3 سيناريوهات ممكنة لتجاوز الأزمة في تونس

3 سيناريوهات ممكنة لتجاوز الأزمة في تونس


29/04/2021

تعيش تونس، منذ أشهرٍ، على وقع أزمة سياسيّة، هزّت استقرار البلاد، وعطّلت دواليب الدولة، بعد استحالة الحوار بين الرئاسات الثلاث، كانت بدايتها انقلاب رئيس الحكومة، هشام المشيشي، على الرئيس قيس سعيّد، الذي عيّنه بالتحالف مع النّهضة، وتفاقمت برفض سعيّد للتحوير الوزاري الذي أجراه المشيشي، بدعمٍ من حركة النّهضة، وتمسّك الأخير ببعض الأسماء فيه.

كما تعاني تونس من أزمتَين، اقتصادية واجتماعية، فاقمتهما جائحة كورونا؛ حيث شهد الاقتصاد تراجعاً حاداً خلال العام الحالي، فيما تشهد عدة مناطق احتجاجات مختلفة تتضمن مطالب فئوية.

الحلول المطلوبة لحلّ الانسداد السياسي في تونس أصعب من مجرّد حوار وطني كان من الممكن أن يكون فاعلاً لو انطلق قبل ستة أشهر من الآن

هذه الأزمات فتحت الباب أمام سيناريوهات عدّة باتت تلوح في الأفق في ظلّ تعقّد المشهد لدرجة كبيرة؛ إذ يذهب بعض النواب والخبراء إلى 3 سيناريوهات ممكنة: إما الحوار بين مختلف الأطراف المكونة للمشهد، وهو أمر يرفضه الرئيس قطعياً، أو إجراء انتخابات مبكرة بسبب تعطل لغة الحوار بين الرئاسات الثلاث، وهو ما تتهرّب منه حركة النّهضة، أو اللجوء إلى الاستفتاء على النظام السياسي الحاليّ الذي تسبّب في أزمة تاريخية، وهو سبب خلاف النّهضة مع الرئيس.

انتخابات مبكّرة

وعاد الحديث من جديد عن إجراء انتخابات مبكّرة كحلّ لإخراج البلاد من الأزمة التي تمرّ بها، وهي الفرضية التي تلقى الدعم من الأحزاب الصغيرة، وغيرها من الأحزاب التي أخفقت في انتخابات 2019 ووجدت نفسها خارج البرلمان، وسط إجماع عدد مهمٍّ من الفاعلين السياسيين والخبراء.

 أي سيناريوهات محتملة لتجاوز الأزمة السياسية في تونس؟

يأتي ذلك في ظلّ دخول البرلمان الحالي، الذي أفرزته انتخابات عام 2019، في دائرة "الفوضى"، بسبب التشتت والتشرذم اللذين يحيطان بتركيبته، وقد وصل الأمر إلى تبادل العنف في أكثر من مناسبةٍ، وهو ما يعدّ سابقة لم تعرفها تونس من قبل.

ورغم أنّ حركة النهضة والرئيس قيس سعيّد كلاهما لا يدعمان هذا الخيار خوفاً من خسارة رصيدهما الانتخابي، إلاّ أنّ الدفع نحو هذا السيناريو جاء على لسان عدّة سياسيين من مختلف التوجهات، في مقدّمتهم عياض اللومي، القيادي في حزب قلب تونس (حليف حركة النّهضة)، الذي دعا إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، تشمل أيضاً الانتخابات الرئاسية، لافتاً إلى أنّ تونس تمرّ بأزمةٍ خطيرة ليس فقط بسبب إيقاف نبيل القروي (رئيس حزبه وخصم سعيّد) الذي يعدّ من التأثيرات السلبية لتطور المشهد، والمطلوب هو الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها.

المحلل السياسي باسل ترجمان لـ"حفريات": فكرة الاستفتاء الشعبي مطروحة بشدّة، وتدعمها أطراف سياسية كثيرة، خصوصاً بعد 10 سنوات من فشل النظام وتشكيلته الهجينة

ويدعم الرئيس التونسي الأسبق، محمد المنصف المرزوقي، هذا الخيار، لأنّه يقدّر أنّ ذلك يساعد في حلحلة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها البلاد، ورأى في تدوينة نشرها على حسابه بموقع فيسبوك: أنّ "الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة لأوانها قد تكون مغامرة، لكن في المغامرة على الأقل بعض الأمل".

