقي النيران الذين حاولوا بثّ الرعب والخوف في نفوس المتظاهرين".
وتابع الحمامي قوله: "عدم تحرك القوات الأمنية دلالة على أنّ هناك من هو أعلى منهم، أو بالأحرى وجود تنسيق أمني بينهم وبين القناصين، وإلا لماذا لا يتم لجم مصدر النيران؟".
اقرأ أيضاً: احتجاجات العراق.. والدور الإيراني
ضحايا مدنيون وعسكريون بنيران القناص
إلى ذلك، أفادت خلية الإعلام الأمني العراقي، بتسجيلها حالات قنص للمتظاهرين والقوات الأمنية خلال التظاهرات الدامية التي تشهدها العاصمة بغداد وبعض المحافظات.
وقالت خلية الإعلام الأمني، في بيان: "أشرنا إلى وجود حالات قنص في بعض المناطق أدّت الى إصابة بعض المتظاهرين والقوات الأمنية، في محاولة لخلق الفتنة"، مبيّنة أنّ "منتسبَيْن اثنَين من القوات الأمنية، ومواطنَين اثنَين، قتلوا، في ساحة الطيران ومول النخيل وسط بغداد، بنيران قناصين مجهولين".
ناشطون مدنيون يفرّون من مدنهم إلى كردستان بعد أن هددتهم ميليشيات مسلّحة بالتصفية الجسدية في حال التحشيد للتظاهرات
ويعلق على ذلك الخبير الأمني، قاسم الجنابي، قائلاً: "ما يحصل جريمة يحاسب عليها القانون، والقائد العام للقوات المسلحة هو المسؤول عن الدماء المستباحة في البلاد"، متسائلاً: "ما هو دور الأجهزة الاستخبارية التي انعدم نشاطها قبل وبعد الاحتجاجات الشعبية؟".
ويضيف الجنابي لـ "حفريات": "موضوعة القناصين هي من عمل الجماعات المسلحة التي تمتلك نفوذاً سلطوياً وحكومياً في البلاد"، لافتاً إلى أنّ "القادة الأمنيين باتوا عاجزين تجاه ما يحصل ولا يمتلكون المقدرة على محاسبة أو متابعة الجهات التي تمارس أعمال العنف التي طالت المتظاهرين".
ناشطون يهاجرون إلى كردستان
وفي السياق ذاته؛ كشف ناشطون مدنيون، عن مداهمة جهات مسلّحة منازل زملائهم في العاصمة بغداد، في إجراء لاعتقالهم، إلا أنّ الأنباء عن وجود قائمة تضمّ أسماء ناشطين مستهدفين دفعتهم إلى الهروب واللجوء إلى كردستان.
وقال أحد الناشطين لـ "حفريات": إنّ "أصابع الاتهام وُجِّهت إلى أطراف مسلّحة تنتمي لميليشيات عراقية موالية لإيران، بعد تنصّل الحكومة من عمليات كهذه".
اختطاف ناشط ليبرالي من منزله في بغداد وأصابع الاتهام توجَّه لجهاز الأمن الوطني وإدارة الفياض
وأكّد أنّ "عدداً كبيراً من الصحفيين العراقيين اضطروا، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى ترك بغداد ومدن الجنوب والتوجه نحو محافظات كردية، في إجراء احترازي لمنع اعتقالهم بتهم الترويج ودعم المتظاهرين، لا سيما العاملين في مجالات التدوين والتلفزيون"، مبيناً أنّ "بعضهم تلقى اتصالات من أرقام مجهولة هددتهم بالتصفية في حال استمرارهم بمزاولة الصحافة".
ولعلّ أكثر ما يتداول حالياً، بين الصحفيين والإعلاميين العراقيين؛ هي "القائمة" التي تضمّ أسماء أكثر من 300 شخص من العاملين في الصحافة العربية والأجنبية، ولم يسلم منها ممثلون كوميديون، ولعلّ أبرزهم صاحب البرنامج الساخر "ولاية بطيخ"، علي فاضل، الذي كتب على حسابه الموثق على "إنستغرام"؛ أنّ "جهات مجهولة أعدت قائمة بأسماء المدونين والناشطين والصحفيين، من أجل تصفيتهم".
"ميثم الحلو" في قبضة المجهول
ومنذ أيام، يتداول ناشطون مئات التغريدات والتدوينات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين عن مصير ميثم الحلو، وهو ناشط ليبرالي، بعدما فوجئ متابعوه باختفائه، وبعد السؤال عنه، تبيَّن أنّه اختطف بواسطة جهة مجهولة.
وكتب الإعلامي العراقي، سعدون محسن ضمد، على صفحته في فيسبوك": "ميثم الحلو وين؟ ميثم منذ ما يقارب السنة مهموم بشؤونه الخاصة، لا يكتب، ولا يتفاعل مع الشؤون العامة نهائياً، وصفحته في (فيسبوك) شاهدة على ما أقول، فلماذا يختطف أو يعتقل؟ وهذا السؤال موجَّه إلى فالح الفياض، مستشار جهاز الأمن الوطني الذي فتح نار اتهاماته على الإعلاميين والمثقفين والمدونين، ففتح الضوء الأخضر لاختطافهم".
اقرأ أيضاً: العراق ما بعد الأول من أكتوبر
وأكّد ضمد؛ أنّ "خطاب التهديد الموجَّه من رئيس جهاز مكلف بجمع المعلومات والكشف عن (المندسين)، غير موفَّق (يقصد الأمن الوطني)؛ فالمنتظر منه أن يكشفهم لنا بصمت، لا أن يهدّدهم عبر الإعلام؛ لأنّ الكلام الغاضب يرسل رسالة عجز وضعف... أطلقوا سراح المعتقلين أو حاكموهم بشكل علني، لكن لا تخفوهم كما فعلتم بالعشرات قبلهم".
استهداف السلطة الرابعة
هذا وتستمر الانتهاكات بحقّ المؤسسات الصحفية العراقية، بعد تعرضها للتهديد تارة، وللاقتحام المسلّح تارة أخرى، واختلفت الجهات المنفذة، منها ميليشيات مسلّحة، أبرزها الخرساني وحزب الله، فيما تشير أنباء إلى أنّها لعبة استخباراتية من جهاز الأمن الوطني الذي يتولى رئاسته زعيم "الحشد الشعبي" نفسه، فالح الفياض."
مداهمة مقرات لوسائل إعلام عراقية بعد تغطيتها للحدث الاحتجاجي ومحللون سياسيون يخشون الظهور الإعلامي
وتعرّضت سلسلة قنوات فضائية عراقية للإغلاق، بعد اقتحام مقارها وتحطيم أجهزتها والاعتداء على العاملين فيها، من بينها قناة "دجلة"، التابعة لرئيس حركة الحلّ، جمال الكربولي، وقناة "الفرات" التابعة لزعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، وقناة "الرشيد" التابعة للتجمع الجمهوري العراقي. فضلاً عن قناة "nrt" التي يملكها رئيس حركة الجيل الجديد، شاسوار عبد الواحد، الأمر الذي دفع بفضائيات أخرى إلى تخفيض نسبة تغطيتها للأحداث.
ويقول الصحفي لؤي الياسري لـ "حفريات": "أجهزة الحكومة صارت تلاحق من يطل على الفضائيات، ويشرح مستوى القمع وما يتعرض له المتظاهرون"، مشيراً إلى أنّ "عدداً من المحللين والخبراء السياسيين والحقوقيين باتوا يعتذرون عن الظهور منذ يومين في الفضائيات بسبب ترهيب الدولة لهم".