حصل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أكثر من 50 في المئة من الأصوات خلال انتخابات أول من أمس، ما يعني فوزه بولاية رئاسية جديدة، وبسلطات معززة لمدة خمسة أعوام، مدعوماً بأكثرية برلمانية مريحة نسبياً.
ويرى محللون أنّ السؤال الأكبر في تركيا اليوم هو: ماذا سيفعل أردوغان بعد فوزه؟ ويقول مراقبون إنّ تركيا مقبلة على مرحلة سياسية جدديدة يتمتع فيها الرئيس بصلاحيات شبه مطلقة غير مسبوقة، ففي حين حكم مؤسس تركيا الجديدة مصطفى كمال أتاتورك لمدة خمسة عشر عاماً، فإنّ أردوغان يحتل رقماً قياسياً لم يسبقه إليه أحد في تركيا؛ فهو حتى الآن حكم لمدة ستة عشر عاماً ويحق له بعد نتيجة أول من أمس أن يحكم خمسة أعوام أخرى قابلة للتجديد، وهذا يخيف المعارضة التركية. وقد أقر المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية التركية، محرم إنجه، بفوز أردوغان، ولكنه حذر مما سماه "فترة مقبلة خطيرة من حكم الرجل الواحد"، ودعا أردوغان ليكون رئيس جميع الأتراك.
ظروف إجراء الانتخابات
ويخشى المعارضون، كما تقول "بي بي سي" من أن يكون للتغييرات السياسية، التي أقرت في استفتاء شعبي العام الماضي، آثار سلبية تؤدي إلى نظام حكم سلطوي، ويتهم المنتقدون أردوغان بكبح الحريات المدنية بما في ذلك حرية الإعلام.
منتقدون:;كانت أجواء الدعاية الانتخابية غير نزيهة مع هيمنة أردوغان على الإعلام قبل التصويت وتخصيص وقت قليل لتغطية حملات خصومه
ويقول منتقدون إنّ الدعاية الانتخابية تمت في أجواء غير نزيهة مع هيمنة أردوغان على التغطية الإعلامية قبل التصويت وتخصيص وقت قليل لتغطية حملات خصومه، كما أفادت وكالة "رويترز" للأنباء؛ فقد خاض صلاح الدين دميرتاش، أحد منافسي أردوغان ورئيس حزب الشعوب الديمقراطي، الانتخابات الرئاسية من السجن؛ إذ إنه معتقل بتهم تتعلق بالإرهاب ينفي ارتكابها، ويواجه في حالة إدانته السجن 142 عاماً. كما جرت الانتخابات، وفق "رويترز"، في ظل حالة الطوارئ المعلنة منذ محاولة الانقلاب عام 2016 والتي قتل فيها 240 شخصاً على الأقل. وقال أردوغان إنه سينهي حالة الطوارئ قريباً، وهي حالة شهدت طيلة العامين الماضيين حملات اعتقال وتضييق على شرائح واسعة من المعارضين، كما شهدت إعادة هيكلة واسعة لقطاعات ومؤسسات الدولة التركية، مصحوبة بعملية تطهير سياسي، خصوصاً ضد الأكراد.
وقد نشر معارض في هيئة رقابة إعلامية رسماً بيانياً يوضح حصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على عدد ساعات بث لحملته الانتخابية أكبر بكثير من منافسيه. وذكر "راديو سوا" أنّ الرسم البياني الذي نشره إلهان طاسجي، عضو المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون، يوضح أن أردوغان وحزبه الحاكم حظيا بتغطية لأكثر من 181 ساعة على قنوات شبكة تلفزيونTRT، في حين حظيت حملة محرم إنجه وحزب المعارضة الرئيسي بـ 16 ساعة تغطية فقط.
وكان تقريب موعد الانتخابات وتبكيرها قد فاجأ المعارضة التركية، كما أنّ فشل الأخيرة في توحيد صفوفها في الانتخابات الأخيرة قد لعب لصالح حملة حزب العدالة والتنمية الحاكم، الرئاسية والبرلمانية.
صلاحيات أردوغان الجديدة
وعقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة التي شهدتها تركيا أول من أمس، تنتقل البلاد إلى النظام الرئاسي الجديد، الذي يضمن صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية. ومن بين هذه الصلاحيات، كما تذكر صحيفة "الشرق الأوسط":
1. تعيين الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين، واختيار نائب أو أكثر للرئيس.
2. إلغاء منصب رئيس الوزراء.
3. تعيين أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة، ومدعي العموم الذي يتولى التعيينات والإقالات في السلك القضائي (سيعيّن الرئيس 6 أعضاء، والبرلمان 7 أعضاء).
رويترز:جرت الانتخابات في ظل حالة الطوارئ المعلنة منذ محاولة الانقلاب عام 2016 والتي قتل فيها 240 شخصاً على الأقل
4. إعلان حالة الطوارئ قبل عرضها على البرلمان عند حدوث "انتفاضة ضد الوطن"، أو "أعمال عنف تهدد بانقسام الأمة" (ولا يمكن فرض حالة الطوارئ لأكثر من 6 أشهر في المرة الأولى، لكن يمكن تمديدها لـ4 أشهر على الأكثر في كل مرة).
5. إصدار المراسيم الرئاسية حول كل القضايا المتعلقة بصلاحياته التنفيذية، دون المسائل التي ينظمها القانون.
6. ستكون ولاية الرئيس 5 سنوات، ويجوز له الترشح لفترة ثانية فقط.
7. يحتفظ الرئيس بصلته بحزبه السياسي.
8. تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية معاً كل 5 سنوات.
9. يحتفظ البرلمان بسلطة إقرار وتعديل وإلغاء القوانين والتشريعات، والإشراف على أعمال الرئيس.
سيناريوهات محتملة
ويمكن التكهن بسيناريوهات عدة قد تحكم سياسات تركيا ما بعد فوز أردوغان ومنها:
السيناريو الأول: انفتاح أردوغان على المعارضة وإلغاء حالة الطوارئ؛ وذلك لتخفيف الاحتقان الداخلي والانقسامات العميقة في المجتمع التركي بسبب سياسات أردوغان السلطوية في السنوات الأخيرة، وما نجم عنها من تراجع اقتصادي وزيادة المديونية وتقهقر لسعر الليرة التركية وفرار العديد من المستثمرين من تركيا. وإذا ما ذهب أردوغان في اتجاه هذا السيناريو فإنّ من المرجح أن يعمد إلى تشكيل طاقم اقتصادي جديد قوي من التكنوقراط، في ظل الأولوية القصوى للملف الاقتصادي في تركيا حالياً.
السيناريو الثاني: أن تقع تركيا في أجواء مأزومة دستورياً، ومرحلة انتقالية غير مستقرة؛ في ظل تهميش صلاحيات الرئيس للسلطات الأخرى، وفي ظل تغول حكم الفرد وترجيحات بأن يعمد أردوغان إلى اتخاذ قرارات مصيرية في المرحلة المقبلة. وقد تحاول المعارضة إلى توسيع أنصارها وتحالفاتها في البرلمان بغية الحصول على ثلثي أصوات البرلمان للتمكن من تعطيل بعض قرارات أردوغان، وهذا سيناريو غير قوي في ظل حيازة حزب العدالة والتنمية أغلبية في البرلمان الجديد، وفي ظل الصلاحيات الدستورية التي سيتمتع بها أردوغان في العهد الجديد.
تحالف أردوغان مع قطر سيعني تعزيزاً لقوى التشدد والإسلام السياسي في المنطقة وهو ما تعارضه قوى إقليمية ودولية
السيناريو الثالث: أن يستغل أردوغان تقاربه مع روسيا في الملف السوري من أجل عقد حلف تركي-روسي-إيراني-قطري يسهم في شكل واسع في عمليات إعادة إعمار سوريا، وهذا سينعش الاقتصاد التركي بالتأكيد، ويضعف أوراق المعارضة التركية، وسيحسّن العلاقات التركية-السورية، برعاية روسية وإيرانية. لكن هذا التحالف المفترض قد تعترضه مصالح أمريكية وأوروبية وإقليمية، لن تسمح بتجاوز الخطوط الحمر، وتجاوز حصصها من عمليات إعادة الإعمار، التي تتطلب مئات المليارات من الدولارات، وهو ما لن يقوى عليه هذا التحالف. كما أنّ تحالف أردوغان مع قطر سيعني تعزيزاً لقوى التشدد والإسلام السياسي في المنطقة بحيث يظهر وكأن تركيا-قطر تقودان قاطرة "الإخوان المسلمين"، وهو ما تعارضه قوى إقليمية ودولية، وستقف في وجه تحقيق هذا السيناريو، على الأغلب. ومع ذلك فإن حظوظ هذه السيناريو، (على مستوى توسيع تحالف أردوغان مع حركات الإسلام السياسي من جهة، وكذلك مع الجاليات المسلمة في أوروبا من جهة أخرى) تظل قوية؛ خصوصاً في ظل رغبة أردوغان القوية في أن يكون عرّاباً لشرائح واسعة من المسلمين في أوروبا (ألمانيا وبلجيكا والبوسنة ...)، وهذا سيثير مسألة السيادة والولاء الوطني في الدول الأوروبية، في ظل إصرار أردوغان على أنّ ولاء الرعايا الأتراك في أوروبا هو لتركيا أولاً، وقد يفتح هذا أزمات هوية وصراعات بين تركيا ودول غربية، برغم حاجتها لأردوغان في ملفات الهجرة والأمن ومكافحة الإرهاب (ملف العائدين الغربيين من سوريا والعراق). من جانب آخر فإنّ توثيق العلاقات التركية-الروسية، خاصة على المستوى العسكري، قد يعيد الجدل بشكل أقوى حول مكانة تركيا في حلف "الناتو" وتوجهها شرقاً.