حزب تحيا تونس (14 مقعداً)، الذي يدعم حكومة هشام المشيشي دون أن ينضمّ إلى التحالف الثلاثي بقيادة حركة النهضة، دعا رئيسه يوسف الشاهد أيضاً، خلال كلمة مُصورة بثها في صفحته بفيسبوك، إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، للخروج من الوضع الحالي الذي وصفه بـ "العبث".

من جانبه، رأى لطفي زيتون، القيادي بحركة النهضة، والمعروف بتصريحاته المثيرة، أنّ الوضع الحالي "لم يعد قابلاً للاستمرار، ويتطلب العودة مرّةً أخرى إلى صناديق الاقتراع".

اقرأ أيضاً: الى أين وصل مشروع التّمكين الإسلاموي في تونس؟

خيار يدعمه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية)، على لسان أمينه العام نور الدين الطبوبي، الذي رأى أنّ استمرار الأزمة السياسية في البلاد يستدعي إجراء انتخابات مبكرة في البلاد، لافتاً إلى وجود "هنّات" في التجربة الديمقراطية، التي يمكن تغييرها عبر الإطار التشريعي والمؤسسات، أو عبر الذهاب للشعب التونسي وهو صاحب الأمانة.

ويرى في هذا الشأن، المحلل السياسي جمعي القاسمي؛ أنّ هذا السيناريو هو الحلّ الأنسب لجميع الفرقاء السياسيين للخروج من الأزمة، معتبراً الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها شكلاً من أشكال العمل الديمقراطي الذي يتعيّن على الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان اعتماده في مثل هذه الظروف.

المحلل السياسي جمعي القاسمي

ويرجح القاسمي، في حديثه لـ "حفريات"؛ ألّا ينجح نظراً للحسابات الضيقة لبعض الأحزاب والنواب التي تجعل هذا الخيار بعيد المنال، خصوصاً أنّ نتائج سبر الآراء تضع أحزاباً، لا تجد لها من يدعمها في البرلمان، في المقدّمة، على غرار الحزب الدستوري الحرّ، وهو ما جعل حركة النّهضة الإسلامية تحاول جاهدةً أن تُبعد هذا السيناريو، عسى أن تتوفر لها أرضية تمكّنها من تصدّر المشهد من جديد، عندها ستدفع بقوّة نحو هذا الاتجاه.

حوار وطني

النّهضة، التي ترفض خيار الانتخابات السابقة لأوانها، وتعارض إمكانية إجراء الاستفتاء الشعبي لتغيير النظام السياسي الذي يدعمه الرئيس، تبحث إمكانية إجراء حوار وطني بين الرئاسات الثلاث (رئاسة البلاد ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان) برعاية المنظمة الشغيلة، التي نجحت في تجاوز أزمة سياسية عاصفة كادت تتحول إلى حرب أهلية في 2013، بسبب الاغتيالات السياسية، التي اتُّهمت فيها حركة النّهضة.

اقرأ أيضاً: "النهضة" للتونسيين: نحكمكم وندمّركم

هذا السيناريو تستبعده الأوساط السياسية بسبب تنامي منسوب العداء بين رئيس الجمهورية من جهة، ورئيس الحكومة وحركة النّهضة من جهةٍ أخرى، بسبب الانقلاب عليه، وإعلان سعيّد صراحةً رفضه الحوار مع من وصفهم "اللصوص" و"المطلوبين للعدالة"، وهو ما يؤشّر على استحالة البدء في حوار يجلس فيه المتخاصمون على طاولة واحدة.

وانتقد سعيّد، خلال إحياء ذكرى رحيل الرئيس الأسبق، الحبيب بورقيبة، في 6 أبريل (نيسان) 2021، الواقع السياسي في تونس، قائلاً: "انتقلنا من الحزب الواحد إلى اللوبي الواحد، في الظاهر هناك تعددية سياسية، ولست مستعداً للتعامل مع اللوبيات، ومع من سرقوا وسطوا على مقدرات هذا الشعب"، في إشارةٍ إلى حركة النّهضة وقلب تونس.

المحلل السياسي يوسف الوسلاتي

في غضون ذلك، وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمة السياسية وتتفاقم تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، تتمسّك حركة النهضة برئيس الحكومة، هشام المشيشي، حيث أكّد الناطق الرسمي باسم الحركة، فتحي العيادي، في 6 أبريل (نيسان) 2021؛ أنّ "الحركة وصلتها إشارات بأنّ رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، متمسّك بإقالة حكومة هشام المشيشي، قبل الحوار الوطني، إلاّ أنّها ما تزال متمسكة بالمشيشي على رأس الحكومة".

اقرأ أيضاً: هل أصبحت تونس قاب قوسين من السيناريو اللبناني؟

ويستبعد المحلل السياسي، يوسف الوسلاتي، نجاح فكرة الحوار الوطني في حلّ الأزمة الراهنة المعقّدة، لأنّ الوقت قد تأخر، والوضع السياسي تعفّن ولا يمكن رأبه بإجراء حوار وطني، مشدّداً على أنّ الوقت قد تأخر كثيراً.

ورأى الوسلاتي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ الحلول المطلوبة لحلّ الانسداد السياسي الحالي، أصعب من مجرّد حوار وطني، لافتاً إلى أنّه كان من الممكن أن يكون فاعلاً لو انطلق قبل ستة أشهر من الآن.

استفتاء شعبي

هذا الانسداد السياسيّ، في ظلّ تشبّث كلّ طرفٍ بموقفه، بحسب الحقوق التي يمنحها الدستور لكلّ طرف منهم، دفع جزءاً من الأوساط السياسية والشعبية إلى تحميل مسؤولية الأزمة الحالية لطبيعة النظام السياسي (شبه برلماني) الذي شتّت الصلاحيات بين الرئاسات، ورأوا أنّ الحلّ يكمن أساساً في تغييره، من خلال القيام باستفتاء شعبيّ لإنهاء النزاع حول الصلاحيات والتخلص من نظام لم ينتج سوى الأزمات منذ سنوات.

اقرأ أيضاً: تركيا تعزز نفوذها في تونس عبر المساعدات الاجتماعية

هذا الخيار يدعمه رئيس الجمهورية، الذي عُرف بانتقاده الدائم للنظام السياسي الحالي وللمشهد البرلماني برمته، وبتبينه لمشروع "الديمقراطية المباشرة"، التي تنطلق من إرادة الشعب عبر تركيز المجالس المحلية، فضلاً عن أحقية الناخبين في سحب الوكالة ممن انتخبوه في أيّ وقت، وفق ما روّج له خلال حملته الانتخابية.

كما سبق له أن أعلن، في تصريحات إعلامية محلية، إبّان ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2019؛ أنّه "سيُقدم مبادرة تشريعية من أجل تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي بهدف دعم الحكم المحلي والتنمية المحلية".

المحلل السياسي باسل ترجمان

ويعتقد المحلل السياسي باسل ترجمان؛ أنّ فكرة الاستفتاء الشعبي مطروحة بشدّة، وتدعمها أطراف سياسية كثيرة، خصوصاً بعد 10 سنوات من فشل النظام وتشكيلته الهجينة التي جاء بها دستور 2014، غير أنّ هذا الدستور وضع عقبات كثيرة أمام تفعيله، في ظلّ غياب المحكمة الدستورية، التي يتحمّل مسؤولية غيابها البرلمان، بعد فشله في إرسائها بالآجال القانونية.

ولفت ترجمان إلى أنّ النظام السياسي الحالي وضع البلاد في مأزق سياسي دستوري، بسبب تناثر السلطات، وغياب الإرادة السياسية في إيجاد حلول لذلك، لأنّ هناك أطرافاً ترى نفسها مستفيدة من الأزمات المتتالية، بعد أن مارست الحكم منذ الثورة، دون أن تتحمّل المسؤولية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية